بعد ظهر اليوم الثالث من أبريل، هرعت الشرطة إلى مقر يوتيوب في سان برونو – كاليفورنيا، بعد تقارير عن وجود مطلق للنار هناك، وقالت الشرطة: “إنها وصلت في مشهد فوضوي للغاية” إذ كان الموظفون يفرون من المبنى.

وأفادت تقارير إخبارية أن مطلق النار قُتل بسبب جرح أصاب به نفسه، وأن أربعًا من الضحايا يُعالجون في مستشفى قريب.
وعلى الرغم من أن عمليات إطلاق النار الجماعية تبدو أقل احتمالا لإثارة الصدمة والرعب هذه الأيام – تسجل العديد من عمليات إطلاق النار منذ بداية 2018 م بالفعل، وفقا لأحد المتتبعين على الإنترنت – إلا أنه كان هناك جانب واحد مدهش من عملية إطلاق النار هذه بمقر يوتيوب، وهو أن مطلق النار كان (هي).

ووفقا للخبراء في السلوك البشري كان هذا الأمر صادمًا؛ لأن النساء يمارسن العنف بمعدلات أقل بكثير من الرجال، وتعد عمليات القتل الجماعي، أكثر من أنواع العنف الأخرى، وهي ظاهرة ذكورية بشكل ساحق.

يقول (James Garbarino) المتخصص في علم النفس بجامعة (Loyola University Chicago) والباحث في مجال التنمية البشرية والعنف: “إن النساء القاتلات، حالة نادرة لدرجة أنه لم يتم دراستها حتى”.

وأضاف (Garbarino) أثناء تحدثه إلى (Live Science) عام 2015م بعد حادثة إطلاق النار في سان برناردينو بولاية كاليفورنيا التي شاركت فيها امرأة: “لا توجد حالات كافية”.

النوع والعنف

يقول (Adam Lankford) أستاذ القضاء الجنائي ومؤلف كتاب (أسطورة الاستشهاد): “بشكل عام، للنساء ميول نحو القتل بنسبة أقل بكثير من الرجال، إذ يرتكبن حوالي 10- 13% من جرائم القتل في الولايات المتحدة”، ويضيف: “ما الذي يدفع الانتحاريين ومطلقي النار، وغيرهم من القتلة المدمرين لذاتهم للقتل؟!”.

ويقول (Lankford): “عندما ترتكب النساء جريمة قتل ما، فإن احتمال استخدامهن للأسلحة النارية يكون أقل من الرجال”، وإن 8 % فقط من مرتكبي جرائم القتل بالأسلحة النارية هم من الإناث، مقارنة بـ 40 % من حالات التسمم، و20 % من القتل بالنيران ترتبط بهنَّ.

ولا تزال التفاصيل لدوافع مطلقة النار في مقر يوتيوب، وكيف كُشِفت الحادثة بالضبط غامضة، رغم أن المصادر قالت لمحطة أخبار منطقة الخليج (KRON4) إن مطلقة النار قتلت صديقها.

وفي حالة إطلاق النار من قبل امرأة في المركز الإقليمي في سان برناردينو في الثاني من ديسمبر لعام 2015م، صمدت من أجل ساديتها، بناءً على قول (Mary Ellen O’Toole) المتقاعدة من مكتب التحقيقات الفدرالي، ومؤلفة كتاب – الغرائز الخطرة: كيف تخوننا مشاعرنا الفطرية ( Dangerous Instincts: How Gut Feelings Betray Us ).

وفي تلك الحادثة، فتح رجل وامرأة النار على حفل، مما أسفر عن مقتل 14 شخصًا وإصابة 21 آخرين، وقد مات الثنائي في تبادل لإطلاق النار مع الشرطة.

وتضيف (O’Toole ): “إن وجود انتحاريات ليس أمرًا نادرًا، ولكن تفجير الناس هو شكل سلبي للغاية من العنف”.

وتضيف: “إن إطلاق النار في غرفة مليئة بالأشخاص الأبرياء الخائفين هو أمر سادي للغاية، والعنف السادي مثل هذا يكاد يكون محصورًا في الذكور”.

العنف والجنس

يعيش معظم الرجال، بطبيعة الحال حياتهم دون قتل أي شخص، وغالبًا ما تكون الدوافع للجريمة شخصية جدًا، كما أن ليس كل النساء والرجال الذين يقتلون يفعلون ذلك للأسباب نفسها، فكل حالة فريدة من نوعها.

ولكن هناك شيء، وهو مزيج من بيولوجيا الذكر والتنشئة الاجتماعية، يجعل الرجال أكثر عرضة للعنف، ويشير (Garbarino) إلى أنه من الجدير بالذكر أن الفجوة بين الجنسين في العنف موجودة في جميع الثقافات تقريبًا، وفي جميع أنحاء العالم.

