لقد وضعت القنبلتان الذريتان لهيروشيما وناكازاكي في أغسطس من عام 1945 حدًا للحرب العالمية الثانية.

كانت سياسة «التخريب المتبادلة المؤكدة – Mutually Assured Destruction» خلال الحرب الباردة والتي يرمز لها اختصارًا بـ«MAD» بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي، تعني إذا استخدمت إحدى الدولتين السلاح النووي ضد الدولة الأخرى، فإن رد الفعل ينبغي أن يكون مساويًا في القوة وبأسرع وقت ممكن.

على مدار الحرب الباردة وربما لعدة مرات بعدها، حدث أن حبس المواطنون في أرجاء العالم أنفاسهم انتظارًا لنشوب حرب نووية بين القوى العظمى العالمية.

كانت هناك تسع مرات مؤكدة كان فيها العالم على شفا حرب نووية مؤكدة لكن هدأت ذروة الحدث مرة أخرى:

5 أكتوبر 1960 – رصد القمر على أنه صاروخ نووي بالخطأ

أصبح نظام رادار الإنذار المبكر، سريعًا، من أهم الأدوات في العصر النووي. بُنيت محطات الرادار الأمريكية في جميع أنحاء العالم على أمل أن تكتشف الصواريخ السوفييتية القادمة، محذرة من ضربة نووية فتسمح للرئيس باتخاذ إجراء الرد المناسب.

في 5 أكتوبر 1960، أصدِرَ تحذير من واحدة من محطات رادار الإنذار المبكر التي بُنيت حديثًا في «ثول – Thule»، غرينلاند (التي تسمى الآن «كاناك – Qaanaaq»). وبحسب ما ورد، اكتُشفت عشرات الصواريخ، وقيل أنها ستصل إلى الولايات المتحدة في 20 دقيقة.

انتشر الذعر في مقر «قيادة دفاع الفضاء الجوي في أمريكا الشمالية – North American Aerospace Defense Command» (NORAD) في كولورادو، والتي دخلت في أعلى مستويات التأهب.

ما قلل من حدة الذعر وقتها، أن رئيس الوزراء السوفييتي «نيكيتا خرشوف – Nikita Khrushchev» كان في زيارة لنيويورك. كشفت التحقيقات لاحقًا أن نظام ردار الإنذار المبكر قد رصد القمر الذي كان يرتفع فوق النرويج على أساس أنه صاروخ نووي سوفيتي.

24 نوفمبر 1961 – مفتاح منفرد يسبب عطل ميكانيكي

بعد أكثر من عام بقليل على الحادث السابق، فقد مقر «القيادة الجوية الاستراتيجية – (SAC) Strategic Air Command» في مدينة أوماها بولاية نبراسكا الاتصال بمحطة رادار الإنذار المبكر في ثول. حاول المسؤولون (القيادة الجوية الاستراتيجية) الاتصال بمقر «قيادة دفاع الفضاء الجوي في أمريكا الشمالية» في كولورادو، لكن الخط كان مقطوعًا.

كان قد تم وضع احتمال أن تتوقف الاتصالات بين ثول و «قيادة دفاع الفضاء الجوي في أمريكا الشمالية» بسبب عطل فني كاحتمال منخفض للغاية، الأمر الذي جعل «القيادة الجوية الاستراتيجية» يعتقدون أن ثمة هجومًا كان جاريًا ضدهم.

أمرت قوة الإنذار بكاملها في «القيادة الجوية الاستراتيجية» بالاستعداد للإقلاع، ولكن انتهت الأزمة عندما تمكن مقاتل أمريكي من الاتصال مع «ثول» فتبين عدم وقوع أي هجوم.

و تبين لاحقًا أن مفتاحًا واحدًا عطل تشغيل جميع الاتصالات، حتى خطوط الطوارئ الساخنة بين «القيادة الجوية الاستراتيجية»، نظام الرادار في ثول و «قيادة دفاع الفضاء الجوي في أمريكا الشمالية».

