إنّ اختيارَ أفضل طريقةٍ لتغذية الطفل هو قرارٌ شخصيٌّ جدًّا بالنسبة للأم.

وسواءٌ اختارتِ التغذيةَ الطبيعيّةَ عن طريق الثدي أو الحليب الصناعيّ، فإنّ فترةَ الرضاعة فرصةٌ مهمّةٌ لإنشاء رابطةٍ قويّةٍ بين الأمّ وطفلها.

يعتبر أخصّائيّو التغذية أنّ حليبَ الثدي أفضلُ للرضيع، ولكن حينَ تخوض الأمّ تجربةَ الأمومة للمرّة الأولى قد تحتاج ووليدُها إلى أسابيعَ قليلةٍ حتّى يتمكّنا من إدرار الحليب، فهما يتعلّمان سويّةً عمليّةً كان يصعب على كليهما التنبّؤُ بكيفيّتها.

توصي الأكاديميّة الأميركيّة المختصّة بطبّ الأطفال أن يقتصرَ غذاء الرضيع في الأشهر الستّة الأولى من حياته على حليب الثدي، وبعدها يمكن الاستعانةُ بالحليب الصناعيّ إضافةً للرضاعة الطبيعيّة حتى يُكملَ الطفل عامَه الأوّلَ كاملًا؛ طبعًا في حال تواجد الرغبة بذلك عند الأمّ والطفل.

ولكنّ القليلَ من النساء الأمريكيّات يمكنهنّ تحقيق هذا الهدف، ومع ذلك فإنّ آخرَ إحصائيّات مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها أظهرت أنّ معدلاتِ الرضاعة الطبيعيّة ترتفع، وأنّ ما يقارب ٨١% من الأمّهات قد بدأن بإرضاع أطفالهنّ، بينما أظهرتِ النسب في عام ٢٠١٦ أنّ حوالي ٥٢% من النساء الأمريكيّات يعتمدن الرضاعةَ الطبيعيّةَ لستّة أشهر، و٣١% منهنّ يعتمدنها لاثني عشرَ شهرًا، ومقارنةً بعام ٢٠٠٧ فقد أظهرتِ الدراسات أنّ ٤٣% منهنّ يُرضِعن أطفالهنّ طبيعيًّا لستّة أشهر وأنّ ٢٢% فقط يقمن بذلك لمدّة عامٍ واحدٍ.

عدّة عواملَ للأخذ بعين الاعتبار

عند اتّخاذ القرار بالطريقة التي ستتمّ بها تغذية الطفل؛ يجب على الأمّ وشريكها الأخذ بعين الاعتبار عدّةَ حقائقَ، كالفوائد الصحيّة (قصيرة أو طويلة الأمد) للأمّ وللطفل أيضًا، والحالة الماديّة، والمستوى المريح الذي توفّره الرضاعة الطبيعيّة، ويجب الأخذ بالحسبان طبيعةَ نمط الحياة للعائلة وخصائصها مثل الوقت والطريقة الأسهل والأكثر راحةً، وما إذا كانتِ الأمّ تخطّط للعودة للعمل، وإذا كان من الممكن لأفراد العائلة أو مسؤولي الرعاية أن يدخلوا بخطّة التغذية.

كلّ تلك العوامل تساهم في اتّخاذ قرار طريقة تغذية الطفل.

تقول روث لورنسRuth Lawrence ، وهي طبيبةٌ مختصّةٌ بطبّ الأطفال والتوليد وأمراض النساء في كليّة الطبّ بجامعة روتشسترRochester – نيويورك: «عند اتّخاذ القرار بطريقة تغذية الطفل؛ يجب على الأمّ أن تفكّرَ بما هو الأفضل لوليدها أوّلًا، وبشكلٍ ثانويٍّ بما هو الأنسب لها».

لكنّ لورنس التي أرضعت أطفالَها التسعةَ رضاعةً طبيعيّةً، وأجرتِ العديدَ من الأبحاث حولَها استنتجت بعضَ النقاط: «في حين أنّ جميعَ الثدييات تفرز حليبًا مخصّصًا لذريّتهم، فإنّ البشر هم الوحيدون القادرون على التغذّي بحليب فصيلةٍ أخرى كالأبقار مثلًا».

وعلى الرغم من أنّه في وقتٍ ما من القرن الماضي في أمريكا اعتُبِرَ أنّ الزمانَ قد لوّح للرضاعة الطبيعيّة على أنّها عادةٌ تقليديّةٌ قديمةٌ وأنّ استخدامَ الحليب المعلّب أكثرُ سهولةً وعصريّةً، تقول لورنس إنّه على مدى السنوات الخمس والعشرين السابقة كان هناك إقبالٌ على العودة للرضاعة الطبيعيّة.

