ضربة حظ قد تكون تاريخية: مصادم الهادرونات الكبير يكتشف بوزون هيجز مرة أخرى
بوزون هيجز: Higgs boson جسيم أولي يُعتقد أنه المسؤول عن اكتساب المادة لكتلتها. وقد تم رصد إشارات لجسيم هيغز عمليًا في عام 2011 في مايعرف بـ مصادم الهادرونات الكبير، وأعلن مختبر سيرن في 4 يوليو 2012 أنه متأكد بنسبة 99.999% من وجود بوزون هيجز فعليًا.

وكان الفيزيائي الاسكتلندي “بيتر هيغز” قد تنبأ عام 1964 بوجوده في إطار النموذج الفيزيائي القياسي، الذي يَفترِض أن القوى الأساسية قد انفصلت عند الانفجار العظيم. وقد كانت قوة الجاذبية هي أول ما انفصل ثم تبعتها بقية القوى.

ويُعتقد طبقًا لهذه النظرية أن البوزون- وهو جسيم أولي افتراضي ثقيل، تبلغ كتلته نحو 200 مرة كتلة البروتون حسب نظرية هيجز- هو المسؤول عن طريق ما ينتجه من مجال هيجز على حصول الجسيمات الأولية لكتلتها، مثل الإلكترون، البروتون، النيوترون، وغيرها.

فالتصور هو أنه عندما يتحرك الجسيم فهو يعاني مقاومةً من مجال هيجز، تلك المقاومة تظهر على الإلكترون في هيئة كتلة.

كل جسيم أولي يكتسب كتلته عندما يتحرك في مجال هيغز”الأساسي” ويتأثر بهذا المجال. فالبروتون مثلًا يعاني في مجال هيجز أكثر مما يعاني الإلكترون ، وهو ما يفسر لماذا البروتون أكبر كتلةً، نحو 1840 مرة من كتلة الإلكترون.

وطبقًا لنظرية هيجز كل جسيم أولي يكتسب كتلته بقدر تأثره وتفاعله مع مجال هيجز. وقد صاغ هيجز نظريته هذه خلال ستينيات القرن الماضي.

قام الفيزيائيون العاملون في مصادم الهادرونات الكبير باكتشاف جديد وكبير لبوزون هيجز الشهير، لقد تمكنوا هذه المرة من اكتشاف تفاصيل نادرة عن التفاعل مع واحدة من أثقل الجسيمات الأساسية المعروفة للفيزياء” كوارك القمة top quark” .

إن الاختلاط القصير لهذا الالتقاء النادر قد زود الفيزيائيين بمعلومات مهمة عن طبيعة الكتلة، وما هو أكثر في الفيزياء مما يتوقعه النموذج الحالي.

النتائج التي أنتجتها تجارب ATLAS وCMS من المنظمة الأوروبية للبحوث النووية (CERN) ساعدت في التأكد من قوة الرابط بين بوزون هيجز وكواركات القمة.

تجربة أطلس ATLAS experiment في الفيزياء: هو كشاف جسيمات أولية صـُمم مع أربعة تجارب أخرى ALICE, CMS,TOTEM LHC في مصادم الهادرونات الكبير لقياس كتل وطاقات و شحنات الجسيمات الأولية والإشعاعات.

وبما أن بوزونات هيجز مسؤولة عن كتلة الجسيمات الأساسية، فإن الحصول على بيانات يقينية لمقارنتها مع التنبؤات أمر يدعو للاحتفال.

على الرغم من التعامل مع الكتلة كل يوم، إما في شكل الجاذبية أو في التغلب على القصور الذاتي لتحريك جسمنا، فإن التفكير في سببها الأساسي يعد أمرًا صعبًا.

في معادلة آينشتاين الشهيرة، الطاقة هي حاصل ضرب مربع سرعة الضوء في الكتلة (E = mc2) يتم وصف الكتلة كطاقة.

لحدوث الارتباط بين الجزيئات الأساسية معًا كالنيوترونات والبروتونات فإن هذا الأمر يتطلب طاقةً، ويساهم هذا في إكساب الذرة كتلتها.

