أصبح الشعور “بالإنهاك” عبارة شائعة جدًا في لغتنا اليومية، لكننا بدأنا نعلم المزيد عن آثاره المدمرة على المدى الطويل.

غالباً ما يصف المصابون الشعور بالإرهاق والانفصال، كما لو أنهم يمارسون حياتهم دون حافز أو معنى.

يمكن أن يكون للإرهاق عواقب وخيمة، بما في ذلك انخفاض أداء العمل والرضا عن الحياة، فضلًا عن ارتباطه بظروف صحية نفسية أخرى.

على سبيل المثال، ارتبط الإرهاق بالاكتئاب، إذ إنهما يشتركان في عددٍ من الأعراض مثل التعب والانسحاب الاجتماعي وانخفاض أداء العمل.

يُنظر عادةً إلى الإرهاق على أنه نتيجة لبيئة عمل مزعجة على نحوٍ مزمن، وظهر باعتباره مصدر قلق في أماكن العمل في سبعينيات القرن الماضي عندما وجد الباحثون الأمريكيون أن العديد من العاملين في مجال الخدمات الإنسانية لا يطيقون وظائفهم ويشعرون دائمًا أنهم “منهكون”.

وقد ذكر العمّال الأعراض التالية:

  • الاستنزاف العاطفي: بأن تشعر أنك استُنزِفت عاطفيًا وأدركك التعب.
  • إلغاء الشخصية: فقدان التعاطف تجاه العملاء.
  • انخفاض الإنجاز الشخصي: الشعور بعدم الكفاءة في العمل.

ومنذ ذلك الحين، توسّعت الأبحاث عن الإرهاق في المهن الأخرى وتغيّر تعريفها ليشمل السخرية من العمل.

ومع ذلك، لا تزال معظم الأبحاث تركز على الإرهاق المرتبط بالعمل.

لكن في حقيقة الأمر قد يعاني الناس الإرهاق من جميع نواحي الحياة، وليس فقط من العمل. على سبيل المثال، قد يعاني الطلاب الإرهاق جراء أعباء التزامهم الدراسي، أو قد تعاني الأم (أو القائمون بالرعاية) عند رعاية طفل معاق بشدة.

ويُعدّ خطر الإصابة بالإرهاق لأولئك الذين يقومون بأدوار الرعاية ليس بظاهرة جديدة، إذ تشير السجلّات من الرهبان المسيحيين في القرن الرابع إلى ما يسمونه “acedia” وهي كلمة يونانية تُترجم على أنها “غير رعاية”، وهي حالة ربما تشبه الإرهاق.

بعد عقود من الاهتمام بالآخرين، قيل إن الرهبان شكّوا فيما إذا كان ما يفعلونه هو شيء مفيد، ووصفوا أيامهم “بالرمادية”.

يبدو أن الإرهاق يحدث عبر مجموعة من السياقات، لكننا لا نعرف ما يكفي عن أسبابه وكيفية تشخيصه وعلاجه بنجاح.

الأسباب:

نعلم أن الإرهاق الناتج عن العمل قد يحدث بسبب التعرّض لضغوطات العمل المتعددة والمستمرة.

في حين أن هذه الضغوطات قد تختلف باختلاف المهن، إلا أنها تتعلق بطبيعة واحتياجات العمل الشاقة، جنبًا إلى جنب مع المزيج السام من نقص الموارد والدعم.

يمكن أيضًا أن يحدث الإرهاق بسبب سِمات شخصية معينة.

على سبيل المثال، ربطت الأبحاث الإرهاق بتقييم الشخص لنفسه وقدراته، وهي سمة معروفة باسم التقييم الذاتي الأساسي.

يحدث التقييم الذاتي المتدني عندما يكون لدى شخص ما آراء سلبية حول مهاراته وقدراته على التحكّم في المواقف.

الأشخاص ذوو التقييم الذاتي المتدني أكثر عرضةً من غيرهم للشعور بالإرهاق لأنهم قد ينظرون إلى مهام العمل الصعبة على أنها تحديات أو مصدر للقهر وليست قابلة للتحقيق.

كما أن المثاليين أكثر عرضة للإصابة بالإرهاق، إذ يميلون إلى وضع معايير أداء عالية بشكل مفرط يفشلون حتمًا في إنجازها، مما يقلل من إحساسهم بالإنجاز الشخصي.

التشخيص:

تُسمى الأداة الرئيسية المستخدمة في الدراسات البحثية لقياس الإرهاق بمصطلح (Maslach Burnout Inventory (MBI ، وهي استقصاء يتطلب من الأفراد الإجابة عن عدة أسئلة تتعلق بالإرهاق العاطفي، وانعدام الهوية / التهكم والإنجاز الشخصي المنخفض.

ولكن تم انتقادها على نطاق واسع بسبب المخاوف من أنها لا تستوعب مفهوم الإرهاق بدقة، وهي ليست حساسة من الناحية الثقافية للاستخدام خارج الولايات المتحدة، وقد صُممت لقياس الإرهاق لدى الأفراد الذين ما زالوا من القوى العاملة – وليس أولئك الذين توقفوا عن العمل كنتيجة لإصابتهم بالإجهاد والإرهاق السريري.

بالإضافة إلى المشاكل المحيطة بقياس الإرهاق في سياق البحث، يصعب أيضًا تشخيص المرض من الجوانب السريرية.

وذلك لأن الشرط غير معترف به في الدليل التشخيصي والإحصائي، المستخدم دوليًا لتشخيص اضطرابات الصحة العقلية.

لذلك لا توجد مجموعة من المعايير الإرشادية للعاملين في الصحة العقلية لاستخدامها في تشخيص الأشخاص الذين يعانون من الإرهاق السريري الشديد.

وهذا بدوره يؤثر على العلاج، لأنه بدون تشخيص ملموس، يصعب على أخصائيي الصحة العقلية ومرضاهم اتخاذ القرارات الصائبة تجاه العلاج المناسب.

العلاج:

لا تزال استراتيجيات العلاج غير واضحة تمامًا، ولكن ينبغي استهدافها للمتضررين.

وهذا يعني معالجة الضغوطات المميزة التي تساهم في الشعور بالإرهاق لكل شخص.

يجب أن تعترف استراتيجيات العلاج أيضًا بالأنماط الشخصية للأفراد.

الاستراتيجيات التي تعمل على إزالة الضغوط الخارجية (مثل التوقف عن العمل لمدة شهر والاستلقاء على الشاطئ) قد تساعد بعض المصابين، ولكنها قد تزيد من الضغط على الآخرين الذين لا تسمح لهم شخصيتهم “بالتوقف” خارج المكتب.

عادةً ما يُعتقد أن أنماط الشخصية غير قابلة للتغيير خلال فترة حياة الشخص.

لذلك بالنسبة لأولئك الذين لديهم سمات شخصية تضعهم في خطر إضافي للإرهاق، فقد اقتُرِح أن يجري تعليمهم التقنيات التي تساعدهم على التعامل بشكل أكثر فاعلية مع الضغوط الخارجية، بدلًا من محاولة تغيير شخصيتهم.

تعتمد التدخلات من خلال المحادثة الناجحة لمنع الإرهاق وعلاجه على فهم أكثر اكتمالًا لكل حالة على حدة.

يقوم الفريق البحثي الآن بمزيد من الأبحاث لتساعد في تحديد وقياس الشعور بالإرهاق وأسبابه الرئيسية.


  • ترجمة: علي أبوالروس
  • تدقيق: رزان حميدة
  • تحرير: ندى ياغي
  • المصدر