وإنّ إحدى المشاكل في سبيل جذب الأمريكيّات للرضاعة الطبيعيّة هي قلّة الدعم المقدّم كالحديث عن تجارب تلك الأمّهات لخلق التحدّي لدى الأخريات.

فبعضهنّ لا يملك أمًّا أو أختًا أو صديقةً مقرّبةً لتنصحَها بالرضاعة الطبيعيّة، وقالت لورنس: «لهذا السبب فإنّه من الضروريّ جدًّا تنظيم مجموعاتٍ داعمةٍ للأمّهات المُرضعات تقدّم المساعدةَ لهنّ».

الفوائد

فيما يلي بعض الفوائد والتحدّيات المتعلّقة بالرضاعة الطبيعيّة والتغذية بالزجاجة لمساعدة النساء على المقارنة واتّخاذ قرارٍ مستنيرٍ بشأن تغذية الرُضّع.

فوائد الرضاعة الطبيعيّة للأطفال الرضّع:

تغذيةٌ أفضل؛ يعتبر المهنيّون الصحيّون أنّ حليبَ الأمّ هو التغذية المثاليّة لطفلها.

ومن السهل هضمُها أكثرَ من الحليب الصناعيّ، ممّا أدّى إلى نوباتٍ أقلَّ من الإسهال أو الإمساك.

وقالت لورنس: «يحتوي حليب الأمّ أيضًا على العناصر الغذائيّة الهامّة لنموّ المخ، مثل التورين (حمض أمينيّ)، وحمض دوكوزا هيكسانوئيك-DHA(Docosahexaenoic acid) (حمض دسم)».

يعزّز المناعة؛ قالت لورنس: «إنّ حليبَ الإنسان يوفّر الحمايةَ المناعيّةَ ضدَّ نزلات البرد والتهاب البلعوم الفيروسيّ والتهاب البلعوم بالعِقْديّات وأمراض الجهاز الهضميّ والتهابات الأذن.

يحدث هذا لأنّ الأطفالَ يحصلون على أجسامٍ مضادّةٍ تُمرّر إليهم من حليب أمّهم، ممّا يساعد على تعزيز جهاز المناعة لديهم وحمايتهم من الإصابة بالأمراض».

يحمي ضدّ الحساسيّة؛ تُظهر الدراسات أنّ الأطفالَ الذين يتغذّون على الحليب الطبيعيّ يميلون إلى أن يكونَ لديهم حساسيّةٌ أقلُّ من الرضّع الذين يتغذّون بالحليب الصناعيّ، وخاصّةً أولئك الذين يتغذّون على حليب البقر.

ووجدتِ الأبحاث أنّ هؤلاء الرضّعَ أيضًا هم أقلُّ عرضةً لتطوير الربو والسكريّ، أو زيادة الوزن مقارنةً مع الأطفال الذين يتلقّون الحليبَ الصناعيَّ.

قالت لورانس: «لا يميل الأطفال الذين يتغذّون على الحليب الطبيعيّ إلى الإفراط في تناول الطعام بنفس الطريقة التي يمكن أن يكونَ بها الرضّع الذين يتغذّون على رضّاعاتهم».

يُضيف القوّة للدماغ؛ وقد أظهرت بعض الدراسات أنّ الأطفالَ الذين يتغذّون على حليب الثدي لديهم معدّلات ذكاءٍ أعلى قليلًا من الأطفال الذين يتغذّون على الحليب الصناعيّ.

فوائد الإرضاع الطبيعيّ للأمّ:

يقوّي الرابطةَ بين الأمّ والابن؛ فحملُ الطفل قريبًا من ثدي المرأة يخلق رابطًا خاصًّا بين الأمّ والطفل.

توفير المال؛ فالإرضاع الطبيعيّ أوفر بكثيرٍ من الغذاء الصناعيّ، وهو طريقة تغذيةٍ مناسبةٌ أكثرَ.

تقول لورانس: «طبيعة الأمّ تساعد في تحضير ثدييها لعمليّة الإرضاع، لذلك سيكون الحليب واللّبأ (حليب الأمّ الأول) جاهزًا للطفل».

يحسّن فترةَ النقاهة؛ تقول لورانس: «إنّها لفائدةٌ من الفوائد الرئيسيّة للإرضاع الطبيعيّ أنّه يحسّن التعافيَ الوظيفيَّ للمرأة بعد الولادة».