ليس هناك إجابات بسيطة، فربما تكون النظرية الأسهل للهضم نظرية تطورية، إذ تمت تنشئة الذكور على مدى مئات آلاف السنين من التطور على العدوان.

ويلاحظ الميل إلى العنف في الشمبانزي، – أقرب حيوان بري رئيسي حي للإنسان-، وأيضًا بونوبوس، وهو فرد أساسي من أسرة الإنسان الرئيسية، ويكون أكثر سلمية بكثير، على الرغم من أن الأبحاث الأخيرة أظهرت أنه يميل إلى الحمق أكثر.

يكاد يكون العنف حالة خاصة للذكور، سواء في الشمبانزي أو في البشر، وبالنسبة للذكور، فإن عدم توفر هذه الحالة قد يعني فقدان الفرصة للتزاوج.

يقول (Lankford): “في الواقع إن الإحباط الجنسي هو موضوع يمر عبر كتابات العديد من الرجال، أي: مطلقي النار.

وقد ترك العديد من مطلقي النار بيانات تفصح بوضوح عن كراهيتهم للنساء، وعن الرجال الذين يبدو أنهم يتنقلون مع النساء بسهولة.
وقال (Lankford): “على النقيض من ذلك، لست على علم بأي مهاجمات من الإناث، رغم أننا نمتلك عينة صغيرة، إلا أنني لا أعلم أن أيًا منهم قد اشتكى من عدم القدرة على ممارسة الجنس”.

وقالت (Katherine Newman) عالمة الاجتماع في جامعة مساتشوستس (University of Massachusetts): ” إن هذه الحالة تلعب دورًا كبيرًا في إطلاق النار في المدارس، وهي ظاهرة خاصة بالذكور”، وتضيف مؤلفة كتاب – الهيجان: الجذور الاجتماعية لإطلاق النار في المدرسة ( Rampage: The Social Roots of School Shootings ): “إنه لم يحدث أبدًا إطلاق نار في المدرسة من قبل فتاة”، رغم أنه قد سُجل وجود إحدى الحالات في سان دييغو عام 1979م إذ قامت فتاة مراهقة كانت تعيش بالقرب من مدرسة ابتدائية بإطلاق النار على الأطفال والموظفين من منزلها في صباح أحد الأيام، ولكن يبقى جميع الجناة رجالًا في حالات إطلاق النار العشوائي في المدرسة من قبل شخص هو جزء من مجتمع تلك المدرسة.

وتضيف: “إن هؤلاء الفتيان والشبان قد يستجيبون لنص ثقافي يساوي العنف بالرجولة، ومعظمهم ليسوا لوحدهم، وبدلًا من ذلك فهم يكافحون من أجل الانضمام إلى مجموعات اجتماعية”.

ووفقًا لـ (Newman) تعد تجربتهم هذه واحدة من خيبات الأمل والإذلال؛ لذلك قرروا التجارة في شخصهم (الخاسر) لشيء أكثر جاذبية، و”من المحزن بالنسبة لنا جميعا أن هناك شيئا أكثر بروزًا وهو دور الرجل السيّء”، وتضيف: “إن الفتيات لا يعتقدن أن كون المرء سيئا وعنيفًا هو أمر جذاب”.

كما أنه قد تكون صراعاتهم من أجل الشهرة بعدة طرق، وعادة ما تتضمن إيذاء الذات أو الشائعات السيئة.

يقول ( Garbarino) مؤلف كتاب (انظري جين هيت: لماذا تصبح الفتيات أكثر عنفًا وما الذي يمكن أن نفعله حيال ذلك): “إن الفجوة في العدوان بين الفتيات والفتيان قد ضاقت إلى حد ما، وتُظهر وسائل الإعلام الأكثر شعبية أن الفتيات والنساء يعملن بطرق عنيفة، مما يجعلهن قدوة للعدائية النسوية”.

ومع ذلك، فإن الفجوة بين الجنسين في العنف الفتاك لم تتقلص مثل الفجوة في العنف العام، وهذا بحد ذاته يعد لغزًا.

قد يكون الرجال ضعفاء بيولوجيًا

يمكن أن تؤدي الاختلافات في جين يدعى (MAOA) إلى جانب عوامل الإجهاد أثناء فترة النمو المبكرة، مثل: سوء استخدام الأدوية، أو تعاطي المخدرات إلى زيادة خطر إجرام الرجل.

يقول (Garbarino ): “إن الرجال أكثر عرضة من النساء لاتخاذ القرارات بناءً على مبادئ مجردة عوضًا عن التعاطف”، وأضاف: “مهما كانت الثقافة تتقدم في طريق تبرير العنف المبرر، فغالبا ما يقوم الذكور باستغلال ذلك”.

