فقط عندما اعتقدنا أنَّ الأخاطب لا يمكن أن تكون أكثر غرابة، تبين أنهم ورأسيّات الأرجل الأُخرى يتطورون بطريقة مغايرة عن كل كائن حي آخر على الارض.

اكتشف العلماء في شهر أبريل في العام الماضي أَّن الأخطبوط، بالإضافة الى بعض أنواع الحبار، يقومون بتغيير تسلسل حمضهم النووي الريبوزي “RNA” باستمرار للتكيف مع البيئة المحيطة بهم.

وهذا أمر غريب لأنَّ التكيف لا يتم بهذه الطريقة عادةً في الحيوانات متعددة الخلايا، فعندما يتغير الكائن الحي يبدأ الأمر وبشكل أساسيّ بطفرة جينية تغيِّر في الحمض النووي الريبوزي منقوص الاوكسجين”DNA”.

تُتَرجَم التغيرات الجينية هذه إلى أفعال عن طريق الصاحب الجزيئي للـDNA، وهو الـRNA.

يمكنك اعتبار إرشادات الـDNA مثل وصفة طعام، في حين أن الـRNA هو الطاهي الذي ينسق عملية الطبخ في مطبخ كل خلية، فإنّ الـ DNA يقوم بإنتاج البروتينات التي تحافظ على بقاء الكائن الحي على قيد الحياة.

ولكن الـRNA لا يُنفِّذ التعليمات بصورة عمياء، ففي بعض الأحيان يقوم بالارتجال في بعض المكونات، فيقوم بتغيير البروتينات التي تُنتَج في الخلية في عملية نادرة تسمى تحرير الحمض النووي الريبوزي-RNA editing.

عندما يحدث تغيير كهذا، من الممكن أن تتغير كيفية عمل البروتينات، مما يؤدي إلى تغيير دقيق في المعلومات الوراثية من دون حدوث أي طفرات وراثية.
ولكنَّ معظم الكائنات الحية لا تربك نفسها بهذه الطريقة، لأنها عملية فوضوية وتسبب مشاكل أكثر من تلك التي تحلها.

تقول آنا فلاستس لمجلة Wired: «الإجماع الموجود عند الناس الذين يدرسون هذه الأشياء هو أن الطبيعة الأم حاولت القيام بتحرير الحمض النووي الرييوزي، ووجدت أنه عملية غير ناجحة، فتخلت عنه بصورة كبيرة»

ولكن يبدو أن رأسيات الأرجل لم تحصل على هذه المعلومة.

اكتشف باحثون عام 2015 أن الحبَّار الشائع قام بتغيير أكثر من 60 بالمئة من الRNA الموجود في جهازه العصبي، هذه التغييرات أدت إلى تغيير في وظائف دماغه، ومن المحتمل تكيُّفه مع درجات الحرارة المختلفة في المحيط.

عاد الفريق من جديد عام 2017 بنتائجَ مذهلة أكثر – ما لا يَقُل عن نوعين من الأخطبوطات ونوع من الحبار يقومون بالأمر نفسه بصورة منتظمة، ولكي يقوموا بمقارنات تطورية، قاموا بدراسة حيوان النوتي وبطنيات الأرجل، ووجدوا أنهم يفتقرون إلى قابلية تحرير الحمض النووي الريبوزي “RNA”.

يقول جوشوا روزينثال، من مختبر الأحياء البحرية في الولايات المتحدة والمساعد الرئيسي للبحث: «يُظهِر هذا أن القدرة العالية لتحرير الحمض النووي الريبوزي ليس صفة عامة للرخويات؛ بل هو أمر من اختراع رأسيات الأرجل»

قام الباحثون بتحليل مئات الآلاف من مواقع التسجيل في الحمض النووي الريبوزي لهذه الحيوانات، والتي تنتمي إلى طائفة الغمديات التابعة لطائفة رأسيات الأرجل، ووجدوا أنَّ تحرير الحمض النووي الريبوزي هو أمر شائع في الجهاز العصبي للغمديات.

وأخبر الأخصائيّ في علم الوراثة كازوكو نيشيكورا من معهد ويستار الأمريكي _الذي لم يشارك في الدراسة_ في صحيفة The Atlantic: «أتساءل ما إذا كان الأمر متعلق بأدمغتهم المتطورة للغاية»!

بالتأكيد أن الغمديات ذكية بصورة استثنائية، هنالك عدد لا يحصى من قصص هروب فنيّة لأخطبوطات، ناهيك عن استخدامهم للأدوات المختلفة، فقد تعلم الأخطبوط الموجود في حوض أسماك نيوزيلاند تصوير البشر. (نعم، حقًا!!)

إذاً إنّها فرضية مقنعة أنَّ ذكاء الأخطبوط من الممكن أن يكون قد أتى من اعتماده الكبير والغير تقليدي على تحرير الحمض النووي الريبوزي ليبقي الدماغ في تطور دائم!
يقول روزنثال: «هنالك أمر مختلف بصورة أساسية يحدث في رأسيات الأرجل»

ولكن الأمر ليس فقط أن هذه الحيوانات متكيفة لتعديل الحمض النووي الريبوزي عندما تقتضي الحاجة، إنّما هذه القابلية تأتي مع مقايضة تطورية مميزة، والتي ستميزهم عن بقية الحيوانات.

فيما يخص التطور الجيني الطبيعي (التطور الذي يستخدم الطفرات الجينية المذكروة آنفًا)، فإن الغمديات تتطور ببطىء شديد، ويدَّعي الباحثون أن هذه التضحية كانت ضرورية، (إذا تمكنت من إيجاد طريقة تساعدك في البقاء على قيد الحياة، استمر في استخدامها).

يقول روسنثال أيضًا: «الاستنتاج هنا هو أنه من أجل الحفاظ على المرونة في تحرير الحمض النووي الريبوزي، كان على الغمديات التخلِّي عن قابليتها للتطور في المناطق المحيطة»

فيما يخص الخطوات القادمة، سيقوم الفريق بتطوير نموذج جيني لرأسيات الأرجل ليتمكنوا من معرفة متى وكيف تحدث هذه التغيرات في الحمض النووي الريبوزي.

تم نشر النتائج في مجلة Cell.


  • المترجم: سنان حربة
  • تدقيق: ماجدة زيدان
  • تحرير: رؤى درخباني

المصدر