يكون لدى النساء اللواتي يقمْنَ بالإرضاع الطبيعيّ فقدُ دمٍ أقلّ بعد الولادة، وكذلك يعود الرحم إلى حجمه الطبيعيّ خلالَ ستّة أشهر من الولادة.

وبما أنّ الإرضاعَ الطبيعيَّ يحرق حريراتٍ أكثرَ، فالنساء اللواتي يقمن بالإرضاع الطبيعيّ يميلون لأن يفقدوا «وزنَ الطفل» بشكلٍ أسرعَ، وأيضًا يستعدن أجسامَهنّ كما كانوا قبل الحمل، وهذا وفقًا لوزارة الزراعة في الولايات المتحدة.

يؤمّن فوائدَ صحيّةً على المدى الطويل؛ إنّ إرضاعَ الطفل رضاعةً طبيعيّةً يحمي صحّةَ المرأة أيضًا؛ فقد وجدتِ الدراسات أنّ النساءَ اللواتي يُرضِعن رضاعةً طبيعيّةً لديهنّ اختطارٌ أقلّ للإصابة بسرطان الثدي والمبيض، وكذلك يقلّ احتمال الإصابة بهشاشة العظام كلّما تقدّمْنَ بالسنّ.

تحدّيات الرضاعة الطبيعيّة

إنتاج حليبٍ كافٍ؛ تقول لورانس: «واحدٌ من أكبر التحدّيات أثناء الرضاعة الطبيعيّة هو إنتاج حليبٍ كافٍ لحاجة الطفل.

ويمكن للمرض عند الأمّ أن يعترضَ طريقَ الإنتاج الجيّد للحليب».

عندما تبدأ المرأة بالإرضاع الطبيعيّ تصبح حلمتاها ليّنتين، ويصبح ثدياها ملتهبَين عندما يمسكهما الطفل ويرضع منهما، فتصبح الرضاعة مؤلمةً.

وعلى عكس الإرضاع بالقوارير، يكون من الصعب تقدير كميّة الحليب المُتناوَل من قبل الطفل أو تقدير ما إذا كان الحليب كافيًا له أم لا.

رضاعاتٌ متكرّرةٌ أكثرَ؛ تحدٍّ آخرُ يواجه الأمّهاتِ هو أنّ الأطفالَ الذين يرضعون رضاعةً طبيعيّةً يحتاجون أن يتناولوا الحليبَ بتكرارٍ أكثرَ من التغذية الصناعيّة، لذلك يكون إرضاع الأطفال الصغار مهمّةً مستهلكةً للوقت.

يؤثّر على نمط الحياة والعادات؛ وبما أنّها المصدر الوحيد لتغذية طفلها، يمكن أن تشعرَ بعض الأمّهات بالتقييد عند الإرضاع أو إيجاد مساحاتٍ محدودةٍ في الأماكن العامة.

يمكن أن يكونَ هناك دورٌ للشريك في الرضاعة عن طريق إحضار الطفل إلى الأمّ عندما يحين وقت الإرضاع، أو بإطعام الطفل بالقارورة إذا تعبتِ الأمّ.

بشكلٍ مشابهٍ للحمل، يجب أن تكونَ الأمّ المرضعة واعيةً لتناول طعامٍ صحيٍّ (سوف تحتاج 400 إلى 500 حريرةٍ إضافيّةٍ باليوم) وتغيير عادات حياتها، كالامتناع عن تناول الكحول و تدخين السجائر أو الماريجوانا عندما تقوم بالإرضاع الطبيعيّ مقارنةً بالأمّهات اللواتي يستخدمن التغذيةَ الصناعيّةَ.

الخجل من الإرضاع في الأماكن العامّة؛ على الرغم من معرفة فوائده الصحيّة، قد لا تشعر بعض النساء بالراحة عند الإرضاع خاصّةً خارجَ المنزل، أو قد يكون اهتمامهنّ بالقيام به قليلًا.

إنّ بعضَ الأمّهات المصابات ببعض الأمراض مثل العدوى بفيروس عوز المناعة المكتسب-HIV أو الإصابة السلّيّة الفعالة-Tuberculosis يجب أن يتجنّبْنَ الإرضاعَ الطبيعيَّ.

ويمكن للنساء اللواتي خضعن لعمليّات تصغير الثدي أن يعانين أثناء الإرضاع إذا أُزيلت قنواتهنّ الحليبيّة.

