تخيل نفسك تمشي وحيدًا في الليل، تلمح أمامك على الرصيف شخصًا ما متربصًا في الظلال، فتشعر برعشة تسري في عمودك الفقري.

ستتوقف بينما تفكر في خياراتك، هل تستدير وتعود في الطريق الذي جئت منه؟ هل تعبر إلى الجانب الآخر من الشارع؟ أم تتجاهل خوفك وتواصل المشي إلى الأمام؟

الآن تخيل سيناريو آخر تمشي فيه في طريق لعبور المشاة، فجأةً، سيصدمك سماع صوت إطارات سيارة ما، وتلمح شيئًا يتحرك متجهًا نحوك بسرعة؛ ستقفز إلى الخلف وتعبرك السيارة متجنبة بالكاد الاصطدام بك.

في كلا السيناريوهين أنت تواجه موقفًا يهددك، ولكن التهديد كان مختلفًا بطبيعته في كل مرة، واستجابتك له كانت مختلفةً في كل مرة.

في الموقف الأول، كان التهديد على مسافة منك؛ ما أعطاك الوقت للتفكير بطريقة استراتيجية. في الموقف الثاني، كان التهديد وشيكًا واستجبت بطريقة تلقائية دون تفكير واعي.

في بحث نشر في إصدار 6 مارس من مجلة Proceedings of the National Academy of Sciences، أظهر دين موبز، الأستاذ المساعد في علم الأعصاب الإدراكي، وفريقه للمرة الأولى أن هنالك منطقتين منفصلتين في الدماغ مرتبطتين بمعالجة الخوف.

هذه المناطق، التي أطلقوا عليها “دوائر الخوف”، قامت بتقسيم مسؤولية التعامل مع التهديدات: التهديدات البعيدة التي تعطيك المزيد من الوقت للتفكير والتصرف باستراتيجية يتم التعامل معها في دائرة الإدراك-الخوف، والتي تتكون من اتصالات أقرب إلى مقدمة الدماغ بين مناطق دماغ مسماة “قرن آمون”؛ القشرة الحزامية الخلفية، وقشرة الفص الجبهي البطني (المنطقة المسؤولة عن تقدير الخطر وإتخاذ القرارات).

التهديدات العاجلة والتي تتطلب استجابةً سريعةً يتم التعامل معها في دائرة التفاعل-الخوف، والتي تتكون من اتصالات بالقرب من مركز الدماغ بين جزئين يطلق عليهما “السنجابية المحيطة بالمسال والقشرة الحزامية المتوسطة”.

أظهر الباحثون ارتباطًا بين هاتين الدائرتين والتي يشبههما موبز بالأرجوحة.

عندما تزداد فعالية إحدى الدائرتين تقل فعالية الأخرى، وفورية التهديد هي التي تحدد إلى أي جهة ستميل الأرجوحة.

هذا النوع من التفاعل يساعد الدماغ على التفاعل بطريقة مناسبة لنوع التهديد الذي يتعرض له.

يقول موبز: «الدماغ متكيف لإيقاف بعض الدوائر ليحفز الأخرى؛ عندما يكون التهديد قريبًا منك، سيقوم دماغك بإيقاف قشرة الفص الجبهي.

إذا كان هنالك نمر في الغرفة، وأنت تحاول اتخاذ قرار ما، إذا كان يجب عليك الحركة يمينًا أو يسارًا، سينتهي بك الحال بين أنياب النمر في الوقت الذي تفكر فيه عن أفضل طريقة للهروب».

الحيوانات المفترسة الافتراضية:

لرؤية الفعاليات داخل دماغ شخص ما، استخدم موبز والباحثون الآخرون التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي “fMRI”، ولكن لعدم وجود العديد من المخاطر للشخص الموجود داخل جهاز التصوير بالرنين المغناطيسي؛ طور الباحثون لعبةً وسموها “الحيوانات المفترسة الافتراضية” ،ولعب المشتركون هذه اللعبة أثناء فحصهم.

تتطلب اللعبة من المشتركين أن يحافظوا على شخصيتهم، وهي مستطيل صغير في مكان معين على الشاشة، وكلما حافظ المشتركون على شخصيتهم في هذا المكان، ازداد المال الذي يجنونه (والذي قد يصل إلى 20 دولار).

في هذه الأحيان، ينطلق أحد الحيوانات المفترسة الافتراضية هذه بسرعة في أرجاء الشاشة لتهاجم اللاعب.

خلال الهجوم، يقترب الحيوان المفترس باتجاه النقطة الموجودة على الشاشة والتي يجني اللاعب منها المال.

إذا هاجم الحيوان اللاعب وهو لا يزال على النقطة؛ سيخسر كل المال الذي ربحه، وسيتعرض المشترك لشحنة كهربائية خفيفة من أجل تنبيهه بالخطر الجسدي الذي قد يمثله الحيوان الحقيقي.

كانت الحيوانات مشابهةً للأشباح في لعبة pac-man، كل حيوان لونه مختلف ولديه قدرات هجومية مختلفة.

كان مدى الهجوم للحيوان الأحمر قصيرًا، والذي يعني أنه يجب أن يكون قريبًا من شخصية اللاعب ليقوم بالهجوم.

أما الوحش الأزرق فكان مدى هجومه طويلًا ما أعطى اللاعب قدرةً على الهجوم من مدًى بعيد، فأصبح الوحش أخطر بكثير على اللاعب.

وجد الباحثون أنه عند مواجهة اللاعبين للحيوان المتوحش الأزرق، ازدادت الفعالية في دائرة التفاعل-الخوف، في حين قلّت الفعالية في دائرة الإدراك-الخوف.

في المقابل، عندما واجه اللاعب الحيوان المفترس الأحمر الأقل الخطورة، ازدادات الفعالية في دائرة الإدراك-الخوف وقلت في دائرة التفاعل-الخوف.

يقول موبز: «نحتاج إلى إعادة النظر في فكرة أن منطقةً دماغيةً واحدةً فقط هي المسؤولة عن الخوف.

هذا يظهر أن الخوف ليس أمرًا واحدًا، فهو مستندٌ على السياق، ويمكن أن يكون واعيًا أو لا شعوريًا».

وأوضح موبز أن هذه النتائج ستعطي الباحثين فهمًا أفضل لكيفية عمل الدوائر العصبية في الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات الهلع والقلق.

وهذا بدوره قد يؤدي إلى تطوير علاجات أفضل لهذه الحالات.


  • ترجمة: سنان حربة
  • تدقيق: أحلام مرشد
  • تحرير: ندى ياغي
  • المصدر