يشتهر الفطر السحريُّ بما يسببه من تخديرٍ وهلوساتٍ لمستهلكِه، فالمعظمُ شاهد كيف تُصوَّرُ الإثارة في الأفلام والبرامج الوثائقية عند تناوله؛ كالرقص على قوس قزح، أو الطيران خلال السحب مع حيواناتٍ خيالية، وغيره من تصوراتٍ جامحة.

ولكن بعيدًا عما اكتسبه من سمعة، وبعيدًا عن استخداماته التقليدية الهادفة للترفيه والتلاعب بالواقع المرئيّ من قبل المستهلك، فإن الباحثين يعتقدون أن نطاق استخدامه يمتد لأبعد من ذلك، إذ يساعد بقهر أكثر الأمراض النفسية انتشارًا (الاكتئاب).

نشرت صحيفة «Sage Journal of Psychopharmacology» دراسةً مختصرةً تُدعى إيجاد دليلٍ على قدرة (السيلوسيبين – psilocybin) على مقاومة الاكتئاب -وبالأخص لمرضى الاكتئاب الذين لم يستجيبوا للعلاجات التقليدية- .

والسيلوسيبين مركبٌ كيميائيٌّ مهلوسٌ متواجدٌ بأكثر من نوعٍ من الفطر، إذ يقوم بإحداث تغيراتٍ دائمةٍ بالصفات الشخصية للإنسان والسلوك والمبادئ والمعتقدات.

ولا يقتصر ذلك على مرضى الاكتئاب، بل على الأشخاص الأصحاء أيضًا، وقد أفادت به مجموعةُ أبحاث المواد المخدرة في قسم الطب لكلية إمبريال – لندن في المملكة المتحدة .

تتلخص تفاصيل الدراسة بمجموعةٍ مكونةٍ من سبعة أشخاص مصابين بالاكتئاب المزمن أو المقاوم للعلاج التقليدي، ويتم توثيق وقياس مدى إدراكهم للواقع ومدى تحررهم من القيود السلطوية وردود الأفعال العاطفية لديهم، ومن ثم تعريضهم لجرعتين من المهلوسات بمقدار واحدةٍ كل أسبوع، ما نتج عنه تأثيرٌ على الحالة النفسية، وذلك من خلال ازدياد إدراك الواقع والوعي لدى المرضى.

ولكن، قد انخفض مدى تقبله للقيود السلطوية، واستمرت التغيرات التي أحدثها المهلوس بشخصية المرضى بعد إعطاء آخر جرعةٍ من سبعة أشهرٍ إلى اثني عشر شهرًا، وذلك بمقارنة هذه النتائج مع سبعة أشخاص آخرين أصحاءَ لم يستهلكوا مركب السيلوسيبين.

يقول الدكتور تايلور ليونز (رئيس البحث ومن المؤلفين الرئيسين فيه): «ن المعتقدات والسلوكيات بطبيعة الحال شيءٌ ثابتٌ لدى المرء، ولا تتغير كثيرًا بمرور الزمن، إذ لا يتأرجح الشخص من اعتقادٍ لنقيضه ببساطة، بل يعمد إلى البقاء على نسقٍ ثابت.

لقد أُعطي المشاركون الجرعة مرتين فقط، وما حدث من تغيرٍ كان سريعًا».

كذلك أفضت التجارب المخبرية السابقة لكلية إمبريال بوجود مثل تلك النتائج على المرضى.

ويقول الدكتور روبن كارهارت هاريس (رئيس أبحاث التخدير في كلية إمبريال لندن) : «بعد متابعة المرضى ومراقبة نشاط الدماغ لديهم، توصلنا لملاحظة مدى انخفاض ظهور أعراض المرض».

ويضيف« :لقد أظهرنا ولأول مرةٍ تغيراتٍ واضحةً في نشاط الدماغ لدى مرضى الاكتئاب ممن يعالَجون بالسلوسيبين بعد عدم استجابتهم للعلاجات التقليدية.

ولقد وصف بعض المرضى شعورهم بعد العلاج بأنه تمت إعادة تشغيل أدمغتهم وتهيئتها مرةً أخرى، كأنهم وُلدوا من جديد».

وأضاف آخر: «إنه كمن أُعيد تشكيل دماغه كإشارةٍ لما يحدث للقرص الصلب للحاسوب بعد إعادة التنصيب».

وهذا ما أشار إليه هاريس من دراسةٍ عام 2017 لدى « Scientific Reports» بقوله: «قد يمثل السيلوسيبين الدفعة الأولى التي يحتاجها دماغ المرضى للخروج من حالة الاكتئاب التي يعانون منها، وقد لوحظت نتائج مماثلةٌ على الدماغ عند العلاج بالتخليج الكهربائيّ».


  • ترجمة: وسام الزيادات.
  • تدقيق: تسنيم المنجّد.
  • تحرير: عيسى هزيم.
  • المصدر