دراسة: العديد من مرضى سرطان الثدي لا يحتاجون العلاج الكيماوي من الأساس
يمكن لغالبية النساء المصابات بالنوع الأكثر شيوعًا من سرطان الثدي في مراحله المبكرة تخطي العلاج الكيماوي -الذي يأتي دوره بعد الجراحة- بكل أمان.

وقد جاءت هذه النتائج من أكبر تجربة لعلاج سرطان الثدي أجريت على الإطلاق، والتي أظهرت أن معظم المرضى من أصحاب الخطر المتوسط لعودة السرطان والإصابة به مرة أخرى -وهي مجموعة تضم 65000 امرأة سنويًا في الولايات المتحدة- يمكنهم تجنب العلاج الكيميائي وآثاره الجانبية الموهنة في كثير من الأحيان.

وقالت أليسون كوريان (Allison Kurian) أخصائية الأورام في جامعة ستانفورد، والتي لم تشارك في التجربة: «لقد انتظرنا هذه النتائج لسنوات».

وأضافت: «سيغيرون العلاج وسيزيلون الغموض لدى النساء اللواتي يتخذن القرارات بهذا الشأن».

وكانت الدراسة نفسها والتي استمرت لمدة عشر سنوات قد أكدت في وقت سابق أن المرضى المعرضين لخطر منخفض، كما هو محدد في اختبار الجينوم لأورامهم، يمكنهم أيضًا تخطي العلاج الكيميائي والاستغناء عنه.

وتشكل المجموعتان معًا حوالي 70% من النساء اللواتي تم تشخيصهن بأكثر أنواع سرطان الثدي شيوعًا.

وهذا يعني أن أكثر من 85000 امرأة في السنة يمكن أن يتخلين عن العلاج الكيميائي بأمان.

وكما يقول الخبراء، فإن بعض هؤلاء النساء تخطين العلاج الكيميائي على أساس أبحاث أقل متانة.

الآن، يمكنهن أن يثقن في تلك القرارات.

كما يمكن أيضًا للمرضى الآخرين تغيير نهجهم العلاجي بناءً على نتائج هذه الدراسة.

يتم تحفيز السرطان المعني بالهرمونات، بشرط ألا يكون قد انتشر إلى الغدد الليمفاوية ولا يحتوي على بروتين يسمى (HER2).

عمومًا، بعد الجراحة، يتلقى مثل هؤلاء المرضى علاجًا خاصًا بالغدد الصماء، مثل عقار تاموكسيفين (tamoxifen) والذي صُمّم لإيقاف تأثيرات الهرمونات المحفّزة للسرطان.

ووصف أوتيس براولي (Otis Brawley) كبير المسؤولين الطبيين والعلميين في جمعية السرطان الأمريكية، التجربة بأنها مثال جيد على “الطب الدقيق”، وقال إنه سيحمي العديد من النساء من العلاج الكيميائي غير الضروري.

لقد جاءت النتائج من تجربة موّلتها الحكومة الفدرالية تسمى (TAILORx)، والتي تم تصميمها لمساعدة الأطباء بشكل أدق على تخصيص علاجات سرطان الثدي في مراحله المبكرة.

منذ عام 2006، ضمّت التجربة أكثر من 10 آلاف امرأة في الولايات المتحدة وخمسة بلدان أخرى تم تشخيصهن بسرطان الثدي في المراحل المبكرة، وتابعت تطوّر حالاتهن خلال علاج ما بعد الجراحة.

وقد عُرضت النتائج الأخيرة في الاجتماع السنوي للجمعية الأمريكية لعلم الأورام السريرية في شيكاغو، ونُشرت في دورية (New England Journal of Medicine) الطبية.

تم تحليل أورام المرضى باستخدام اختبار يدعى (Oncotype DX)، والذي يفحص نشاط 21 جينًا للتنبؤ بخطر عودة السرطان خلال العشر سنوات القادمة.

وقد أوضحت دراسات سابقة أن النساء ذوات الدرجات القليلة في الفحص يمكنهن تخطي العلاج الكيماوي، أما ذوات الدرجات العالية فيجب عليهنّ الخضوع له.

السؤال المهم الذي يظهر هنا: ماذا عن النساء ذوات الدرجات المتوسطة؟ قالت كوريان أن هؤلاء المريضات قد كنّ في المنطقة الرمادية ولم نعرف ماذا نخبرهن.

للعثور على الإجابة، قام العلماء بتقسيم 6700 امرأة من ذوات الدرجات المتوسطة (11-25) -بشكل عشوائي- إلى مجموعتين.

بعد الجراحة، خضعت المجموعة الأولى لعلاج الغدد الصم فقط، بينما خضعت الثانية إلى العلاج الكيماوي إلى جانب علاج الغدد الصم.

بعد سنوات من المتابعة، أظهرت النتائج أن معظم المريضات اللواتي لم يخضعن للعلاج الكيماوي قد حصلن على نتائج جيدة.

ومن الجدير بالذكر أن النساء بعمر الخمسين عامًا أو أقل قد شكلن استثناءً ملحوظًا للقاعدة.

