لدينا روبوتات النانو التي تسبح داخل أجسادنا وتراقب أعضائك الحيويّة، ولدينا روبوتات ذاتيّة التحكّم تعمل جنبًا إلى جنب مع أطبّاء بشريين لأداء العمليّات الجراحيّة المعقّدة، وهناك عربات متجوّلة تسير فوق سطح المريخ، وبينما أنت تقرأ هذا المقال؛ هناك بشر يدورون فوقك ويعيشون في الفراغ البارد في الفضاء.

من نواحٍ عديدةٍ، يبدو لنا كأنّنا نعيش في المستقبل، ولكن إذا سألت نيل ديجراس تايسون، يبدو أنّنا أكثر بقليلٍ من أطفال صغار يحاولون قبض أشعّة الشمس. فنحن لم نفهم الجوانب الأساسيّة في عالمنا بعد.

في القمة العالميّة للحكومات لهذه السنة، قدّم تايسون عرضًا للجمهور الذي كان حاضرًا في القمة، بعنوان (كيف «بالتأكيد لن» يستعمر البشر المريخ)، وبالمناسبة إن لم تكن تعلم فإنّ «ديجراس تايسون شخص متشكك».

بعد خطابه المحبط، أخذ الوقت لمناقشة كيف أنّ البشر جاهلون تمامًا من نواحٍ عديدة .

فيما يلي ثلاثة أسباب، بحسب تايسون ، تُظهر مدى جهل البشر.

المادة المظلمة-Dark Matter

جزء من عالمنا مفقود، في الواقع جزء مهمّ إلى حدٍّ ما.

يقدّر العلماء أنّ أقلّ من 5% من كوننا يتكوّن من مادّة عادية (بروتونات ونيوترونات وإلكترونات وكلّ الأشياء التي تكوّن أجسامنا وكوكبنا وكلّ ما رأيناه أو لمسناه).
وما تبقى من المادة في عالمنا؟ حسنًا، ليس لدينا أيّة فكرة عمّا هي عليه.

وقال تايسون: «المادة المظلمة هي أطول مشكلة لم تُحَلّ في الفيزياء الفلكيّة الحديثة ليومنا هذا».

تنبع المشكلة من حقيقة أنّ المادة المظلمة لا تتفاعل مع الإشعاع الكهرومغناطيسيّ. يمكننا أن نلاحظها فقط بسبب تأثيرها التثاقليّ، من خلال مجرّة تدور بسرعة أقلّ أو أكبر ممّا ينبغي، على سبيل المثال.

ومع ذلك، هناك عدد من التجارب الجارية الآن تسعى إلى الكشف عن المادة المظلمة، مثل تلك الجارية في مختبر SNOLAB و تجربة أكسيون للطاقة المظلمة ADMX، لذلك فقد تكون هناك بعض الإجابات في المستقبل.

الطاقة المظلمة-Dark energy

ربما تكون الطاقة المظلمة واحدةً من أكثر الاكتشافات العلميّة إثارةً للاهتمام على الإطلاق، قد يعود ذلك لحقيقة أنّها قد تحمل مفاتيح المصير النهائيّ لكوننا. يفسّر تايسون ذلك بأنّه «ضغط في فراغ الفضاء، يؤدّي إلى توسّع (تمدد) الكون».

هل وجدتم كلامي محيّرًا؟ هذا على الأرجح لأنّه كذلك.

على العموم، إذا لم تكن على دراية، فكلّ الكون يتوسّع، الفضاء بين المجرّات، والمسافة بين الأرض والشمس، والمسافة بين عينيك وشاشة الكمبيوتر، بالطبع، هذا التوسّع ضئيل.

إنّه الحدّ الأدنى لدرجة أنّنا لا نلاحظ ذلك عندما ننظر إلى النظام الشمسي المحلّي. ولكن على المستوى الكونيّ، فإنّ تأثيره عميق.

ولأنّ الفضاء واسعٌ للغاية، فإنّ مليارات السنين الضوئيّة من الفضاء تتوسّع، ممّا يتسبّب في هروب العديد من المجرّات بعيدًا عنا بسرعة لا يمكن تصوّرها.

وإذا استمرّت هذه الرحلة، فإنّ الكون في النهاية لن يكون أكثر من فراغ مظلم.

إذا انعكس ذلك، سوف ينهار الكون على نفسه في انسحاق شديد. لسوء الحظ، ليس لدينا على الإطلاق أيّة فكرة عمّا سيحدث، لأنّنا لا نملك أيّة فكرة عن الطاقة المظلمة.

التولّد التلقائيّ-Abiogenesis

نحن نعرف الكثير عن كيفيّة تطوّر الحياة على الأرض. ظهرت منذ حوالي 3.5 مليار سنة أولى أشكال الحياة. وهيمنت هذه المخلوقات ذات الخليّة المفردة على كوكبنا لبلايين وبلايين السنين.

قبل أكثر من 600 مليون سنة بقليل، أخذت أولى الكائنات الحيّة متعدّدة الخلايا بالظهور، وجاء الانفجار الكمبري-The Cambrian explosion بعد فترة وجيزة و«بـــووم» بدأ السجل الأحفوريّ بالازدهار.

قبل 500 مليون سنة، بدأت النباتات تستعمر الأرض. سرعان ما تبعتها الحيوانات، وها نحن اليوم.

ومع ذلك، يسارع تايسون إلى الإشارة إلى أنّنا لا نفهم العنصر الأكثر أهميّة في التطوّر وهو «البداية». وقال تايسون: «ما زلنا لا نعرف كيف ننتقل من الجزيئات العضويّة إلى الحياة المتماثلة ذاتيًّا»، وتُسمّى هذه العمليّة بالتولّد التلقائيّ بلغة غير علميّة، التي تدور حول نشوء الحياة من المادة غير الحيّة.

وعلى الرغم من وجود عدد من الفرضيّات المتعلّقة بهذه العمليّة، فليس لدينا فهم شامل أو أيّ دليل لدعم واحد.

إذًا، متى سنتمكّن في النهاية من اكتشاف هذه الألغاز العلميّة والخروج من مرحلة الطفولة؟ يرفض تايسون التنبّؤ بذلك.

وقال حول هذه المسألة: أنا لست جيّدًا جدًّا في توقّع المستقبل، وقد نظرت في توقّعات الآخرين ورأيت مدى سوء ذلك حتّى بين أولئك الذين يقولون «أنا جيّد». قد أخبركم بما أريد أن يحدث، لكنّ هذا مختلف عمّا أعتقد أنّه سيحدث.


  • ترجمة: رضا الكصاب
  • تدقيق: اسماعيل اليازجي
  • المصدر