لقد أصبحت إحدى الشائعات في المملكة المتحدة أن الأمير فيليب البالغ 97 عامًا يمكن أن يقول أشياءً لا تملك حسًا ثقافيًا أمام عامة الشّعب وهذا ما يجده الناس في أجدادهم أيضًا؛ إذ أنهم يقولون أشياءً بغيضةً عندما يكبرون بالسن.

وتظهر تلك العلامات في كبار السّنّ لأنهم من زمن مختلف، ويعد العالم الحالي مختلفًا عن الزمن الذي نشؤوا فيه، ولكن على الرغم من أن هذا يبدو صحيحًا جزئّيًا إلا أنه ليس الحكاية بأكملها.

أبدت دراسة أن صغار السّنّ أقلّ عنصريةً من كبار السن بشكل كبير؛ على سبيل المثال: لقد كانت نسبة التزاوج بين الأعراق المختلفة عام 1958 في الولايات المتحدة الأميركية 4% وقد وصلت إلى 50% عام 1997 وإلى 87% في وقتنا الحالي.

ولكن التحيز والتعصب القديم لا يظهر دائمًا بشكل عنصري، يمكن أن يظهر بشكل نكتة سيئة الحكم أو تنميط عنصري خفي.

كما نلاحظ أنه مع التقدم في العمر تقل القدرة على تقدير ما هو صحيح وغير صحيح، وهذا يؤدي إلى قول كبار السّنّ الأشياء دون تفكير، ما يجعل الآخرين يعتبرونه غير حساس. ولكن على الرغم من ذلك يوجد بعض الناس قد نشؤوا هكذا فحسب ولا علاقة للعمر بذلك.

وقد أبدى علماء النفس أن تغير السلوك لدى كبار السن مع التقدم في العمر له دور كبير في العنصرية لديهم.

كما أنه يجب أن نغير طريقتنا في الحكم على التصرفات الهجومية إذا كنا نتحدث عن كبار السّنّ لأنه يختلف عنه لدى باقي الفئات العمريّة.

من أين تنشأ العنصرية؟

يعتقد بعض العلماء أن للعنصرية والتحيّز أصولًا بيولوجيةً وتطوريّةً لأنهم ينظرون إليها على أنها منافسة على المصادر والثروات، ولكن لا يوجد دليل كافٍ لإثبات ذلك.

يضاف إلى أسباب العنصرية تلك، أسباب نفسية سايكولوجية: الشعور بنقص الأمان، الحاجة إلى الهويّة، الرّغبة في الانتماء، وشعور بالتهديد من مجموعات وجماعات أخرى. ومع العلم أن فقدان الأمان يتطور مع التّقدّم في العمر إذ أنّه من السّهل جدًا أن تنسب الأشياء التّي لا تحبها في نفسك إلى الآخرين.

وأحد أهم أسباب عدم الشّعور بالأمان هو قرب كبار السّنّ من الموت: كما يقول ستيف تايلور، محاضر كبير في علم النفس في جامعة لييدس بيكيت.

تقول إحدى نظريات علم النفس، وهي نظرية تدبير الرعب (terror management theory): «مع الوعي إلى الاقتراب من الموت يصبحون أكثر واقعيةً، ماديّةً، وتمسّكًا بالأعراف والعادات والتقاليد، فإنّ الشعور بقرب الموت يولد الخوف، لذلك يلجأ هؤلاء إلى التَشبَث بالهويّة وإلى المحاولة والشعور بالانتماء أو حتى الشعور بالحماية».

وتكمن هذه الراحة النفسية الناتجة عن الانتماء لدى البعض في التضامن لكره المجموعات والجماعات الأخرى على الرغم من أن هذه الطريقة للشعور بالانتماء مشوهة إلا أنها تعد محفّزًا للّذين يتمتعون بهذه الخاصيّة، فبعض الأفراد يشعرون براحة نفسية بتوجيه الأخطاء الّتي يرتكبونها إلى الآخرين؛ خاصةً في حالة نقص التقدير للنفس أو في حالة كره الذات.

ويمكن أن تعامل بعض الغرباء الذين يبدون أو يتعاملون معك بشكل غريب أو قد أتوا من مكان آخر على أنهم كبش فداء، بأن توجه غضبك وكرهك تجاههم؛ إذ يشعر بعض كبار السن أن الشعور بالهوية مهدد عندهم في حال تغير العالم حولهم كثيرًا في حال انتقال بعض الناس من بلدان وبيئات أخرى إلى بيئتهم.

يكافح بعض المسنّين للبقاء على اتصال مع العالم الذي يبدو أنهم يتقبلونه بشكل أقل، ويمكن أن يكون الكفاح بالانتقام ومحو الآخر لإنقاذ الشعور بالانتماء.

مع التقدم بالعمر تصبح البنى العقلية أكثر صلابةً، لذلك يعاني الكبار في السن من القدرة على التّأقلم كما كانوا عليه في سنوات أصغر.

يقول تايلور أنّه لا يمكن أبدًا أن تنكر أن الحاجة إلى الهوية هي حاجة نفسية قوية، حيث يوجد شعور قلق في الهواء يخلق الحاجة للهويّة والانتماء والحاجة لنفي الجماعات الأخرى.

