كشفت ملاحظات أجريت على أقدم ضوء في الكون و إشعاع الخلفية الكونية الميكروي عن بعض النجوم الأولى في الكون إذ يقدَّر عمرها بحوالي 13.6 مليار عام، أقدم وأخف ضوء في الكون (180 مليون سنة بعد الانفجار الكبير) حيث نشأت النجوم الأولى التي بشرت بالفجر الكوني، وتم الكشف عن هذا الضوء باستعمال هوائي راديوي ليس أكبر بكثير من حجم الثلاجة.

علماء الفلك من مجموعة متنوعة من الجامعات في جميع أنحاء الولايات المتحدة بما في ذلك جامعة ولاية أريزونا (ASU)، ومعهد (Massachusetts) للتكنولوجيا (MIT) وجامعة كولورادو في بولدر (Boulder)، حققوا هذا الاكتشاف على الرغم من أن تجربتهم كانت بهدف الكشف عن مشروع (EoR) العالمي أو (عصر إعادة التأين) الذي تم تمويله من قبل المؤسسة الوطنية للعلوم (NFS) منذ عام 2009، وتعتمد على هوائي فريد من نوعه مزود بمستقبل متخصص قادر على كشف أوضح الإشارات الراديوية من أعماق الكون، تم إنشاء هذا الهوائي في منطقة معزولة من أستراليا ويسمى مرصد علم الفلك الراديوي مرتشيسون (Murchison)، موقعه في الصحراء بعيدًا عن أي إشارات لاسلكية من المحتمل أن تكون معرقلة.

يقول عالم الفلك جود بومان (Judd Bowman) من جامعة أريزونا:«إن العثور على هذه الإشارة البسيطة فتح نافذة جديدة على الكون المبكر، لا يمكن للتلسكوبات أن ترى بعيدًا بما فيه الكفاية لتصوير مثل هذه النجوم القديمة مباشرة، ولكننا رأيناها كموجات راديو قادمة من الفضاء».

بعد الانفجار الكبير، بدأ الكون يهدأ ويتوسع، فبعدما كان هذا الأخيرعبارة عن بحر من الهيدروجين والظلام المحايدين، بدأت مناطق من الهيدروجين تتجمع وتشكل النجوم الزرقاء الضخمة، على الرغم من أن علماء الفلك لم يتمكنوا من مراقبة هذه النجوم بشكل مباشر إلا أنهم تمكنوا من مراقبة آثارها على الإشعاع الكهرومغناطيسي الذي يعرف باسم إشعاع الخلفية الكونية الميكروي (CMB).

ما يمكن للفلكيين ملاحظته كتراجع طفيف في الإشارات الراديوية، يمكن أن تتم مزاحمته من قبل كميات كبيرة من التشويش الأرضي والكوني، على سبيل المثال، بين 65 و 95 ميجاهرتز (MHz) من المرجح أن يحدث تراجع صغير يسببه نجم بدائي يتزامن مع الكثير من ترددات FM راديوية كما يوجد الكثير من الموجات عبر مجرتنا، يقول بيتر كورتشينسكي (Peter Kurczynski) مدير برنامج المؤسسة الوطنية للعلوم (NSF) الذي أشرف على تمويل برنامج (EDGES): «هناك تحدٍّ تقني كبير في هذا الاكتشاف، حيث أن مصادر الضوضاء يمكن أن تكون 10000 مرة أكثر إشراقًا من الإشارة، شيء مشابه لأن تكون في وسط إعصار وتحاول أن تسمع رفرفة جناح الطائر الطنان».

وكان علماء الفلك الذين قاموا بالبحث واثقين من قدرتهم على العثور على هذه الإشارة الخفية، وتم تعزيز هذه الثقة من قبل الدراسات السابقة التي أثبتت أن النجوم الأولى أصدرت كميات هائلة من ضوء الأشعة فوق البنفسجية (UV)، حيث حرر هذا الضوء إلكترون من كل ذرات الهيدروجين المحيطة في عملية تسمى التأيّن (ionisation)، حتى بعد أن ماتت هذه النجوم المبكرة واصلت المستعرات العظمى (supernovae) والثقوب السوداء وغيرها عملية التأيّن هذه عن طريق الأشعة السينية (X-rays)، وهذا ما تسبب في امتصاص الفوتونات من إشعاع الخلفية الكونية وسبب تراجع في كثافة الكشف عن البيانات عبر برنامج (EGDES) الذي كشف أن هذا المعلم حدث بعد 250 مليون عام من الانفجار الكبير.

يقول آلان روجرز (Alan Rogers) من مرصد هستاك (Haystack) في (MIT): « تبدأ رؤية غاز الهيدروجين في صورة ظلّية في ترددات لاسلكية معينة، وهذه هي أول إشارة حقيقية أن النجوم بدأت بالتشكل وبدأ تأثيرها على الوسط المحيط بها»، وكانت إحدى الجوانب غير المتوقعة للإشارة مدى كثافتها، في الواقع، كانت قوتها ضعف ما توقعته النماذج، ويشير الباحثون إلى أنه ربما يكون السبب هو الضباب من غاز الهيدروجين وذلك بعد وقت قصير من الانفجار الكبير، وكانت أكثر برودة من المتوقع أو أن مستويات الموجات الخلفية كانت أكثر سخونة من فوتونات إشعاع الخلفية الكوني، كما يمكن أن يكون التفاعل مع المادة المظلمة سببًا أو أحد الأسباب.

يقول بومان: «إذا تأكدت هذه الفكرة فإننا تعلمنا شيئًا جديدًا وأساسيًا حول المادة المظلمة الغامضة التي تشكل 85% من المادة في الكون وهذا من شأنه أن يوفر لمحة أولى عن الفيزياء خلف النموذج القياسي»، ويقول كورتشينسكي: « هذا الاكتشاف يفتح فصلًا جديدًا في فهمنا لكيفية ظهور العالم الذي نراه، مع وجود هوائي لا يختلف كثيرا عن راديو FM، وقدر كبير من الاهتمام والبراعة، رأى الباحثون شيئًا لم يكتشف بعد حتى من قبل أجهزة قياس التداخل التي تتطلب مئات الهوائيات ومعالجة البيانات المعقدة ومئات الساعات من الرصد، وبشكل غير مباشر، رأوا حتى أبعد من التلسكوب الفضائي هابل أثناء بحثه عن أدلة على النجوم الأولية».


  • ترجمة: أسامة ونوس.
  • تدقيق: كنزة بوقوص.
  • تحرير: عيسى هزيم.
  • المصدر