قد تُشكل خدمات القروض الهامشيّة* أو الجانبية بالنسبة للفقراء والطبقة العاملة في أمريكا كلفةً عاليةً لا على مواردهم المالية فقط، إنّما أيضًا على صحتهم!

وهذا ما أظهرته دراسة تُعَدّ الأولى من نوعها أجراها باحثون في كلية الصحة العامة بجامعة واشنطن ومدرسة إيفانز للسياسة العامة والحكومة.

نُشِرت هذه الدراسة في عدد مارس من مجلة «Health Affairs»، وتُشير إلى أن الأشخاص الذين يستخدمون خدمات القروض الهامشيّة وأولئك الذين لا يستطيعون الوصول إلى حساب بنكيّ ونسبتهم ما يُقارب 38% و17% على الترتيب، يعانون من صحة ضعيفة إلى معتدلة مقارنة بأولئك الذين لا يستخدمون خدمات القروض الهامشية أو الذين لايملكون حقّ الوصول إلى حسابٍ مصرفيّ.

يقول جيرزي آيزنبرغ-جويو؛ الباحث في علم الأوبئة والمؤلّف الرئيس لتلك الدراسة: «إنّ أبحاث الصحة العامة محدودة في هذا المجال؛ ولكن مع هذه الدراسة، لدينا الآن الدليل الذي يدعم نهج الصحة العامة لهذه المشكلة والذي يتناول السبب الرئيس لاستخدام الناس خدمات القروض الهامشية في المقام الأول».

لم تكن الخدمات المصرفية الهامشية موجودةً منذ عدّة عقود، ولكنها نمت بشكلٍ حادٍّ في أوائل التسعينيات مع قيام الدول بتخفيض قوانين أسعار الفائدة، وفي الوقت ذاته، استوعبت البنوك الوطنية مؤسّسات محليّة أصغر مثل الاتّحادات الائتمانية وجمعيات الادّخار والمؤسّسات التي تقدّم قروضًا صغيرةً للعملاء.

أمّا اليوم؛ فإن الخدمات المصرفية الهامشية تُعدُّ صناعةً بمليارات الدولارات، يتّسم عملاؤها بشكل غير متناسب بأنّهم من الملوّنين وأولئك ذوي الدخل المنخفض أو المتقلّب.

إنّ عدم الاستقرار المالي ونقص الموارد يغذّي الصناعة المصرفية الهامشية وأرباحها.

تُؤخَذ القروض الهامشية لدفع ثمن الضروريات مثل الإيجارات أو الرعاية الطبية على سبيل المثال، وغالبًا ما تكون سيئة السمعة نظرًا لارتفاع أسعار فوائدها المئوية السنوية التي تتراوح بين 400%إلى 600%.

إنّ ارتفاع تلك المعدلات يجعل من السهل على العملاء الدخول في دوّامة الديون، فبدون الخدمات المصرفية التقليدية، من المرجح أن تنفق العائلات التي تحقّق 25 ألف دولار سنويًّا على صرف الشيكات وخدمات القروض الهامشية الأخرى أكثر ممّا تنفقه على الطعام كلّ شهر.

يكون النقاش عادةً حول الخدمات المصرفية الهامشية هو ما إذا كانت هذه الخدمات مفيدة من الناحية المالية لمن هم في أمسّ الحاجة إليها أم لا.

تُعد هذه الدراسة المستفيد الأوّل من البيانات في المسح السكّاني السنويّ الحالي لمكتب الإحصاء السكاني(CPS) وذلك لاستكشاف العلاقة بين الاقتراض الهامشي والصحة.

حلّل «آيزنبرغ-جويو» البيانات من استبيانين تكميليين من المسح السكاني الحالي بين عامي 2011 و2016، وأُخذت تلك الاستبيانات بعد تسعة أشهر.

في استبيان يونيو، سُئِل حوالي 15000 شخص حول استخدامهم للقروض الهامشية والحالة المصرفية الخاصة بهم، بينما في استبيان مارس، سُئل نفس المستجيبين عن وضعهم الصحي، وكانت النتيجة هي قيام العديد من العوامل المرتبطة بالحصول على القروض الهامشية بالتأثير السلبي على الصحة، مثل مستوى الدخل عمومًا.

ولعزل التأثيرات الصحية لاستهلاك القروض الهامشية والحالة غير المصرفية للأفراد عن التأثيرات الصحية لهذه العوامل المتداخلة في الدراسة، استخدم «آيزنبرغ-جويو» تقنيّة مُطابَقة درجة الميل.

لا توفّر الحالة الصحية المصنَّفة ذاتيًّا الكثير من المعلومات حول الظروف الصحية المحددة للمستجيبين لهذه الدراسة.

يعترف الباحثون أنّ هذا يمثل قيودًا على البيانات، ولكن أظهرت دراسات أُخرى أن هناك ارتباطًا قويًّا مع حدوث الاعتلالات والوفيات.

مع ذلك، وعلى الرغم من القيود الأُخرى على البيانات، تشير النتائج إلى أن خدمات القروض الجانبية ليست السبب الرئيسي لسوء الصحة، ولكنّها من المرجّح أن تسهم في حدوثها.

يؤكّد مؤلفو الدراسة على أنّ الجمع بين اللوائح التشريعية، وخيارات المؤسسات المصرفية البديلة، وكذلك برامج الرفاه القويّة وحماية العمال يمكن أن يساعد في تخفيف – وربما القضاء على – استخدام الخدمات المصرفية الهامشية.

ويستشهدون على ذلك بأمثلة مثل توفير الرعاية الصحية الشاملة، ورفع الحد الأدنى للأجور، وإعادة إحياء النظام المصرفي للخدمات البريدية في الولايات المتحدة.

يقول كبير الباحثين والأستاذ المساعد في علم الأوبئة «أنجوم هاجات»: «إنّ هذا النوع من العمل له العديد من الآثار السياسية»، ويضيف: «هناك عدّة طرق تُمكّننا من إعادة هندسة شبكة الأمان الاجتماعي وتعديل السياسة الاجتماعية لمساعدة الأشخاص الذين يجدون أنفسهم مضطرّين لاستخدام مثل هذه الخدمات، وآمُل بشكلٍ خاصٍّ أنّ التغييرات على مستوى الولاية والمستوى المحلي ستساعد السكان ذوي الدخل المنخفض».

القروض الهامشية*:هي القروض التي تتمّ خارج النطاق الرسمي للبنوك بين الأفراد مثل الشيكات أو الكمبيالات أو محلات الرهن مقابل القروض.


  • ترجمة: علي أبوالروس.
  • تدقيق: ماجدة زيدان.
  • تحرير: سهى يازجي.
  • المصدر