25 أكتوبر 1962 – دب يشعل أزمة الصواريخ الكوبية

ربما تكون أزمة الصواريخ الكوبية هي أقرب حالة لنشوب حرب عالمية نووية. فقد مرت أربع لحظات خطيرة على مدار 13 يومًا كادت أن تشعل فتيل الحرب، أولاهم تلك التي حدثت في 25 أكتوبر 1962.

كانت التوترات عالية بالفعل خلال الأزمة، وتم وضع الجيش الأمريكي في الحالة «ديفكون 3 – DEFCON 3»، على بعد خطوتين من الحرب النووية.

*ديفكون ’3 هي درجة من درجات التهديد بمقياس 1 إلى 5 بحيث أن 1 يمثل رد الفعل الأقصى: درجة الجاهزية هي «تسارع في رد الفعل»، الوصف: «زيادة حالة الاستعداد للقوات المسلحة»، درجة التأهب: «تجهيز القوات الجوية للعمل في حدود 15 دقيقة».

بعد منتصف ليلة 25 أكتوبر بقليل، شاهد أحد حراس مركز قطاع التوجيه بمدينة «دولوث» في مينيسوتا شخصًا يحاول تسلق السياج المحيط بالمنشأة. خشي الحارس أن يكون هذا الشخص مخربًا سوفييتيًا، فأطلق النار على من توهمه شخصًا دخيلًا ثم قام بتنشيط الإنذار التخريبي. مما نشط إنذارات الغارة الجوية التي تنطلق في جميع القواعد الجوية في المنطقة في مثل هذه الحالة.
ذعر الطيارون في حقل «فولك» في ولاية ويسكونسن المجاورة، لأنهم كانوا يعرفون أن جميع الاختبارات والمناورات لا تحدث بينما الجيش في حالة «ديفكون 3».

تم توجيه الطيارين إلى مدافعهم F-106A المسلحة نوويا، وكانوا يسيرون على المدرج عندما تقرر أن الإنذار كاذب. تم إيقافهم بواسطة سيارة كانت تسير على مدرج المطار لتخبر الطيارين أن يتوقفوا.

وتبين أن الدخيل مجرد دب.

27 أكتوبر 1962 – كادت غواصة سوفييتية أن تطلق طوربيدًا نوويًا

يقال أن هذا اليوم هو أخطر يوم في التاريخ فقد حدثت فيه حالتان كادتا أن تتسببان في حرب نووية.

في صباح يوم 27 أكتوبر، أسقط السوفييت طائرة استطلاع «U-2F» التي كانت تقصف كوبا، ما أسفر عن مقتل الطيار ومن ثم تصاعدت التوترات بين الجانبين.

في وقت لاحق تم رصد الغواصة السوفييتية «B-59» بينما كانت تحاول كسر الحصار الذي فرضته البحرية الأمريكية حول كوبا. في هذه الأثناء أسقطت المدمرة الأمريكية «USS Beale» جزءًا من صواريخها التدريبية في المياه العميقة لتصطدم بسطح الغواصة.

اعتقد «فالنتين سافيتسكي» قائد الغواصة «B-59» أن هذه الأخيرة تتعرض للهجوم وأمر بإعداد طوربيد نووي لاستهداف حاملة الطائرات الأمريكية «USS Randolf».

جميع الضباط الثلاثة الكبار على متن الغواصة «B-59» كانوا موافقين على إطلاق الطوربيد، ماعدا «فاسيلي أركيبوف» القائد الثاني للغواصة الذي أقنع القائد بانتظار الأوامر من موسكو.

27 أكتوبر 1962 – القوات الجوية الأمريكية ترسل مقاتلتين مسلحتين نوويتين

في نفس اليوم كاد أن يتسبب طيارو القوات الجوية الأمريكية في إشعال فتيل الحرب العالمية الثالثة على بحر بيرنج وهو الفاصل بين آلاسكا وروسيا.

كانت طائرة استطلاع تابعة للقوات الجوية الأمريكية من طراز «U-2» في طريقها للقطب الشمالي للقيام بمهمة اختبار جوية. الطائرة، المخصصة لمهام التجسس، عبرت بطريق الخطأ المجال الجوي السوفييتي ومن ثم فقدت موقعها، قضت حوالي تسعين دقيقة في المنطقة قبل أن تتحول إلى الشرق للمغادرة.