وقال الباحث الرئيسي جوزيف سبارانو (Joseph Sparano) المدير المساعد للبحوث السريرية في مركز ألبرت آينشتاين للسرطان، والأخصائي في علم الأورام في مركز مونتيفيوري الطبي في نيويورك، أن اللواتي حصلن على درجات متكررة من 16 فما فوق حصلن على فائدة “كبيرة” من العلاج الكيميائي ينبغي أخذها بعين الاعتبار.

فيليس لاكيتي، ممرضة ليلية تبلغ من العمر 58 عامًا في مونتيفيوري، شُخّصت بالسرطان في ثديها الأيمن في عام 2007.

وقد أُجريت لها عملية استئصال للورم، تلتها عملية استئصال الثدي، وكانت درجة التكرار لديها 12 أو 13، ما جعلها تُعتبر في المدى المتوسط.

ضُمّت لاكيتي إلى تجربة (TAILORx) واعتبرت بشكل عشوائي من المجموعة التي لم تحصل على العلاج الكيميائي.

إذ أنها حصلت على تاموكسيفين فقط.

بسبب عملها كممرضة، كانت فيليس معتادة على تأثيرات العلاج الكيميائي القاسية.

كما شاهدت شقيقها وشقيقتها -اللذين توفيا بسرطان الغدة الدرقية وسرطان الدم- يعانيان خلال رحلة العلاج الكيماوي.

قالت فيليس: «لقد كانا مريضين طوال الوقت.

لقد كان أخي مريضًا ومتعبًا لدرجة أنه كان يقول “لا أستطيع أن أفعل هذا بعد الآن”، وكان الأمر نفسه بالنسبة لشقيقتي».

لم يعد سرطان فيليس لاكيتي مرة أخرى.

نتائج التجربة هي آخر ما تبقى من اللغز حول كيفية علاج سرطان الثدي في مراحله المبكرة.

معظم المرضى الذين يعانون من هذا المرض لديهم معدل عالٍ للبقاء على قيد الحياة، ولكن حالتهم تتفاقم بشكل كبير إذا عاد السرطان في أجزاء أخرى من الجسم.

وبسبب ذلك، كان يتم حث العديد من النساء اللاتي يعانين من السرطان في مرحلة مبكرة على الحصول على العلاج الكيميائي على أمل منع أي انتشار.

لكن في السنوات الأخيرة، كما خلص العديد من الأطباء، أن النساء المصابات بسرطان في مرحلة مبكرة يتم علاجهن بشكل مفرط، قد قللن من استخدامهن للعلاج الكيميائي، الذي يمكن أن يسبب الغثيان والإرهاق، وفي حالات نادرة قد يسبب مضاعفات أكثر خطورة مثل اللوكيميا وفشل القلب.

وقد حفز (OnCotype DX) هذا الاتجاه ومن المرجح أن يسرّعه.

إلا أن الابتعاد عن العلاج الكيميائي كان محل جدل شديد، إذ حذر بعض الأطباء من أن العلاج الكيميائي يمكن أن ينقذ الأرواح وأن “إزالة التصعيد” عن العلاج قد يكون خطيرًا.

وقد توقع جيمس دوروشو (James Doroshow) مدير قسم علاج السرطان وتشخيصه في المعهد الوطني للسرطان، الذي كان المموّل الأساسي للدراسة، أن التجربة ستؤدي إلى تغييرات في العلاج “لعدد كبير من المرضى المحتملين”.

ويتوقع أن تتغير المبادئ التوجيهية للعلاج بسرعة استنادًا إلى الدراسة التي أجرتها مجموعة بحثية تدعى (ECOG-ACRIN).

وأضاف أنه من المهم أن تموّل الحكومة الفيدرالية الدراسة لأن صناعة الأدوية لا تهتم بدعم وتمويل التجارب التي تؤدي إلى تقليل العلاج.

وقال خبراء آخرون إن النتائج تؤكد ما يفعله بالفعل العديد من المرضى والأطباء.

وقال ستيفن كاتز (Steven Katz) الباحث في جامعة ميشيغان الذي يفحص عملية اتخاذ القرار الطبي: «علماء الأورام أصبحوا أكثر ذكاءً بشأن طلب معاودة العلاج حتى لا تضر أكثر مما تنفع».

وأضاف: «هذا مهم لأن العلاج الكيماوي سام، إذ يمكن أن يؤدي إلى فقدان المرضى وظائفهم على المدى الطويل».

في دراسة نشرت في ديسمبر، أفاد كوريان وكاتز أن استخدام العلاج الكيميائي كان يتم بين المرضى الذين يعانون من سرطان الثدي في المراحل المبكرة.

كما أظهرت دراستهم، على سبيل المثال، أن استخدام العلاج الكيميائي في ال

مرضى الذين لم ينتشر السرطان لديهم إلى الغدد الليمفاوية انخفض من 26.6% في عام 2013 إلى 14.1% في عام 2015.وقال هارولد بيرشتاين (Harold Burstein) أخصائي سرطان الثدي في معهد دانا فاربر للسرطان أنه في حين يتم تجاوز العلاج الكيميائي في بعض الحالات، إلا أنه يتم زيادته لسرطانات أكثر عدوانية.

وقال: «نريد أن نقدم الكمية الصحيحة؛ لا أكثر ولا أقل».


  • إعداد: أنسام الغزاوي.
  • تدقيق: دانه أبو فرحة.
  • تحرير: عيسى هزيم.
  • المصدر