لقد أصبح الكوكب الأحمر أكثر زرقة، مع إعلان العلماء عن اكتشافهم لما يعتقدون كونه بحيرة يبلغ قطرها نحو 19 كيلومترًا وتقع على عمق 1.6 كيلومتر من الجليد في القطب الجنوبي للمريخ.

قدّم العلماء من قبل أدلة ضعيفة على وجود تلك الاحتياطات المائية، كما قدموا أدلة قوية على وجود كميات أقل من الماء على الكوكب.

ولكن هذه الاكتشافات الحديثة من المؤكد أن يكون لها صداها.

يقول أشوين فاسافادا (Ashwin Vasavada)، عالم من وكالة ناسا ويعمل في مهمة كيريوسيتي: «من المثير أن نتكلم عن وجود مياه سائلة على كوكب المريخ في الوقت الحالي».

ولكنه رفض التعليق عن مدى ثقته في نتائج تلك الدراسة فهو ليس خبيرًا في تقنية تصوير الرادار المستخدمة. ويقول مستطردًا: «تلك الأخبار مثيرة لما قد تحمله من عواقب على استعمار المريخ».

من المبكر جدًا أن نعرف ماهية تلك العواقب تحديدًا، إذ ما زال على العلماء تأكيد تلك الاكتشافات وتحديد خصائص تلك المياه، وهو ما يحتاج لمهمة بحثية لم يتم تصميمها بعد، وبالتالي الوقت مبكر جدًا للحديث عن ميعاد إطلاقها.

صورة توضيحية لمسبار مارس إكسبريس يدور حول المريخ

ماء أسفل الثلج؟

بنى العلماء هذا البحث على نظريات تعود لثلاثة عقود حول احتمالية وجود الماء السائل أسفل الغطاء الثلجي في أقطاب المريخ كما على الأرض.

كان ستيف كليفورد (Steve Clifford) أول من اقترح تلك الفكرة، وهو الآن عالم كواكب متخصص في المياه على المريخ في معهد علوم الكواكب في أريزونا بالولايات المتحدة، وهو غير مشارك في الدراسة الأخيرة.

قال في حديثه لموقع Space.com أنه استوحى تلك الفكرة من دراسات العلماء على بحيرات المياه السائلة الموجودة تحت الصفائح الجليدية في القارة القطبية الجنوبية وجرينلاند هنا على الأرض. تتكون تلك البحيرات بسبب الحرارة الداخلية للكوكب التي تذيب طبقات الجليد من أسفل، وقد ظن أن نفس السيناريو قد ينطبق على كوكب المريخ ولكن لم يتوفر لنا أي وسيلة لنتحقق من وجودها أسفل الجليد.

يحاول العلماء القيام بهذا بالضبط باستخدام بيانات الرادار التي جمعتها أداة تسمى (MARSIS) وهي اختصار لجملة إنجليزية بمعنى: رادار متقدم لدراسة أسفل سطح المريخ والغلاف الأيوني له، وهو بالضبط ما تقوم به تلك الأداة باستخدام نبضات من الرادار، وتوجد على المسبار الفضائي التابع لوكالة الفضاء الأوروبية (Mars Express) منذ عام 2003.

رسم توضيحي للمركبة مارس إكسبريس في مدارها حول الكوكب، وبيانات الرادار الملتقطة من الكوكب. تمثل الرقعة الزرقاء دليل العلماء على وجود الماء السائل أسفل السطح.

 

ترتد إشارات الرادار التي ترسلها الأداة بطرق مختلفة معتمدة على طبيعة المواد التي ترتد عنها. يقول الفريق المسؤول عن الدراسة الجديدة أن البيانات الناتجة عن الأداة في منطقة القطب الجنوبي لا يمكن تفسيرها إلا بوجود مساحة كبيرة من الماء تحت السطح.

يقول روبيرتو أوروزي (Roberto Orosei) المؤلف الرئيس للدراسة، والمحلل المشارك لبيانات (MARSIS) والعالم في المعهد القومي لفيزياء الفضاء في إيطاليا: «اكتشفنا الماء على المريخ، استقبلت (MARSIS) بعض الصدى من أسفل القطب الجنوبي للمريخ أقوى من الإشارة المرتدة عن السطح.