ولكن حالة وجود بعض كبار السن الذين عاشوا في مجتمعات لا تسودها العدالة كالمجتمعات التي ساد بها التمييز العنصري يختلف عما سبق وتحدثنا عنه.

إلّا أنّه من الممكن أن يعد جزءًا منه كما يقول أبرام، فقد بينت الأبحاث أنه حتى لو نما البشر في بيئة يسودها التمييز العنصري، فإنه من الممكن أن يتعلموا ويصبحوا أكثر ليبراليّةً، فإنّنا كبشر يمكن أن ننفتح أكثر، فلدينا القدرة على أن نجعل شخصياتنا أكثر مرونةً وانفتاحًا.

الضّمور الدّماغي مع التّقدّم في العمر:

إلّا أنّ هذا الانفتاح لا يستمرّ إلى الأبد؛ مع التّقدم في العمر تقل المرونة ويصبحون أقلّ قدرةً على التّأقلم منها عندما كانوا أصغر، وكما تقول تايلور أن البنية الدماغية تصبح أكثر صلابةً مع التقدم في العمر وبالتالي يصبح الإنسان أقل قدرةً على التّأقلم مما كان عليه، وعدم التأقلم هذا يخلق شعورًا بالعزلة، الارتباك، وعدم التوافق.

وقد أبدت الدراسات أن الكبار بالسن أكثر تعصبًا من نظائرهم الأصغر سنًا حتى لو لم يبدو هذا التعصب في سن أصغر.

وهذا لا معنى له في حال كان الناس يردون على ما كانوا عليه من تجارب في السّابق.

وقد قال أبرام أن السبب في ذلك بيولوجي تمامًا وهو تغير البنية الدماغية مع التقدم في العمر.

إذ تبدأ القشرة أمام الجبهية بالضمور وتفقد وظيفتها تدريجيًا، وهي المنطقة المسؤولة عن المنطق والمحاكمة لترشيح الأفكار وتثبيط غير المناسب منها. فتجول في رأس كلّ منّا أفكار عديدة يعلم أنه لا يجب أن يبوح بها، لكن مع تراجع القدرة الإدراكية مع التقدم في السن يصعب على هؤلاء القدرة على الكبح وينفجرون قائلين كل هذه الأفكار.

وهذا يبدو مشابهًا لمتلازمة توريت وهي عدم القدرة على التحكم فيما تقوله.

وكما يقول أبرام أنه مع التقدم في العمر وفقد بعض القدرات الدماغية يصعب علينا كبت الأفكار غير الواعية التي تكون في العقل الباطن.

كما يقول أن هذا التعصب لدى كبار السن ليس مكروهًا أو مبغوضًا دائمًا، على الرّغم من أنه يمكن أن يكون كذلك في بعض الأحيان لكن ليس دائمًا.

يوجد طريقان يمكن أن يسلكهما كبار السن:

يوجد اختلاف كبير بين كبار السن وصغار السن، وأكثر ما نلاحظه في الاختلافات السّياسيّة مثل تصويت Grexit أو الصدع بين صوت المحافظين والأحرار وبين US و UK.

بعض مناطق العالم تقدر وتحترم كبار السن لكن في الثقافات الغربية نجد العكس.

وكما يقول تايلور أنه في ثقافة صغار السن يعد التقدم في العمر تضاؤلًا واختفاءً، وفقدًا للإنتاج والجاذبية، كل هذا يمثل الفارق بين كبار وصغار السن.

ولهذا يميل بعض المسنّين إلى النّطق بما يفكرون به لتعود لهم أيام الشباب، وعلى الرّغم من أنّ هذه الحالة ليست في الأغلبيّة إلّا أنّه لا بد من ذكرها.

وضعف الاهتمام بكبار السن هذا يجعلهم يسعون إلى تعويض هذا النقص.

وكما يقول عالم النّفس التّنمويّ إيريك إيريكسون أنّه يوجد طريقان يمكن أن يسلكهما كبار السن أحدهما: الألم، التّوتّر، والقلق، يتذمرون على العالم الحالي ويشيرون إلى أن الحياة في الماضي كانت أفضل بكثير.

والطّريق الأخر القبول والحكمة؛ يتأقلم الناس مع الواقع ويشعرون بسلام، وقد أبدت الدراسة أن العمر فوق 65 عامًا، يكون أسعد الفترات، يتبعها وينافسها فترة المراهقة وبداية العشرينات.

إنّها ليست قاعدة عامّة أن النّاس يصبحون أكثر امتعاضًا، وأسرع في الحكم مع التّقدّم في العمر، لكن بالنسبة للذين يكونون كذلك لا يوجد شيء يؤكد صحة ما يقولونه عن المرارة والخوف والتدهور المعرفي .

يوجد طريقة مناسبة لتقليص الفجوة بين كبار السن وصغار السّنّ كما أبدت الأبحاث، بحيث يجب فهم أنه يوجد أسباب بيولوجية لما يقوله بعض المقربين من أشياء غير صحيحة.

وإن نشوء بعض الناس في بيئات قليلة التسامح وكثيرة التّعصب لا يعني أن ذلك عقبة في طريقها ولا يعني أن كبار السن لا يتغيرون لا سيما أننا نعيش في مجتمع متطوّر قليل الجهل.


  • ترجمة: رهف السّيّد
  • تدقيق: أحلام مرشد
  • تحرير: صهيب الأغبري
  • المصدر