يمكن أن تشعرَ بعض النساء بأنهن قد فشلن كأمّهاتٍ إذا لم يستطعن الإرضاعَ، وأيضًا يمكن أن يشعرن بالذنب إذا قرّرن تبديلَ طرق إطعام الطفل عندما يكبر وهم بحاجةٍ للعودة إلى العمل.

الدعم المحدود؛ إذا لم تكنِ المرأة معتادةً على الإرضاع الطبيعيّ وكيفيّة القيام به، فهناك دروسٌ متاحةٌ لتساعدَ في تعليمها قبل أن تلدَ، بالإضافة إلى مجموعاتٍ نبيلةٍ داعمةٍ، ومنظّمي ومستشاري الرضاعة مثل لا ليتش ليغ-La Leche League لتقدّمَ النصائحَ وتجيبَ عن الأسئلة بعد الولادة.

فوائد التغذية بالقارورة للأمّهات والأطفال

منتجاتٌ عالية الجودة؛ تقول لورانس: «على الرغم من أنّها لا يمكن أن تضاهيَ حليبَ الأمّ، إلّا أنّ الأطفالَ محظوظون اليومَ لأنّ في متناولهم منتجاتٌ صناعيّةٌ عالية الجودة، والتي تُنتَج وتُسوَّق بشكلٍ حذرٍ.

التغذية الصناعيّة هي حلٌّ بديلٌ جيّدٌ عندما لا تكون الرضاعة الطبيعيّة ممكنةً، وهي خيارٌ مغذٍّ للأطفال أكثرَ من الحليب المجفَّف أو حليب البقر اللذين كانا يُستخدمان قبلَ أن تتوفّرَ التغذية الصناعيّة بشكلٍ واسعٍ.

الوقت المناسب؛ يمكن أن تكونَ المرأة قادرةً على ترتيب نظامٍ غذائيٍّ للطفل بحيثُ لا تضطرّ للنهوض ليلًا، فيُعطي الشريك أو المُربّي الطفلَ القارورةَ عوضًا عن ذلك.

التواصل؛ عند التغذية بالقارورة، يمكن للمرأة والطفل أن يتمتّعا بالقرب والرابط العاطفيّ، لكنّها ستفتقد للتواصل الخاصّ عن طريق تماسّ الجلد المُميِّز للرضاعة الطبيعيّة.

تحدّيات التغذية بالقارورة

تحضيراتٌ وتكلفةٌ أكبرُ؛ إنّ القواريرَ والحلماتِ يجب أن تُعقَّمَ، وإذا لم تستعملِ المرأة التغذيةَ الصناعيّةَ فوريّةَ الاستخدام -والتي تكون أغلى ثمنًا- فعليها أن تخلطَ هذه المغذّياتِ الصناعيّةَ وتحضّرَها.

إنّ التغذيةَ الصناعيّةَ المتخصّصةَ، كالتغذية الصناعيّة المعتمدة على الصويا، والتغذية الصناعيّة قليلة التحسّس، يمكن أن تكونَ مكلفةً أكثرَ أيضًا.

وقايةٌ أقلّ من العدوى؛ تقول لورانس: «لا تؤمّن التغذية الصناعيّة كلَّ المغذّيات النوعيّة التي تؤمّنها الرضاعة الطبيعيّة، ولا يحصل الطفل على نفس الحماية المناعيّة التي تُشاهَد في حليب الأمّ.

وبالنتيجة، فالطفل المُغذّى بالتغذية الصناعيّة هو في خطرٍ أكبرَ للإصابة بالعدوى خلال السنة أو السنتين التاليتين للولادة».

بالإضافة لذلك، تقول لورانس: «إنّ الأطفالَ الذين تغذَّوا بالتغذية الصناعيّة معرّضون لأخماج الأذن بنسبة ثلاثة أضعافٍ بالمقارنة مع الأطفال الذين تغذَّوا بالرضاعة الطبيعيّة».

وقالت أيضًا: «إنّ هذا الخطرَ المتزايدَ سببُه أنّ التغذيةَ الصناعيّةَ يمكن أن تصلَ إلى نفير أوستاش-Eustachian tube والأذن الوسطى للرضيع عندما يُغذّى بالقارورة، أمّا عندما يرضع من الثدي؛ يكون النفير مغلقًا ممّا يقي من عودة السائل إلى لأذن الوسطى.


  • ترجمة: حسن سلوم.
  • تدقيق: اسماعيل اليازجي.
  • تحرير: عيسى هزيم.
  • المصدر