كان الكنعانيون الأشخاص الذين عاشوا في أرض «كنعان»، وهي منطقة ربما تضمنت أجزاءً من فلسطين، لبنان، سوريا، والأردن، في العصر الحديث وذلك حسب التاريخ القديم.

الكثير مما يعرفه العلماء عن الكنعانيين يأتي من السجلات التي تركها الناس الذين كانوا على اتصال معهم. بعض من السجلات الناجية الأكثر تفصيلًا تأتي من موقع “العمارنة” في مصر، ومن التوراة المقدسة.

تأتي معلومات إضافية عن طريق تنقيب المواقع الأثرية التي كان يُعتقد أن الكنعانيين قد عاشوا فيها.

يشك العلماء في أن الكنعانيين كانوا دائمًا متحدين سياسيًا في مملكة منفردة.

في الواقع، تنقيب المواقع الأثرية يبين أن الكنعانيين كانوا من مجموعات عرقية مختلفة.

أثناء العصر البرونزي المتأخر (1200-1550 قبل الميلاد)، كتبت آن كليبرو، أستاذة علم الآثار في جامعة ولاية بنسلفانيا، في كتابها “الشعوب التوراتية والأصل العرقي” (مجتمع الأدب الإنجيلي، 2005): «لم تكن كنعان مكونةً من مجموعة “عرقية” واحدة لكن كانت مكونةً من مجموعة من السكان يُلمح تنوعهم من قبل عادات الدفن المتنوعة والهياكل الطائفية».

السجلات القديمة في تاريخ الكنعانيين

يأتي أقدم ذِكر مُسلّم به للكنعانيين من فتات خطاب وُجد في موقع “ماري”، وهي مدينة تقع في سورية حاليًا.

الخطاب كان مُوجهًا إلى ملك ماري “ياسمه-أداد”، ويرجع تاريخ الخطاب إلى حوالي 3800 عام، ويقول أن «اللصوص والكنعانيين» كانوا في مدينة تسمى «رايزوم». يلمح الجزء الناجي من الخطاب إلى حدوث نزاع أو خلل في المدينة.

يرجع تاريخ سجل آخر يتحدث عن الناس الذين عاشوا في كنعان إلى حوالي 3500 عام، وكان مكتوبًا على تمثال “أدريمي”، الملك الذي حكم مدينة تسمى “ألالاخ” في تركيا حاليًا.

يقول أدريمي أنه في مرحلة ما أُجبر على الهروب إلى مدينة في كنعان تسمى “أمية”، ربما تقع في لبنان حاليًا.

لا يطلق أدريمي على الناس في أمية كنعانيين، ولكن بدلًا من ذلك يسمي مجموعةً مختلفةً من الأراضي التي ينتمون إليها مثل حلب، نيهي، عمي، وموكيش.

يدّعي أدريمي أنه تمكن من حشد الدعم عند أمية وأصبح ملك ألالاخ.

ومع ذلك، هذا لا يعني أن الناس المختلفون في كنعان لم يكونوا دائمًا مُجتمعين معًا. النصوص الإدارية التي تم العثور عليها في ألالاخ، وليس في مدينة أخرى تسمى “أوغاريت”، تقع في سورية حاليًا، تظهر أنه: «تم تعيين تسمية “أرض كنعان” لتحديد هوية فرد أو مجموعة من الأفراد بنفس الطريقة التي كان يُعرف بها الآخرون عن طريق مدينتهم أو المنشأ».

كتب ذلك بريندون بينز الأستاذ بجامعة ويليام جيويل في ميسوري، في كتابه “الأرض قبل مملكة إسرائيل” (Eisenbrauns, 2016) على سبيل المثال، كتب بينز: «يمكن تحديد ذكر من مدينة في كنعان كان يعيش في ألالاخ أو أوغاريت على أنه “رَجُل كنعان” أو أنه “ابن كنعان”».

مجموعة من النصوص التي تذكر كنعان والكنعانيين تأتي من موقع العمارنة في مصر. تم تشييد العمارنة على أنها عاصمة مصر من قبل الفرعون أخناتون (حكم 1353-1335 قبل الميلاد)، وهو حاكم حاول أن يجعل تركيز مصر على دين الشرك حول عبادة «آتون»، قرص الشمس. النصوص تتكون من مراسلات دبلوماسية بين إخناتون وأسلافه المباشرين وخلفائه وحكام مختلفين في الشرق الأوسط. غالبًا ما يسمي علماء العصر الحديث هذه النصوص باسم «حروف العمارنة».