في هذه الأثناء تم إرسال ست طائرات مقاتلة من طراز «MiG» لإسقاط الطائرة «U-2» بينما كانت تتعدى الحدود السوفييتية. كانت «القيادة الجوية الاستراتيجية» الأمريكية تخشى خسارة طائرة أخرى من طراز «U-2» لذا فقد أرسلت طائرة دلتا «F-102» مسلحة بصواريخ فالكون جو-جو.

بعد الاطلاع على الوضع، ورد أن وزير الدفاع «روبرت مكنمارا» صاح: «هذا بمثابة إعلان الحرب على الاتحاد السوفيتي!».
وورد أن الرئيس كنيدي قال: «هناك دائمًا ابن عا*** لم يفهم بعد».

لحسن الحظ لم تواجه طائرات F-102 طائرات MiG، ورافقت طائرة U-2 إلى ألاسكا.

28 أكتوبر 1962 – ارتباك مشغلي الرادار بسبب قمر صناعي مجهول

بعد يوم واحد من تلك الأحداث، أبلغ مشغلوا الرادار في «مورستاون» بولاية نيوجيرسي مقر «قيادة دفاع الفضاء الجوي في أمريكا الشمالية» قبل الساعة التاسعة صباحًا بقليل أن الصواريخ النووية السوفييتية في طريقها إلى أمريكا ومن المتوقع أن تضرب في الساعة التاسعة ودقيقتين قريبًا من مدينة تامبا، ولاية فلوريدا.

تم تنبيه جميع الأفراد في «قيادة دفاع الفضاء الجوي في أمريكا الشمالية» استعدادًا للرد، لكن الوقت المقرر مر دون حصول أي تفجير، مما تسبب في تأخير رد الفعل.

تبين لاحقًا أن مشغلي الرادار في «مورستاون» كانوا مرتبكين لأن المنشأة كانت تشغل شريط اختبار يحاكي إطلاق صاروخ من كوبا عندما ظهر قمر صناعي مجهول بشكل غير متوقع في الأفق.

الردارات الإضافية لم تعمل في ذلك الوقت، ولم يُبلّغ مشغلو مورستاون بأن القمر الصناعي كان مخصصًا للدعم اللوجيستيكي داخل الأراضي الأمريكية لأن المرفق الذي اعتاد أن يتولى مثل هذه العمليات كان مشغولًا بأعمال أخرى في كوبا.

9 نوفمبر 1979 – كادت أن تتحول التدريبات إلى حقيقة

في الساعة الثالثة فجرًا من التاسع نوفمبر 1979، أشارت أجهزة الكمبيوتر في المقر الرئيسي لـ «قيادة دفاع الفضاء الجوي في أمريكا الشمالية» إلى تحذيرات من إطلاق آلاف الصواريخ النووية من غواصات سوفييتية موجهة إلى الولايات المتحدة.

تم تنبيه «القيادة الجوية الاستراتيجية» على الفور، ووصلت أطقم الصواريخ الأمريكية إلى أعلى مستوى ممكن من التأهب، بينما كانت الصواريخ النووية معدة للإقلاع.

قيادة الطوارئ الوطنية المحمولة جوًّا، وهي الطائرة التي من المفترض أن تحمل الرئيس خلال هجوم نووي للتأكد من سيطرته على الترسانة النووية، كانت قد أقلعت، على الرغم من عدم وجود الرئيس جيمي كارتر على متنها.

من جهته، كان مستشار الأمن القومي «زبيغنيو بريجنسكي» على علمٍ بأن الرئيس سيستغرق ما بين ثلاث إلى سبع دقائق لاتخاذ القرار، ولذلك قرر إبلاغ كارتر بأن الأمر يتعلق بتهديد حقيقي.

مرت ست دقائق من القلق الشديد، وأكدت الأقمار الصناعية أنه لم يحدث أي هجوم. اكتشف لاحقًا أن أحد التقنيين قد أدخل، عن غير قصد، شريطًا تدريبيًا يحاكي مثل هذا السيناريو إلى أحد أجهزة الكمبيوتر.

