تأمل الفلاسفة في طبيعة الوعي لآلاف السنين.

ويدور الجدال في القرن الواحد والعشرين حول كيفية قيام الدماغ بتنظيم تجاربنا اليومية، وهو أمرٌ لا يزال يحيّر العلماء.

ولهذا؛ عمل باحثون من مركز علم الوعي في كلية الطب في جامعة ميتشيغان على محاولة لاكتشاف مناطق الدماغ التي تساعدنا على الاستيقاظ، والذي يعتبر لبنة بناء أساسية لوعينا اليومي.

في البحوث المتعلقة بما يتحكم في وعينا بصورة شاملة، ركز العلماء تقليديًا على الجزء السفلي من الدماغ، وتتضمن هذه الأجزاء جذع الدماغ (المسؤول عن فعاليات مثل التنفس، ضغط الدم، ونبض القلب)، الغدة النخامية (المسؤولة عن النوم والسيطرة على الوظائف الجسدية)، والمهاد (الذي ينظم المعلومات من الحواس المختلفة).

قرر جورج ماشور (الحاصل على شهادة الدكتوراه، الأستاذ في قسم التخدير، ومدير المركز) النظر إلى مناطق مختلفة من قشرة الدماغ، الجزء العلوي من الدماغ، لقدرته في السيطرة على الوعي.

وفّرت البحوث الأخيرة التي تمت على الرئيسيات غير البشرية أدلةً على أنّ القشرة أمام الجبهية لها علاقة مشابهة للوحة مفاتيح الكهرباء مع مناطق أخرى من الدماغ، ما يساعد في الحصول على الوعي فيما يخصّ المعلومات البصريّة.

يقول: «هنالك جدلٌ احتدم مؤخرًا حول ما إذا كانت القشرة أمام الجبهية، مقارنةً بمناطق أخرى في الخلف، تلعب دورًا في توليد التجارب الإدراكية.

وأردنا استهداف بعض هذه المناطق في مقدمة ومؤخرة الدماغ لمعرفة أيّ المناطق لها القدرة في السيطرة على الوعي.»

مفتاح الوعي؟

لأنّ التخدير يستخدم لإزالة التجارب الإدراكية بصورة مؤقتة خلال العمليات الطبية؛ فهو يمثّل الفرصة المثالية لاختبار الفرضيات المتعلّقة بالوعي.

قام ماشور والكاتب الرئيسي داينش بال من قسم التخدير كذلك، والحاصل على شهادة الدكتوراه، بتخدير فئران بمادة مخدرة شائعة عند البشر.

يقول بال: «أردنا رؤية ما هي القوة المسببة التي يتطلبها الدماغ غير الواعي والذي يعاني من تدفق مستمر من المادة المخدرة ليستيقظ».

وليختبروا هذا، استهدفوا اثنين من النواقل العصبية المرتبطة بالصحوة: الأستيل كولين والنورإبينفرين.

عرّض الفريق القشرة الجدارية والأمام جبهية عند الفئران المخدرة إلى أدوية أدّت إلى رفع فعالية النواقل العصبية وقاموا بقياس فعالية الدماغ وسلوكه.

عندما تعرّضت الفئران إلى أدوية منشّطة لناقل الأستيل كولين، ازدادت موجات الدماغ، والتي تكون بطيئةً أثناء النوم وتحت تأثير التخدير، ولكن تمكّنت الفئران من التصرّف وكأنّها يقظة مع وجود تحفيز للقشرة أمام الجبهية فقط، حدث كل هذا مع استمرار تدفق نفس كمية المادة المخدرة المستخدمة سريريًا للعمليات الجراحية عند البشر.

نُشرت هذه النتائج في دورية Current Biology.

يقول ماشور: «أظهرت الدراسة الجديدة أن القشرة أمام الجبهية لديها الإمكانية لأن يكون لها دور في تنظيم الوعي؛ ربما من خلال الجهاز الكوليني».

سريريًا، من الممكن الاستفادة من هذه النتائج وتطبيقها على الأشخاص المصابين باضطرابات في الوعي، كما هو الحال لمن هو في غيبوبة أو في حالة إنباتية.

يسأل ماشور: «لنقل أن لديك مريضًا في حالة غيبوبة، هل من الممكن أن تكون القشرة أمام الجبهية هي المكان الذي يجب تنسيقه للمساعدة في الحصول على الوعي؟» آثار هذه الإمكانية ذات أهمية بسبب سهولة الوصول نسبيًا إلى القشرة أمام الجبهية.

يضيف: «من الصعب للغاية التداخل بصورة مباشرة على مستوى مراكز اليقظة في منطقة جذع الدماغ بسبب مكانها، صغر حجمها، والمناطق الحيوية المجاورة.

قد تكون القشرة أمام الجبهية بوابة يسهل الوصول من خلالها إلى مراكز اليقظة الأخرى والتي يمكن التأثير عليها بصورة إيجابية ضمن محيط سريري بعيد عن التخدير».

  • ترجمة: سنان حربة
  • تدقيق: أحلام مرشد
  • تحرير: ناجية الأحمد
  • المصدر