يحدث هذا على الأرض فقط عندما نقيس وجود مياه تحت الجليد مثل بحيرة فوستوك في القارة القطبية الجنوبية». وبينما يمتلك الفريق دليلًا على منطقة واحدة في القطب الجنوبي للمريخ، يعتقد أنها ليست الوحيدة في القطب الجنوبي للمريخ (فعلى سبيل المثال القارة القطبية الجنوبية على الأرض بها 400 منطقة مشابهة).

طبقًا لبيانات الرادار لا يتجاوز قطر البحيرة 20 كيلومترًا وتقع على عمق 1.6 كيلومتر تقريبًا عن السطح. لا يستطيع العلماء تحديد عمق البحيرة بصورة دقيقة إلا أنهم متأكدون بأن العمق لا يقل عن متر واحد.

كما يجب أن يكون الماء مالحًا لأن الثلج الذي يعلوها صافٍ وبالتالي بارد جدًا (لو كانت المياه عذبة أسفل ذلك الثلج لكانت تجمدت حسب كلام العلماء).

استخدم العلماء بيانات تمتد على مدار ثلاث سنوات ونصف للتأكد من احتواء البيانات معلومات عن نفس المنطقة أكثر من مرة أثناء مرور المسبار فوق المنطقة أكثر من مرة.

وضع العلماء بعض الاحتمالات المختلفة والتي من الممكن أن تفسر تلك البيانات التي وجدوها، منها أن تكون ناتجة عن طبقة من الثلج الجاف (ثلج متكون من ثاني أكسيد الكربون المتجمد) تحت طبقة الجليد المائي. ولكنهم استبعدوا تلك الاحتمالات لعدم قناعتهم بها.

قال كليفورد: «يبدو اقتراحهم مقنعًا جدًا جدًا، ولكنه ليس دليلًا قاطعًا. هناك دائمًا احتمال بوجود ظروف بيئية أسفل الغطاء الجليدي لم نرها من قبل على كوكب الأرض من الممكن أن تتسبب في تلك البيانات».

تم نشر نتائج هذا البحث في مجلة ساينس في الخامس والعشرين من يوليو.

الحياة تعني الماء، ولكن الماء لا يعني الحياة.

 

إذا أثبتت دراسات العلماء المستقبلية أن تلك الطبقة أسفل الجليد هي ماء سائل فعلًا، سيكون عليهم إجابة المزيد من الأسئلة حول ذلك المخزون المائي قبل إعلان مدى علاقة وجود هذا الماء بوجود الحياة على المريخ.

يقول فاسافادا: «لو كان لديك بالفعل ماء سائل وتدرس مدى ارتباطه بوجود حياة، يجب أن تتخطى مجرد كونه سائلًا وتبدأ بالتساؤل حول درجة حرارته ومدى قابلية استخدامه للحياة.

فليست كل المياه السائلة متساوية في قابلية استخدام الحياة لها». ويضيف أن درجة الملوحة اللازمة لتحافظ على الماء سائلًا في درجة الحرارة الباردة تلك قد تكون أملح من أن تتحملها أكثر الكائنات الحية تحملًا للملوحة.

ولكن حسب كليفورد فإن العلماء هنا على الأرض حفروا عبر طبقات الجليد بحثًا عن المياه أسفله وبالفعل وجدوا بها حياة مجهرية.

ولذلك إذا كانت هناك يومًا حياة على سطح المريخ فربما نجت تلك الحياة عبر البقاء في تلك البحيرات المشابهة، ويقول: «لا يوجد سبب لنتوقع عدم بقاء الحياة حتى يومنا هذا، البيئة أسفل السطح مستقرة جدًا جدًا مقارنة بسطح الكوكب، فهي محمية من الاصطدامات ومن التغيرات المناخية».


  • ترجمة: جورج فام
  • تدقيق: رزان حميدة
  • تحرير: صهيب الأغبري
  • المصدر