ورد أن المارشال «شولمان»، وهو مستشار بارز في وزارة الخارجية الأمريكية، قد ذكر في رسالة عالية السرية – والتي تم رفع السرية عنها الآن – بأن: «الإنذارات الكاذبة من هذا النوع ليست نادرة الحدوث. هناك شعور بالرضى عند التعامل مع هذا النوع من الإزعاج».

26 سبتمبر 1983 – كولونيل سوفييتي يقوم بأكبر مقامرة في التاريخ

بعد منتصف ليلة 26 سبتمبر 1983، تلقى مشغلو الأقمار الصناعية السوفييتية في مخبأ «سربوخوف – 15»، جنوب موسكو، تحذيرًا من إطلاق صاروخ نووي أمريكي من «مينيوتمان». قبل أن يتم الكشف عن أربعة صواريخ أخرى.

كانت الأجواء متوترة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي في وقت سابق من هذا الشهر، عندما أسقط السوفييت رحلة الخطوط الجوية الكورية 007 بالقرب من جزيرة «سخالين»، مما أسفر عن مقتل 269 شخصًا كانوا على متنها، من بينهم عضو الكونغرس الأمريكي «لاري ماكدونالد».

كان على الضابط القائد في المخبأ، «ستانيسلاف بتروف»، إبلاغ رؤسائه بعمليات الإطلاق، من أجل تقديم رد مناسب. السياسة السوفييتية في ذلك الوقت دعت إلى ضربة انتقامية شاملة.

على الرغم من ذلك، قرر «بتروف» عدم إبلاغ رؤسائه. «كل ما كان علي فعله هو الوصول إلى الهاتف لرفع الخط المباشر إلى كبار قادتنا – لكنني لم أستطع التحرك. شعرت وكأنني كنت جالسًا على مقلاة ساخنة».

لقد خمن أنه إذا كانت الولايات المتحدة ستضرب الاتحاد السوفييتي بالأسلحة النووية، فإنها سترسل مئات الصواريخ، وليس خمسة فقط.
لكن بتروف لم يكن لديه أي وسيلة لمعرفة ما حقيقة الوضع قبل أن يمر وقت كاف، وهو الوقت الذي يمكن أن تصل فيه القنابل النووية إلى أهدافها، مما جعل قراره أكبر مقامرة في تاريخ البشرية.

بعد 23 دقيقة، تم تأكيد نظرية بتروف، فقد كان إنذارًا خاطئًا. اكتشف لاحقًا أن قمرًا صطناعيًا سوفييتيًا أخطأ ضوء الشمس عاكسًا قمة الغيوم كالصواريخ.

25 يناير 1995 – المخاوف النووية بعد انهيار الاتحاد السوفييتي

بعد أربع سنوات من تفكك الاتحاد السوفييتي، كاد أول رئيس للاتحاد الروسي، بوريس يلتسين، أن يشن حربًا نووية.
كشف رادار روسي للإنذار المبكر عن إطلاق صاروخ ذي خصائص مشابهة لصاروخ «ترايدنت» والذي أطلقته غواصة قبالة سواحل النرويج.

الصاروخ المكتشف كان صاروخًا علميًا نرويجيًا أرسل في مهمة لدراسة الشفق القطبي. وكانت السلطات النرويجية قد أبلغت الكرملين بالإطلاق، لكن مشغلي الرادار لم يتم إبلاغهم.

أعطي يلتسين الـ«شيغيت»، وهي النسخة الروسية من الحقيبة النووية (التي تعرف أحيانا باسم «كرة القدم»)، ورموز إطلاق الترسانة الصاروخية الروسية. كما وضعت الغواصات الروسية في حالة تأهب.

لحسن الحظ، ثبتت صحة اعتقاد يلتسين بأنه إنذار خاطئ، وأكدت الأقمار الصناعية الروسية أنه لا يوجد أي نشاط من مواقع الصواريخ الأمريكية.


ترجمة: مصطفى العدوي

تدقيق: المهدي الماكي

تحرير : إيناس الحاج علي

المصدر