يعيشُ جيمس هاريسون في أستراليا ويبلغُ الآن من العمر واحدًا وثمانين عامًا.

ساهم جيمس من خلالِ تَبَرُّعِه بالدم بإنقاذ حياةِ أكثر من مليونَي طفل، إذ استُخدم دمه في تصنيع دواءٍ لمنع المشاكلِ المُهدِّدة للحياةِ عند المواليد الجُدد.

وعلى مدار ستين عامًا تبرّع جيمس بالدم أكثر من 1100 مرة وأنقذ حياة ما يقارب 2.4 مليون طفل وأُطلق عليه لقب “الرجل ذو الذراع الذهبية” وذلك حسب الصليب الأحمر الأسترالي، لكن ما السرّ الموجود في دم هذا الشيخ الأسترالي؟ وكيف يساهم هذا الدواءُ بإنقاذ حياة الأطفال؟

يحوي دم جيمس ضدًّا (antibody) نادرًا يُستخدم لصناعة دواء يدعى الغلوبولين المناعي Anti_D أو غلوبولين مناعي ريزوسي، يُعطى هذا الدواء للأم التي لا يتوافق دمها مع دم جنينها بسبب اختلاف العامل الريزوسي RH، ويعني ذلك أن جهاز المناعة لدى الأم سيهاجم ويدمر الكريات الحمر في دم الجنين.

«عند حدوث هذه الحالة، سيحصل تدمير لكمية كبيرة من الكريات الحمر في دماء هؤلاء الأطفال خلال فترة وجودهم في الرحم وهذا سيقود لحدوث مضاعفات خطيرة عند المواليد الجدد.

ومن ضمن هذه المضاعفات تلفٌ دماغيّ ويرقان، وقد تصل لموتِ المولود» وذلك حسب (Saima Aftab) المديرة الطبية لمركز الرعاية الجنينية بمشفى نيكلاوس للأطفال في ميامي.

والدواء المذكور آنفًا -والذي يتم استخلاصه من بلازما الدم عند هاريسون ومن يُشبههُ بهذه الخاصية- بإمكانه منع هذه المضاعفات.

وفي حديثها لموقع Live Science تقول Aftab «إن هذا الضدّ هو أحد أكبر الاكتشافات الطبية المُنقِذة للحياة في القرن الماضي».

آليّة عمل الدواء:

كما نعرف فإن هناك زُمرًا دموية إيجابية وأخرى سلبية، وهذا المصطلح يشير لبروتين يدعى عامل الريزوس يوجد على سطح الكريات الحمر، ويصَنّف الناس حسب وجود أو غياب هذا العامل إلى إيجابيّ أو سلبيّ الريزوس.

وتتابع Aftab «ليس هناك أي مشكلة أو خطر مُهدّد للحياة عند أغلبِ الناس في كونهم إيجابيين أو سلبيين، لكن الخطر يكمن عند المرأة الحامل، إذ سيكون هناك تهديدٌ لحياةِ الجنين في حال كانت الأم سلبية الريزوس وكان الجنين إيجابيًا، فإذا تسرّبَ دم الجنين الإيجابي إلى المجرى الدموي للأم فإن جهاز الأم المناعي سيعتبر العامل الريزوسي القادم من دم الجنين جسمًا غريبًا وسيشكّلُ المضادات لمهاجمته، وبإمكان هذه المضادات القادمة من الأم أن تعبر المشيمة وتدخل المجرى الدموي عند الجنين وتقوم بتدمير خلايا الدم الحمراء.

وفي البلدان النامية فإن عدم التوافق الريزوسي يعتبر أحد أكبر مسبّبات الأمراض والوفاة عند المواليد الجدد».

ولمنع حدوث ذلك، يقوم الأطباء بفحص دم الأم قبل أو في بداية الحمل، فإذا كانت سلبية فمن المرجّح أن تُعطى الغلوبولين المناعي الريزوسي، وحسب (Medscape) فإن سلبيّي الريزوس يشكلون حوالي 15% من تعداد السكان في الولايات المتحدة.

توصي الكلية الأمريكية لأمراض العقم وأمراض النساء (ACOG) أن يتم إعطاء هذا الدواء للأمهات السلبيّات في الأسبوع الثامن والعشرين من الحمل وأيضًا خلال 72 ساعة من ولادة طفل إيجابي الريزوس.

وقد يكون هناك حاجة لجرعة من هذا الدواء بعد الإجراءات الجراحية مثل بزل السائل الأمنيوسي أو بعد الإجهاض خلال الثلث الأول من الحمل.

وحسب (ACOG) فإن 17% تقريبًا من النساء الحوامل في أستراليا يتلقّين هذا العلاج، ومن ضمنهنّ ابنة جيمس.

إن آلية عمل هذا الدواء لا تزال غير واضحة، لكن يعتقد الباحثون أن الأضداد تغطي سطح الخلايا الحمراء عن الجنين الإيجابي وتحول دون تعرّف جهاز الأم المناعي على هذه الخلايا وبالتالي عدم اعتبارها أجسامًا غريبة ومهاجمتها.

إن وجود الضد -الذي يُصنع منه هذا الدواء- في دم الناس هو أمر نادرٌ جدًّا، وحسب الصليب الأحمر الأسترالي فإن الدواء صُنِع في أستراليا من دماء مئتي متبرع تقريبًا.

كيف تشكّلت هذه الأضداد النادرة في دم جيمس؟

حدث ذلك عندما كان في الرابعة عشرة من عمره عندما خضع لعملية جراحية كبيرة في الصدر واحتاج لكميات كبيرة من الدم، وبعد تلقّي هذه الكمية من الدم، تسارع تشكّل الأضداد في دمه كرد فعل على الخلايا الدموية إيجابية الريزوس إذ أن زمرة دمه كانت سلبية.

توقّف جيمس عن التبرّع بالدم لأنه تجاوز الحد العمري للتبرّع في أستراليا، وحسب الصليب الأحمر الأسترالي فإنه احتاج لأن يتوقف عن التبرع للحفاظ على صحته.

وهنا صورة لجيمس يقوم بآخر جلسة تبرّع بالدم في الحادي عشر من أيار 2018.


  • ترجمة: عمر اسماعيل
  • تدقيق: رزان حميدة
  • تحرير: ناجية الأحمد
  • المصدر