حين يُجرى عليك ذلك النوع من العمليات التي تتطلب وضعك تحت التخدير، فلا بد أنك لا ترغب أن تكون مستيقظًا وتشهد عملية التشريح.

أظهرت دراسةٌ جديدةٌ أنه في بعض عمليات التخدير العام، قد تبقى أدمغتنا في حالةٍ شبه نائمة أكثر مما كنا يعتقد.

يشير هذا الاكتشاف إلى أنه وبعيدًا عن غياب الوعي الكامل، تظل أجزاءٌ من الدماغ قادرةً على تشغيل الإحساس بالمحيط، حتى وإن لم يستطع المريض تذكر ذلك حين يستيقظ.

قارن باحثون من جامعة توركو في فنلندا الآثار العصبية لزوجٍ من الأدوية يُستخدم بشكلٍ شائع لتقليل استجابة المرضى قبل الإجراءات الطبية.

وكان هدفهم تحديد إذا ما كان نقص الاستجابة يعود بشكلٍ كبيرٍ إلى الأثر المباشر للعقاقير عينها، أم أنَّ (التأثير غير المباشر – knock-on effect) لها هو ما يرسلنا إلى عالم الأحلام.

ليس الفرق أكاديميًا فقط، فإذا كان السبب هو الأثر غير المباشر، فإن عملية التخدير ببساطة تُنشئ حالة انتباهٍ أكثر منها حالة غيابٍ للوعي، هذا يعني أن بعض عمليات الدماغ الواعية تظل تعمل أثناء التخدير.

يقول الباحثون في تقريرٍ لهم: «عدم الاستجابة لا يعني عدم الوعي، فربما تظل واعيًا ولكن مع عدم استجابة».

ومع تقدم العلوم الطبية في العصر الحديث، قد يُعتقد أننا وجدنا جوابًا لكل ذلك، إذ استُخدمت عمليات التخدير على المرضى على مدى ١٧٠ عامًا تقريبًا.

وبكَمِّ المعلومات التي جمعناها حول الموضوع، فالتفاصيل حول كيفية تغيير الأدوية لوظائف الدماغ لا تزال غامضةً قليلًا.

وفي هذه الجزئية -حيث لا نعلم الكثير حول كيفية عمل الوعي- بمقدورنا رسم خريطةٍ وظيفيةٍ لمناطق العمل في الدماغ، أو تسجيل تذبذب موجات نشاط الدماغ، لكنَّ فصل السبب عن الأثر قد يكون صعبًا.

تُستخدم تسجيلات موجات ألفا، وموجات بيتا، والموجات البطيئة (دلتا) بصورةٍ روتينيةٍ لمعرفة كون الدماغ مستيقظًا أم نائمًا.

موجات بيتا (السريعة) هي موجات حالة اليقظة؛ تنشأ حين نكون منبَّهين، موجات ألفا (متوسطة المدى) تظهر في حالة النشاط الواعي حين نكون هادئين، أما دلتا (البطيئة) فهي موجات نومك العميق.

في هذه الدراسة؛ حُقن ٤٧ متطوعًا أصحاء إما بـ (الديكسميديتوميدين – dexmedetomidine) المسكن، أو بالمخدر العام (بروبوفول – propofol) قبل أن تُسجل موجات أدمغتهم.

نتج عن كلا العقارين فقدانٌ للاستجابة عند جرعاتٍ معينة، وكان البروبوفول أقوى تخديرًا بكثير.

نصف المجموعة الذين حُقنوا بالديكسميديتوميدين أُمكن إيقاظهم بواسطة الهز أو الصراخ العالي، ٤٢٪ من المجموعة التي أُعطيت بروبوفول استيقظوا في حالة ترنّح.

أظهرت تسجيلات (تخطيط موجات الدماغ – electroencephalogram) ارتفاعًا في موجات ألفا والموجات البطيئة (دلتا)، وهذا يعني تقلبًا بين النوم العميق وارتفاعًا في الوعي الاستجابيّ.

لاحقًا؛ استطاع جميع المتطوعين في كلتا مجموعتي العقار المسكن والعقار المخدر تذكر الحدث، إن لم يكن بشكلٍ مُبهم.

يقول Antti Revonsuo عالم النفس: «أخبر تقريبًا جميع المشاركين عن مرورهم بحالةٍ تشبه الحلم المخلوط بالواقع».

وقد شُغِّلت تسجيلاتٌ للمجموعتين لجملٍ خُتمت بنهاياتٍ غريبة مثل: «امتلاء السماء ليلًا بطماطم براقة»، وتسجيلات أخرى كانت طبيعية تمامًا.

عبّرت تسجيلات تخطيط موجات الدماغ للمتطوعين الذين حُقنوا بمسكناتٍ عن قدرتهم على سماع الجمل الغريبة ومحاولة تفسيرها، حتى وإن كانوا غير قادرين على تذكرها لاحقًا.

أما مجموعة البروبوفول فلم يحاولوا حتى أن يتفاعلوا مع الجمل الغريبة، إذ كانت موجات أدمغة المتطوعين في حالة غفوةٍ متواصلة.

هذا كله جيد، لكن حين شُغّلت للمجموعتين تسجيلاتٌ لأصواتٍ غير سارةٍ بدا أن الجميع قد انتبهوا لها، وحين اليقظة، تفاعلت أدمغة أفراد المجموعتين بشكلٍ أسرع مع الضوضاء، والتي ظهر وكأنهم تعلموا إدراكها.

تقول عالمة التخدير Harry Scheinin: «في كلماتٍ أخرى، يستطيع الدماغ أن يدرك الأصوات والكلمات حتى وإن لم يستطع تذكرها فيما بعد».

«وخلافًا للشائع المعتقَد، لا يتطلب التخدير فقدانًا كاملًا للوعي، إذ يكفي فصل المريض عن المحيط».

ربطت دراسةٌ سابقةٌ موجات الدماغ بحالات الوعي تحت التخدير، لكن التحكم الجيد بالجرعات في هذه الدراسة سمح للباحثين بمعرفة التغيرات وفقًا للعقارات ووفق تغير حالة الوعي.

واشتركت نتائج العمل مع دراساتٍ أخرى تقول إن التخدير لا يفصل تمامًا أجزاء الدماغ بقدر ما يمنعها من التواصل بحرّية.

إذا بدا هذا ككابوسٍ بالنسبة لك، خذ نفسًا عميقًا، فهذا لا يعني أننا نستطيع الإحساس بمشرط الجراح حين نستلقي مقيدين على سرير الجراحة.

وبالأحرى، إنه كالنوم الطبيعيّ، إذ تبقى أدمغتنا نصف متنبهةٍ حتى وإن أُوقف إدراكنا.


  • ترجمة: لبيد الأغبري
  • تدقيق وتحرير: تسنيم المنجّد
  • المصدر