تُظهر الحروف أنه كان هناك عدة ملوك في كنعان.

يأمر جواز سفر دبلوماسي كتبه تورس راتا ملك ميتاني (مملكة وقعت في شمال سورية) ملوك أرض كنعان أن يسمحوا لرسوله “أكيا” أن يمر بسلام إلى مصر، ويحذر ملوك كنعان أن لا يعتقله أحد.

الحروف أيضًا تُظهر أن مصر كانت لها سلطة كبيرة على هؤلاء الملوك الكنعانيين.

تشكو رسالة كتبت من قبل ملك بابل يسمى “بورا-بورايس” من قتل التجار البابليين في كنعان وتُذكِّر فرعون مصر أن: «أرض كنعان هي أرضك وملوكها هم عبيدك». (ترجمة من كتاب براندون برينز “الأرض قبل مملكة إسرائيل”) تُظهر النصوص المصرية أيضًا أن الفراعنة المصريين أرسلوا بعثات عسكرية إلى كنعان.

تدعي شاهدة نصبها فرعون يسمى ميرنباتاه (حكم 1213-1203 قبل الميلاد) أنه: «تم نهب كنعان بكل أنواع الويل». تدعي نفس الشاهدة أيضًا أن ميرنباتاه: «أهدر إسرائيل».

الكنعانيون في التوراة المقدس

ذُكر الكنعانيون كثيرًا في التوراة المقدسة. تذكر القصص أن الله وعد بأن يعطي أرض الكنعانيين (إلى جانب أرض تنتمي إلى العديد من المجموعات الأخرى) إلى الإسرائيليين بعد هروبهم من مصر.

في القصص، يقول الله تعالى لموسى، عليه السلام: «لقد سمعتهم (الإسرائيليون) وهم يصرخون بسبب سائقيهم العبيد، وأنا قلق بشأن معاناتهم.

لذا نزلت لإنقاذهم من يد المصريين وإحضارهم من الأرض إلى أرض جيدة وواسعة، أرض تتدفق باللبن والعسل، موطن الكنعانيين، الحثيين، الأموريين، الفرزويتيين، الحويصيين، واليبوسيين». (خروج 3:7)

تقول القصص المذكورة في التوراة المقدسة أنه بعد هروب الإسرائيليين من مصر واجهوا سلسلةً من الحروب ضد الكنعانيين (ومجموعات أخرى) ما أدى إلى سيطرة الإسرائيليين على معظم أراضي الكنعانيين.

تقول القصص أن هؤلاء الكنعانيين الذين نجوا اضطروا إلى العمل القسري. تقول القصص أيضًا أن هذه الأرض المحتلة كانت جزءًا من مملكة إسرائيلية قوية، والتي انقسمت في النهاية إلى اثنتين.

الدقة التاريخية للقصص التي ذكرت في التوراة المقدس هي نقطة خلاف بين العلماء.

بعض العلماء يؤمنون بأنه لم يكن هناك رحيل من مصر وأن الإسرائيليين عاشوا في كنعان بجانب بعض مجموعات الكنعانيين خلال الألفية الثانية قبل الميلاد.

يصف العلماء الذين يدرسون اللغات القديمة أحيانًا اللغة العبرية، اللغة المستخدمة من قبل الإسرائيليين، بأنها لغة «كنعانية» مشيرين إلى أنها متشابهة في بعض الجوانب مع اللغة الفينيقية.

من ناحية أخرى، يجادل بعض العلماء أن بعض الإسرائيليين كانوا قد غادروا مصر في مرحلة ما خلال الألفية الثانية قبل الميلاد.

يقول جيمس هوفميير عالم الآثار والأستاذ بجامعة ترينيتي الدولية في سلسلة من المحاضرات والأوراق: «تظهر التنقيبات والنصوص القديمة أن مجموعات أجنبية مختلفة عاشت في مصر في مراحل مختلفة من تاريخ الحضارة»

يشير هوفميير أيضًا إلى أن مدينة رمسيس القديمة، التي ذكرت في قصص الرحيل في التوراة المقدس، موجودة بالفعل وعلماء الآثار حددوا أنها ازدهرت للعديد من القرون خلال الألفية الثانية قبل الميلاد، حتى أصبحت مهجورةً منذ حوالي 3100 عام.


  • ترجمة: علي طارق عاطف
  • تدقيق: أحلام مرشد
  • تحرير: صهيب الأغبري
  • المصدر