وُجدت جسيمات هيغز بوزون منذ اللحظات الأولى من عمر كوننا، تكوّن بدورها حقل هيغز بوزون الذي ينتشر في أرجاء الكون ويفتقر إلى الاتجاه، ويتفاعل مع الجسيمات العابرة ليعطيها كتلةً بحسب درجة تفاعلها مع الحقل فتصبح أبطأ.

دونَ جسيمات هيغز بوزون لن توجد هياكل مستقرة، سيكون الكون باردًا ومظلمًا وميتًا.

يأمل العديد من العلماء أن يساعدهم هيغز بوزون على فهم الظواهر التي لم يتنبأ بها النموذج القياسيّ (الدليل الميداني للفيزيائيين في العالم دون الذريّ)، في حين أن النموذج القياسي صغيرٌ جدًا ليكون قادرًا على التنبؤ بخصائص جميع الجسيمات دون الذرية المعروفة، فهو عاجزٌ عن ذلك في مجالاتٍ أخرى مثل الجاذبية، والتوسع المتسارع للكون، والسرعات الخارقة لدوران المجرات، والتفوق الضئيل للمادة على المادة المضادة وما خلف ذلك.

يقول (دارين أكوستا – Darin Acosta) الفيزيائي في جامعة فلوريدا: »يمكننا استخدام هيغز بوزون كأداةٍ للبحث في الفيزياء الجديدة التي من الممكن ألا تتفاعل بسهولةٍ مع نماذج الجسيمات».

على وجه التحديد، هناك أملٌ في أن يتفاعل هيغز بوزون مع المادة المظلمة، والتي يُعتقد أنها تنتشر على نطاقٍ واسع، ولكن لم يتم الكشف بشكلٍ مباشرٍ عنها.

وهي المادة التي تزيد عن المادة الاعتيادية بخمسة أضعاف، هذه الجسيمات الهائلة النظرية تُعرّف عن نفسها من خلال جاذبيتها، إذ يرى الفيزيائيون بصمتها في كل أرجاء الكون، في سرعة دوران المجرات، وحركات مجموعات المجرات، وانحناء الضوء البعيد، وعلى الرغم من أن المادة المظلمة تبدو في كل مكان، إلا أن العلماء لم يجدوا بعد أداةً للربط بين الضوء وهذه القطاعات المظلمة.

إذا كان حقل هيغز هو بائع الكتلة الوحيد في الكون، فيجب أن تكون المادة المظلمة عميلًا له، وهذا يعني أن هيغز بوزون (المتحدث الرسمي باسم حقل هيغز) يجب أن يكون على علاقةٍ من نوعٍ ما مع جزئيات المادة المظلمة.

يقول أكوستا: »من الممكن أن تساعد المادة المظلمة في إنتاج هيغز بوزون، أو أن يتحول هيغز بوزون إلى جزيئات مادةٍ مظلمةٍ عند تحلله، يبدو الكلام بسيطًا على الورق، ولكن التحدي يكمن في إيجاد دليلٍ على حدوث ذلك، خاصةً أن أجزاءً كبيرةً من المعادلة غير مرئيةٍ تمامًا».

الجزيء الذي لم يكن هناك:

للعثور على أدلةٍ على تفاعل هيغز بوزون مع المادة المظلمة، يجب على العلماء تعلم كيفية رؤية ما لا يمكن رؤيته، فهم لا يرون هيغز بوزون بشكلٍ مباشر، بل اكتشفوه عن طريق تتبع الجسيمات التي ينتجها بينما يتحلل، وعليهم قياس كيف يتحول هيغز بوزون إلى أنواع مختلفة من الجسيمات، فالأمر ليس سهلًا.

يقول (ويل بوتنجر – Will Buttinger)، باحثٌ في (المنظمة الأوروبية للبحوث النووية – CERN): «كل ما يمكننا رؤيته هو الخطوة الأخيرة من التحلل، أو ما نسميه الحالة النهائية، ففي كثيرٍ من الحالات، هيغز ليس والد الجسيمات التي نراها في حالتها النهائية وإنما الجدّ».
لا يتنبأ النموذج القياسي فقط بنتائج تحلل هيغز بوزون، وإنما باحتمال الحصول على كلٍ من هذه النتائج.

فمثلًا، يُتوقع أن ما نسبته 60% من هيغز بوزون ستتحول إلى زوجٍ من الكواركات السفلية، في حين أن 0.2% فقط ستتحول إلى زوجٍ من الفوتونات، وإذا أظهرت النتائج التجريبية أن هيغز بوزون يتحلل إلى جزيئاتٍ معينةٍ أكثر أو أقل، فمن المتوقع أن يعني أنَّ نسبةً منها تتسلل وتُحول إلى المادة المظلمة.

وبطبيعة الحال، فإن هذه الأنواع من القياسات لا تخبر العلماء إن كان هيغز بوزون يتحول إلى مادةٍ مظلمةٍ كجزءٍ من مسار تحلله، أم هو فقط يتصرف بشكلٍ غريب، ولرصده أثناء تحوله يحتاج العلماء إلى أدلةٍ دامغةٍ على التحول لمادةٍ مظلمة.
»كيف نرى أشياء غير مرئية؟« يسأل بوتنجر، «بتأثيرها على ما نراه».

مثلًا: لا يمكن للإنسان أن يرى الرياح، لكن بالنظر خارج النافذة سيعرف أن الجو عاصفٌ بسبب تمايل الأشجار.

يقول بوتنجر: «لكل فعلٍ رد فعلٍ يساويه بالقوة ويعاكسه بالاتجاه.
إذا رأينا الجسيمات تنطلق باتجاهٍ واحدٍ سنعرف أن شيئًا ما ينطلق بالاتجاه الآخر»، وإذا تحول هيغز بوزون إلى جسيمٍ مرئيٍّ يقترن بجسيم المادة المظلمة، فإن المسارات المنفردة للجزيئات المرئية سيكون لها سلوكٌ غريبٌ وغير قابلٍ للتفسير، وهو ما يدل على هروب جزيء المادة المظلمة.

هيغز بوزون هو أحدث أداةٍ لدى العلماء لاستكشاف الحقول المجهولة داخل وخارج النموذج القياسي، وسيتيح البحث المستمر في مصادم الهيدرونات الكبيرة، وتحديثاته المستقبلية للعلماء هي وصف هذه الجسيمات المتحفظة، وتعلّم أعمق أسرارها.

  • ترجمة: أسامة ونوس
  • تدقيق: تسنيم المنجّد
  • تحرير: ندى ياغي
  • المصدر