استخدام أداة تحرير الجينات كريسبر لتحرير الحمض النووي هو في كثيرٍ من الأحيان أقرب إلى استخدام المقص لتحرير مقال صحفي.

يمكنك قص الكلمات، ولكن من الصعب إزالة الأحرف الفردية أو معرفة كيف يؤثر هذا التغيير على معنى النص.

يومًا ما، سنتمكن من استخدام كريسبر في قص الطفرات الجينية المسببة للأمراض.

ولكن الدقة الطبية هذه مستحيلة في وقتنا هذا ما دامت أداة كريسبر غير متطورة.

في هذا العمل الذي سيجعل عملية تحرير الجينات أكثر دقة، قام فريق من العلماء من المركز المشترك للأرصاد وعلم الأحياء (JIMP، وهو تعاون بين معهد ستانفورد والمعهد الوطني للمعايير والتكنولوجيا NIST) بتطوير نوع جديد من منصات كريسبر سميت MAGESTIC.

أُخِذَ الاسم من عبارة (التحرير الجيني الدقيق متعدد الإرسال، مع باركود خلوي قصير قابل للتبع-multiplexed accurate genome editing with short, trackable, integrated cellular barcodes).

النظام الجديد لـ كريسبر يجعله معالج نصوص يعمل بخاصية «البحث والاستبدال» أكثر من كونه أداة قطع حادة للمواد الجينية.

تم الإعلان عن الماجيستك في بحث نشر في Nature Biotechnology، وتمكن الماجستك من زيادة نسبة نجاة الخلية أكثر بسبعة مرات خلال عملية التحرير.

يقول كيفين روي، العالم في JIMP، والمطور للماجستك: «الماجستك هو مثل تطور في في خاصية (Ctrl F) في برامج تحرير الكلمات، مع وجود أمر لإعادة استبدال الكلمات مما يؤدي إلى الحصول على التغيير المطلوب.

هذه العملية ستسمح لنا بالبحث بصورة دقيقة للغاية داخل الخلية لمعرفة تأثير هذه التغييرات على عملها.

ثم يمكننا مقارنة التأثيرات الفعلية لكل متغير مع التأثيرات المتوقعة، وبالتالي تحسين النماذج المستخدمة للتنبؤ بالكيفية التي تؤثر فيها التغيرات الجينية على الصحة والأمراض».

لنتمكن من تعديل الجينوم بصورة دقيقة باستخدام كريسبر، سيتوجب علينا فهم كيف تقوم الخلايا بإصلاح التغييرات هذه في الأماكن المختلفة على طول الجينوم، لنستطيع السيطرة على العملية كما نريد.

في الوقت الحالي، تحدث طفرات عشوائية في أماكن التعديلات الجينية في الحمض النووي للخلية، لأن أجزاء الحمض النووي ترتبط بطريقة غير متوقعة.

والأكثر من ذلك أنّ العديد من الخلايا لا تنجو من عملية التعديل من الأساس.

لذا فإن بناء توقعات دقيقة للتعديل الجيني لا تزال تشكل تحديًا كبيرًا للغاية.

ما يريده الباحثون هو طريقة موثوقة لبرمجة آلية عمل كريسبر لقطع المواقع المرغوبة في الجينوم، ومن ثم توجيه الخلايا لإدخال التعديلات في مواقع قطع الحمض النووي.

يمكن القيام بهذا عن طريق تزويد الخلية بحمض نووي «متبرع» والذي ستستخدمه عملية المضاعفة في الحمض النووي كقالب لاستبدال التسلسل الأصلي في موضع القطع.

هذا الأمر لا يختلف عما يقوم به المحررون عند مراجعتهم لنص ما، فإنهم يبحثون عن الكلمة المعينة أو تسلسل الكلمات ومن ثم استبدالها بشيء آخر.

ولكن نظام إصلاح الحمض النووي داخل الخلية معقد ولا يتصرف دائمًا بطريقة متوقعة مثل تحرير الكلمات.

