الكون، الذي قضى “ستيفن هوكينج” عمره في دراسته، يعرف الآن صوته.

بعد وفاة هوكينج في شهر مارس، تم تذكر الفيزيائي البريطاني الشهير، الذي حارب داءَ عَصَبونٍ حَرَكِيٍّ تَنَكُّسِيٍّ مُوهِنٍ لعقود، في حفل تأبيني يوم الجمعة في كنيسة وستمنستر.

دُفِن رفاته بين “تشارليز داروين” و”إسحاق نيوتن”، ثم غُطِيَ بحجر ضريح محفور بمعادلة استخدمها لتعليم العالم عن الثقوب السوداء.

لكن في نفس الوقت الذي أُنزِلَ فيه رفاته إلى التُرَاب، بُثَّ صوته من الأرض عبر آلاف السنين الضوئية بإتجاه أقرب ثقب أسود معروف في الكون.

كانت “إيماءةً رمزيةً” أتاحت له السفر عبر الفضاء أخيرًا، كما قال أحباؤه.

اجتمع أفراد الأسرة، الأصدقاء، المشاهير، والزملاء العلماء بعد ظهر الجمعة في حفل هوكينج التأبيني في لندن للاحتفال بحياته وإرثه.

قال القس “جون هول”، كبير كهنة وستمنستر، خلال مراسم الاحتفال، وفقًا لموقع وستمنستر: «جئنا للاحتفال بحياة وإنجازات ستيفن هوكينج في هذا المكان المقدس حيث عُبِدَ الله لأكثر من ألف سنة وحيث تُحيَا ذكرى الملوك، الملكات، والرجال والنساء العظام في تاريخنا الوطني وتأثيرنا الدولي.

سوف ندفن رفاته مع رفات زملائه العلماء. نقدم الشكر للعطايا الملفتة التي قدمها ستيفن هوكينج في حياته، لسنواته كأستاذ للرياضيات في جامعة كامبريدج ولتأثيره ونفوذه الدولي كعالم؛ لشجاعته الشخصية، لتحمله، ومثابرته في حياته مع داءَ العَصَبون الحَرَكِي؛ لعائلته وأصدقائه. سنثني مع الحب على روحه الخالدة لله سبحانه وتعالى».

دُفِن رفات هوكينغ في ركن العلماء بكنيسة وستمنستر ثم غُطِيَ جيدًا بحجر ضريح محفور عليه المعادلة التي استخدمها في وضع نظريته بأن الثقوب السوداء ليست سوداء بالكامل ولكنها تسرب إشعاعًا حراريًا. رافقت تلك المعادلة تصويرًا لثقب أسود مصحوبًا بالكلمات “هنا يرقد الرفات الخالد لستيفن هوكينج، 1942-2018”.

خلال الحفل، كان صوت هوكينغ يُبَث أيضًا إلى الكون.

قام الملحن اليوناني “فانجيليس”، المشهور بحصوله على جائزة الأوسكار لأفضل موسيقى تصويرية عن فيلم “عربات النار”، بضبط صوت هوكينج على قطعة موسيقية أصلية، والتي أُرسِلَت إلى الفضاء من خلال هوائي كبير في المحطة الأرضية لوكالة الفضاء الأوروبية في إسبانيا.

قالت “لوسي هوكينج”، ابنة ستيفن هوكينج، في بيان وفقًا لوكالة الفضاء الأوروبية: «في الوقت الذي وُضِع فيه والدنا في قبره، بُثّت تركيبة فانجيليس الموسيقية التي تحمل صوت أبينا إلى الفضاء، هذه إيماءة جميلة ورمزية تخلق صلةً بين وجود أبينا على هذا الكوكب، و رغبته في الذهاب إلى الفضاء، واستكشافاته للكون في ذهنه».

قال فانجيليس في بيان نُشِر على موقع هوكينج الإلكتروني أنه صنع المقطع لكي: «أشيد بهذا الرجل الاستثنائي وأعرب عن تقديري واحترامي له. أتخيل أنه سيستمر بالسفر بنفس الإخلاص، أينما يكون في مكانه المجهول. وداعًا أستاذ هوكينج».

ما قاله هوكينغ في التسجيل ليس واضحًا، ولكن تم إنشاء أقراص مدمجة (CDs) لأولئك الذين حضروا حفل التأبين بعد ظهر يوم الجمعة.

قالت وكالة الفضاء الأوروبية أن البث الاحتفالي اُرسِل نحو “1A 0620–00″، وهو نظام نجمي ثنائي يتضمن ثقبًا أسودًا ذا كتلة نجمية، والذي يبعد نحو 3500 سنة ضوئية عن الأرض.

قال “جونتر هازينجر”، مدير العلوم بالوكالة، في البيان: «إنه لأمر مدهش وفي نفس الوقت يدفع للتخيل أن صوت ستيفن هوكينج مع موسيقى فانجيليس سيصل إلى الثقب الأسود في حوالي 3500 سنة، حيث سيتم تجميده بواسطة أفق الحدث».

في شهر مارس، توفي هوكينج، الذي قيل أنه ربما يكون أعظم العلماء في جيله، عند سن السادسة والسبعين في منزله بكامبريدج، إنجلترا.

كما قال “جويل أكينباك” من صحيفة “واشنطن بوست”، فإن هوكينج يتم ذكره بشكل كبير بنظريته عن أن الثقوب السوداء يمكن أن تصدر إشعاعًا حراريًا نتيجة العمليات تحت الذرية التي تحدث عند حدودها؛ وهو ما يعرف باسم “إشعاع هوكينج”.

وفقًا لأكينباك:

أعجب هذا الكشف العلماء الآخرين بسبب الطريقة التي أخذ بها نظرية النسبية العامة لأينشتاين، وهي نظرية ضرورية لفهم جاذبية الثقوب السوداء، وربَطَها بالنظريات الأحدث لميكانيكا الكم، التي تشرح العمليات دون الذرية.

بالإضافة إلى ذلك، قام بطفرة في الديناميكا الحرارية مبتعدًا عن النظريات القديمة، محققاً بذلك ثلاثية فيزيائية ناجحة.

قال الدكتور هوكينغ في واحدة من المحاضرات، واصفًا بشكل مميز الفيزياء المعقدة في لغة عادية: «الثقوب السوداء ليست سوداء كما ترسم، إنها ليست السجون الأبدية التي اعتُقِدَت من قبل.

يمكن للأشياء أن تخرج من ثقب أسود، سواء إلى جواره أو ربما إلى كون آخر. لذا، إذا كنت تشعر أنك في ثقب أسود، فلا تستسلم. هناك مخرج».

افترض هوكينج أيضًا أن ثقوبًا سوداء صغيرة، من بقايا الانفجار الأعظم، قد تكون منثورةً في الفضاء، لكنه نَوَّه أنها لم تكتشف بعد. وقال مازحًا: «هذا أمر مؤسف، لأنها لو اكتُشِفَت، كنت قد حصلت على جائزة نوبل».


  • ترجمة: محمد صلاح الدين إبراهيم
  • تدقيق: أحلام مرشد
  • تحرير: أحمد عزب
  • المصدر