أسئلة لم تتم الإجابة عليها

إنه مع ظهور المزيد من التفاصيل في قضية سان برناردينو، بات من الواضح أن مطلقي النار، اللذين كانا أبوين لطفل يبلغ من العمر ستة أشهر، ربما ظنوا أن عنفهم كان مبررًا أخلاقيًا، وقد حقق مكتب التحقيقات الفيدرالي في القضية كعمل إرهابي، مما جعل إطلاق النار مختلفًا عن العديد من عمليات إطلاق النار الجماعية في الولايات المتحدة، ووفقا لـ (Fox News) كشف تقرير مكون من 55 صفحة عن إطلاق النار العام الماضي، أن الزوجين أطلقا حوالي 80 طلقة من الذخيرة، وأطلقت الشرطة النار عليهما أكثر من 40 مرة.

وبدلاً من العمل جنبًا إلى جنب مثل زوجي سان برناردينو، فإن عمليات إطلاق النار من هذا القبيل تميل إلى أن تنفذ منفردة، كما يبدو في إطلاق النار على مقر يوتيوب، وفي الواقع كما قال (Lankford): “إن مطلق النار المنفرد على التجمعات عادة ما يكون انتحاريًا، ويريد أن يقتل الآخرين معه”، لكن عندما يتورط اثنان من المهاجمين، عادة ما يكون أحدهما فقط هو الانتحاري، أما الآخر فيكون مصاحبًا له.

ومع ذلك، تبقى هناك بعض أوجه التشابه مع الدوافع الذاتية المدمرة للإرهابيين والقتلة، إذ يلعب الإحباط الجنسي دورًا للكثير من الإرهابيين الذكور كما هو الحال بالنسبة لمطلقي النار من الذكور، خاصة أولئك الذين يتبعون تقاليد دينية صارمة.

فمثلًا: ذكر أصدقاء وعائلة خاطف طائرة 9/11 محمد عطا، أنه كان خجولًا للغاية ومكبوتًا من ناحية النساء.

لقد كشفت مواقع الإنترنت الخاصة بالفنان عمر فاروق عبد المطلب الذي حاول تفجير رحلة وهي في طريقها إلى ديترويت عام  2009 م، عن شاب ناضل لإخماد حوافزه الجنسية من أجل عقيدته الدينية.

وكما يقول (Lankford): “قد يكون في بعض الثقافات والأديان الاستشهاد بمثابة (ثغرة) في حظر الانتحار”، ويضيف: “إنه من غير الواضح ما إذا كان مطلق النار في سان برناردينو انتحاريًا تقليديًا، ولكن الادعاءات حول طلاق والدي مطلق النار الذكر الذي أفاد أن والده كان مسيئًا وهدد بالانتحار أمام أولاده”، والتاريخ العائلي لمشاكل الصحة العقلية ومحاولات الانتحار هو عامل خطر للحث على الانتحار.

وقال (Lankford): “لن أستبعد فكرة أن بعض المشاكل الصحية العقلية أو الميول للانتحار يمكن أن تلعب دورًا في مثل هذه الحالة”.

إن الثقافة تتفاعل مع المرض العقلي بطرق مدهشة، فمثلًا: وجد الباحثون الذين نشروا مقالاً في مجلة الطب النفسي البريطانية عام 2014م أن 70% من الأمريكيين المصابين بالذهان الذين سمعوا أصواتًا أفادوا أنها حثتهم على العنف، وكان هذا العدد في الهند بنسبة 20%، وفي غانا بنسبة 10% فقط.

يقول (Garbarino): “الأشخاص الذين نعتقد أنهم مجانين، كيف يمكنهم استيعاب الرسائل والنصوص الثقافية الكبيرة الموجودة هناك؟”.

إنه غير معروف ما إذا كانت تلك المرأة تخطط لهذا الهجوم، ولكن (O’Toole) تقول: “سابقا إن مطلقي النار لا يهجمون، فمثلًا: وجد محققون أن قتلة سان برناردينو كانوا يخططون لهجومهم منذ سنوات”، وقالت (O’Toole): “إن الكثير من الناس يجيدون تقليد الحياة الطبيعية، وهم يحضرون لخطط قاتلة، فمظاهر الحياة الأسرية السعيدة كالزواج والمولود الجديد يمكن أن تكون جزئيا دعائم للحفاظ على هذا الوهم”.

تقول (O’Toole): “هذه امرأة بدم بارد، ولا أستطيع أن أخبركم عن عدد الحالات التي عملت فيها في مكتب التحقيقات الفيدرالي إذ قتل فيها الآباء أطفالهم”، وقالت عام 2015م: “نحن لا نتعامل مع امرأة عادية كاملة من المحبة والحنان لطفلها”.


  • ترجمة: بشار الجميلي.
  • تحرير: سهى يازجي.
  • المصدر