العملية التي تقوم الخلية بها بالبحث عن الحمض النووي المناسب للمتبرع لإصلاح مكان القطع تمثل تحديًا هائلًا للخلية، إذ إن نظام الإصلاح في الحمض النووي يجب عليه البحث في ملايين إلى مليارات من الأزواج القاعدية لتسلسل الحمض النووي للعثور على الحمض النووي المطلوب «المتبرع».

يوفر الماجستك تطورًا كبيرًا في تقنية التحرير الجيني، فهو يساعد الخلية في البحث عن طريق إعادة تجنيد الحمض النووي المطلوب صناعيًا مباشرةً إلى موقع القطع في عملية تسمى «التجنيد الفعال للمتبرع».

أدى هذا التجنيد الى زيادة نسبة نجاة الخلية بمقدار سبعة أضعاف، هذا الأمر أدهش الفريق بسبب كفاءته وفعاليته.

إحدى الميزات التي تميز الماجستك عن الأساليب السابقة من التحرير الجيني هو النوع الجديد من الباركود الخلوي.

استخدم الباحثون تقليديًا أجزاء دائرية من الحمض النووي يطلق عليها البلازميد للتعبير عن دليل الحمض النووي الريبوزي ولتخزين الباركود لتتبع الطفرات الموجودة في كل خلية.

تتضاعف البلازميدات مع نمو الخلية وتورثها كلتا الخليتين بعد انقسام الخلية.

من الناحية النظرية، تتصرف البلازميدات بصورة كبيرة مثل الباركود الابيض والاسود والمستخدم في تتبع المواد في منصة الفحص.

ولكن خلافًا للباركود الموجود في منصات الدفع، فان الباركود البلازميدي يتفاوت بشكل كبير في العدد، ما يعطي مقياسًا غير دقيق لعدد البلازميدات في كل خلية.

في الماجستك، يتم دمج الباركود مع الكروموسومات بدلًا من ذلك، مما يجعلها مستقرة ويسهل العثور عليها وإحصاؤها لاحقًا.

على الرغم من التقدم الكبير الذي أحرِزَ في تسلسل وتحرير الحمض النووي في العقدين الماضين، فإن الفهم العام لوظيفة التسلسل الجيني لا يزال ضئيلًا.

لا يعلم العلماء سوى القليل جدًا من وظائف 0.1٪؜ من الشفرات التي تتفاوت بين الأفراد في المجموعات السكانية والتي تكون مسؤولة عن الاختلافات في قابلية المرض.

سيساعد الماجستك في ملء الفراغ الموجود في فهم الاختلافات الجينية الطبيعية عن طريق تمكين تحرير ومقارنة كل المتغيرات الجينية بالمتغيرات الأخرى واحدًا تلو الآخر.

وسيساعد على كشف المتغيرات الجينية التي لها تأثير على الوظيفة الخلوية.

ويقوم الماجستك كذلك بكل التعديلات في وقتٍ واحد باستخدام أنبوبة اختبار واحدة، وكل تعديل يحدث في أي واحدة من ملايين الخلايا المتشابهة.

هذه الطريقة أكثر كفاءةً من الطرق السابقة، التي تتطلب التعديل لكل متغير في تجارب مختلفة.

يقول لارز ستينمز، أستاذ الوراثة في جامعة ستانفورد، وقائد المجموعة في مختبر البيولوجيا الجزيئية الأوربي، والمؤلف الرئيسي للبحث: «لقد وصلنا إلى حالة لم نحقق فيها القدرة على ترتيب أزواج القواعد في الجينوم فقط، بل نستطيع كذلك إحداث تغييرات عليها.

مع الماجستك، الأمر يشبه أن تكون قادرًا على القيام بتعديلات صغيرة على حروف فردية في كتابٍ ما، وأن تكون قادرًا على معرفة تأثيرها على معنى النص.

وتسمح طريقة تجنيد المتبرع بوضع المعلومات الجديدة في الصفحة المطلوبة التي حدث فيها القطع».


ترجمة: سنان حربة.
تدقيق: م. قيس شعبية.
تحرير: عيسى هزيم.
المصدر