لا شك أن ظهور الحياة على الأرض كان السبب في التغيير الكبير الذي طرأ على كوكبنا الأزرق؛ فقد تطورت النباتات والطحالب قبل وقتٍ قصيرٍ، وبذلك ساعدت على تغيير الغلاف الجوي من ثاني أكسيد الكربون إلى الأكسجين، ما مهّد الطريق لظهور الحيوانات.

ولكن التغيير لم يقف هنا وحسب، بل أوضحت أبحاث جديدة أن ظهور الحيوانات قبل 540 مليون سنة غيّر الغلاف الجوي مرة أخرى وعلى الرغم من أن تأثيره من ناحية السرعة والكثافة لا يُقارن بالاحتباس الحالي إلا أنه قد تسبب بحادثة احتباس حراري.

ومع ذلك، بعد 100 مليون سنة من ظهور أول كائن حي في المحيط وقع النسل الجديد في العديد من أزمات الانقراض الجماعي مثل انخفاض مستويات الأكسجين مرةً أخرى وعودة مستويات ثاني أكسيد الكربون ودرجات الحرارة المرتفعة قبل الوصول إلى توازنٍ مناسب.

يقول عالم المناخ «تيم لانتون» من جامعة اكستر عن العملية المعروفة بالتعكير الحيوي:
«مثل الديدان في الحديقة، تقوم الكائنات الصغيرة في قاع المحيط بتحريك وخلط وتقطيع المواد العضوية الميتة، ولأن تأثير الحفر الذي تقوم به الحيوانات كبيرٌ جدًا، فإنك تتوقع حدوث تغيرات كبيرة في البيئة عندما يتغير قاع المحيط بالكامل من حالة مستقرة إلى حالة مضطربة».

لقد استخدم فريق البحث من جامعات اكستر نماذج رياضية لربط ظهور الحيوانات بحادثة الاحتباس الحراري التي حدثت قبل حوالي 520 مليون سنة.

قبل الظهور المفاجئ لمخلوقات قاع البحر في العصر الكمبري قبل 540 مليون سنة (الذي يعرف بالانفجار الكمبري) كان قاع المحيط مُغطى بحصائر ميكروبية كبيرة.

ورغم أن الكائنات المشابهة للديدان والحشرات غيرت الكثير إلا أنها لم تترك الكثير من المستحاثات خلفها، لكنها تركت آثارًا متحجّرة على نطاق واسع لجحورها.

وبينما هي تحفر بنشاط خلال الحصائر الميكروبية الغنية بالعناصر المغذية، قامت بخلط هذه العناصر مع رواسب قاع البحار، مثلما تفعل الديدان في حوض الحديقة تمامًا، وهذا ما يسمى بتعجيل العمليات العضوية.

لقد استهلكت هذه الكائنات الأكسجين وأنتجت ثاني أكسيد الكربون خلال تغذيتها. وعلى الرغم من أنها لم تقم بحفر جحورها بعمق كبير -حيث أن العمق لم يتجاوز ١ – ٣ سنتيمترات- مقارنةً بالمخلوقات التي تقطن في قاع البحر والتي تحفر أكثر بعشرة أضعاف من هذا العمق في أيامنا هذه، فقد كان هذا كافيًا ليُخلّ بالتوازن.

كما قال عالم البيئة «بنيامين ميلز» من جامعة ليدز: «عندما أطلقنا نموذجنا، تفاجئنا حقًا بما رأيناه!

لقد أدى تطور هذه الكائنات الصغيرة إلى انخفاض الأكسجين في المحيطات والغلاف الجوي، ولكنه أدى أيضًا إلى زيادة مستويات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي إلى الحد الذي تسبب في حدوث ظاهرة الاحتباس الحراري. كنا نعرف أن الاحتباس حدث في هذه الفترة من تاريخ الأرض، لكننا لم ندرك أنه من الممكن أن تكون الحيوانات مصدره!»

ولكن كل ذلك كان متطابقًا ومترابطًا؛ وصول الحيوانات، التعكير، استنزاف الأكسجين، وزيادة مستويات الكربون.

فقد ارتبطت أحداث الانقراض المتكررة من فترة العصر الكامبري المتوسط ​​إلى أوائل العصر الأوردوفيسي بنفاذ الأكسجين في المحيط.

كما قال لينتون: هذا لا يختلف عما يحدث الآن.

ولكن نحن قادرون على أن نقوم بشيء ما بشأن وضعنا الحالي، على عكس الديدان البحرية القديمة.

وأضاف قائلا: «هناك تناظرٌ مثيرٌ للاهتمام بين أقدم الحيوانات التي قامت بتغيير عالمها بطريقة أضرت بها، وما نفعله نحن الحيوانات البشرية على هذا الكوكب الآن، ومع انتشار نقص الأكسجين في المحيطات، فإننا نخلق عالمًا أكثر سخونةً، وهذا أمر سيء بالنسبة لنا، بل ولكثير من المخلوقات الأخرى التي نتشارك معها هذا الكوكب».

نُشر هذا البحث في مجلة (Nature Communications).


  • ترجمة: إبراهيم روتو
  • تدقيق: منّة حمدي
  • تحرير: صهيب الأغبري
  • المصدر