ومع ذلك فإن بعض الجسيمات الأساسية تكتسب كتلةً حتى عندما لا ترتبط بأي جسيم آخر. فمن أين تأتي كتلتها؟

قبل خمسين عامًا، اكتشف عالم يدعى بيتر هيجز أنه يجب أن يكون هناك بوزون، جسيم من نفس فئة الفوتونات، التي تتفاعل معها في حقل خاص؛ يمدها ذلك بالقليل من الطاقة المفقودة التي تسبب كتلة الجسيم.

لعقود من الزمن، كان هذا الجسيم الغريب هو الجزء المفقود من أحجية النموذج القياسي؛ أي أنه كان آخر الجسيمات الأساسية المتبقية التي لم يتم تأكيدها تجريبيًا. وأخيرًا، في عام 2012، تأكد وجود شائعات بأن بوزون هيجز قد رُصِد في مصادم الهادرونات الكبير، كان هذا الحجر الأخير اللازم لإكمال النموذج القياسي.

كان الأمر مذهلًا، لكنه كان مجرد بداية استكشافنا لبوزون هيجز. وبينما ما زلنا بحاجة إلى قياس هذا الجهد الضئيل المسؤول عن الكتلة المفقودة؛ تبدو كواركات القمة نموذجًا جيدًا لبدء البحث.

أشقاؤهم، الكواركات العلوية والسفلية، هي التي تشكل البروتونات والنيوترونات. لكن كواركات القمة لا تثبت بالوقت الكافي حتى يمكننا رصدها والتعرف عليها، وتتفكك في أجزاء من الثانية.

كواركات القمة ثقيلة بشكل ملحوظ، رغم أن الإلكترون يزن حوالي ثلاثة ملايين ضعف كتلة كوارك القمة، ما يشير إلى تفاعل قوي نسبيًا مع حقل هيجز.

يتطلب التقاط هذا التفاعل وجود تلميح لظهور بوزون هيجز مع كوارك القمة في شيء يسمى منتج ttH. القول أسهل من الفعل. لا يوجد جسيم يبقى طويلًا بما يكفي ليُرى مباشرةً، ولا يظهر سوى 1% من بوزون هيجز الذي تنتجه طاقات المصادم إلى جانب كوارك القمة.

ولرصدها، احتاج الفيزيائيون إلى البحث في بيانات تجربتين مختلفتين للمصادم بحثًا عن توليفات من الجسيمات الأقل استقرارًا.

الأمر يشبه العثور على قياسات لشخصين تصافحا في حفل بعد أن ذهب كل منهما إلى منزله.
من خلال العثور على ما يكفي من “مصافحات المشاهير” ومقارنة نتائجها، أصبح الباحثون في كلا التجربتين واثقين الآن من أن لديهم الأرقام الصحيحة لوصف قوة اقتران كوارك القمة بجسيم هيجز.

يقول الفيزيائي كارل جاكوبس Karl Jakobs، المتحدث باسم تعاون ATLAS: «هذه القياسات من قبل التعاون بين تجربتي CMS و AtLAS تعطي مؤشرًا قويًا على أن بوزون هيجز له دور رئيسي في القيمة الكبيرة لكتلة كوارك القمة»، ويضيف: « على الرغم من أن هذا بالتأكيد سمة رئيسية في النموذج القياسي، إلا أن هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها التحقق من ذلك بشكل تجريبي قوي».

ومن المقرر أن يتم جمع مزيد من المعلومات في الأشهر المقبلة، على أمل الحصول على رقم أكثر دقةً، يمكن أن يقدم تلميحات عن شيء أقل توقعًا.

يقول المتحدث باسم تعاون CMS جويل بتلر Joel Butler:«عندما ينتهي ATLAS و CMS من أخذ البيانات في نوفمبر من عام 2018، سيكون لدينا ما يكفي من الأحداث للتحدي بقوة أكبر لتوقع النموذج القياسي لـ ttH، لمعرفة ما إذا كان هناك مؤشر على شيء جديد».

إنها ضربة حظ أكبر من أي توقعات. ولكن لا تزال هناك بعض الألغاز الكبيرة في الفيزياء، بما في ذلك السؤال عن سبب تكوّن الأشياء من البداية بهذا الشكل.

أي علامة على شيء جديد سترفع من سقف طموحات فيزياء الجسيمات.


  • ترجمة : مصطفى العدوي
  • تدقيق: أحلام مرشد
  • تحرير: أحمد عزب
  • المصدر