حقيقةً، دائمًا ما يبدو أنه لا شيء يهم بالفعل عندما يتعلق الأمر بالنحل. ولكن تُبين تلك الورقة البحثية التي نُشرت اليوم أن النحل يستطيع فهم القيمة الكمية للاشيء كما أنّه يضع الصفر في الموضع الصحيح على طول خط من الأرقام المتسلسلة.

وبذلك فهو أول دليل يوضّح أن دماغ الحشرة يمكن أن يفهم الصفر، والذي بدوره يساعدنا على فهم كيفية تطور معالجة الأرقام المعقدة. وعلى نطاق أوسع، قد يساعدنا ذلك على تصميم حلول ذكاء اصطناعي أفضل للعمل في بيئات معقدة.

حسنًا، ما هو الصفر على أي حال؟

هناك أربع مراحل لفهم ما يعنيه مصطلح الصفر في الثقافة الإنسانية والتاريخ وعلم النفس وتعلم الحيوانات.

المرحلة الأولى:

فهم الصفر كغياب شيء. تمامًا كعدم وجود طعام في طبقك، فمن المحتمل أنّ المستوى الأول نافع في مرحلة مبكرة من المعالجة البصرية.

المرحلة الثانية:

فهم الصفر على أنّه ((لا شيء)) مقابل ((شيء ما)) مثل وجود أو عدم وجود ضوء في الغرفة وبالتالي فإنّ لا شيء يُعامل على أنّه فئة سلوكية ذات معنى.

المرحلة الثالثة:

إمكانية إعطاء الصفر قيمةً رقميةً وانتمائه إلى الحد الأدنى لسلسلة الأرقام الموجبة على سبيل المثال: 0 <1 <2 <3 إلى آخره، ((حيث < تعني أقل من)).

المرحلة الرابعة:

فهم الصفر على أنه يمكن تحديده كتمثيل رمزي يمكن استخدامه في الرياضيات والحسابات الحديثة مثل 1 – 1 = 0.

حديثًا، أظهرت الدراسات أنّ النحل حقّق المرحلة الثالثة في فهم مصطلح الصفر. ينضم النحل إلى نخبة قليلة من الأنواع التي أظهرت فهمًا للصفر لهذا المستوى المتقدم.

فقد أثبتت قرود الريص “rhesus monkeys”، وقرود الفرفت “vervet monkeys” والشمبانزي الفردي، والببغاء الإفريقي الرمادي جميعهم القدرة على تعلم وفهم مصطلح الصفر بشكل تلقائي، ولكن هذه هي المرة الأولى التي تتم فيها ملاحظة مستوى عالٍ من الإدراك في معالجة الأرقام لدى الحشرة.

لماذا نهتم بالصفر؟

لا يمكن التقليل من أهمية الصفر في تاريخ البشرية. على الرغم من، استخدام قضبان العد الصينية لمساحة فارغة لكي تساعد في تمثيل القيم. إلا أن الصفر لم يلاحظ كرقم لعدة قرون، على سبيل المثال: لا تحتوي الأرقام اليونانية على رمز الصفر.

وظل ذلك الأمر مستمرًا حتى سُجل الرقم صفر بشكل مكتوب في عام 628 بعد الميلاد، فقد لوحظ أنّه رقم في حد ذاته في الرياضيات الهندية في كتاب “Brahmasputha Siddhanta” لعالم الرياضيات الهندي ((براهما غوبتا)).

فأول تسجيل لرمز الصفر(0) الذي نعرفه اليوم هو من نقوش هندية على جدار معبد في مدينة قاليور في الهند عام 876 بعد الميلاد. ولم تصل الأرقام العربية بالإضافة إلى الفكرة الحديثة عن الصفر إلى الغرب حتى عام 1200 بعد الميلاد.

ومن المثير للاهتمام أن الأمر استغرق قرونًا حتى يصبح مصطلح الصفر شائعًا ومفهومًا تمامًا، بل ومستعملًا في الثقافة الإنسانية في حين أن النحل تعلّم تطبيق المعرفة الرقميّة السابقة ليثبت فهمه للصفر فقط خلال يوم، عندما قُدم له التدريب لتعزيز الإدراك الرقمي.

حسنًا، كيف تسنّى لنا أن نسأل النحل عن الصفر؟

غالبًا، ما يتغذى النحل في بيئات معقدة وقد طوّر حلول معالجة بصرية ليتكيّف مع هذه الحياة. اختبرنا في هذا البحث معالجة العدد لدى النحل من خلال تدريبهم بشكل فردي بواسطة جهاز خاص لجمع قطع من السُّكر، بل تعدى النحل مرحلة الجمع إلى تعلم قواعد ((أقل من)) آخذين بعين الاعتبار الأرقام “1- 6”.

تحتاج النحلة الواحدة إلى الاختيار بين رقمين في كل مرة تعود فيها إلى التجربة، على سبيل المثال سيتم تقديم نحلة مع رقمين جديدين (3 مقابل 4، 1 مقابل 2، 2 مقابل 5، وهكذا) حتى وصلت مع العديد من التجارب التعليمية إلى دقة تصل إلى 80% على الأقل من اختيار النحلة للعدد الأقل وبالتالي اختيار أقل عدد.

وبمجرد أن تحقق النحلة هذا سيتم تقديمها للتحفيز غير المرئي السابق ذكره والذي ينص على أن الصفر يُمثَل بمجموعة فارغة.

والمثير للدهشة أن النحل الذي تم تدريبه على قاعدة ((أقل من)) يفضل زيارة المجموعة الفارغة بدلًا من أي رقم آخر ذي قيمة أعلى، وهذا يعني أن النحل يفهم أن المجموعة الفارغة كانت أقل عددًا من المجموعة التي تحتوي على عناصر فعلية.

وفي تجارب أخرى، كان النحل قادرًا على وضع الصفر عند الطرف المنخفض من السلسلة العددية وإظهار آثار المسافة العددية، فكلما زادت الدقة زاد الفرق بين الرقمين. وأظهرت الدراسة أنه في حين أن النحل يستطيع أن يفرّق بين الرقم صفر والرقم واحد إلا أن أداءه كان أفضل عندما كانت الأعداد متباعدة كما هو الحال في حالة الصفر مقابل ستة.

الخطوة التالية للبحث في معالجة الصفر هي فهم كيف تُمثل مثل هذه الأدمغة الصغيرة والبسيطة كأدمغة النحل صفرًا بالمعنى العصبي.

كتب ((أندرياس نيدر)) الخبير في الكفاءة العددية للحيوانات من جامعة توبنغن في ألمانيا: تثير المهارات العددية المتقدمة للنحل والحيوانات الأخرى مسألة كيفية تحويل أدمغتهم مفهوم “اللاشيء” إلى مفهوم مجرّد للصفر.

خلق هذا البحث الجديد عن النحل العديد من الأسئلة الجديدة في هذا المجال، كما يوضح أنّ حجم الدماغ وتعقيده لا يحددان بشكل كامل الذكاء وخصوصًا القدرة العددية.


  • ترجمة: بيان الناموس
  • تدقيق: منة حمدي
  • تحرير: أحمد عزب
  • المصدر