لا توجد في كثيرٍ من الأحيان مركبةٌ تنقل الباحثين لحدود البحث العلميّ.

ولكنَّ مشروع إبادة البروتونات المضادة (PUMA) سيفضي إلى بعض الفيزياء الرائعة، وهذا المشروع سيقود حوالي مليار بروتون مضاد في رحلةٍ خاصة!

هناك فكرةٌ جديدة: «إذا كانت فترة حياة الجسيمات الإشعاعية قصيرةً جدًا لتذهب إلى المادة المضادة، فإن على المادة المضادة أن تذهب إلى الجسيمات المشعة».

جمعُ هذه الجسيمات معًا سيساعدنا على فهمٍ أفضل للفيزياء الثقيلة التي تجري في أعماق النجوم.

لقد كانت المادة المضادة عنصرًا أساسيًا من أسلحة الخيال العلمي والمحركات الفضائية، نظرًا لكونها تعطي كميةً هائلةً من الطاقة عند جمعها مع قرينتها من المادة العادية.

وقد قام الفيزيائيون بالفعل بدراسة جزيئات المادة المضادة منذ منتصف القرن العشرين، وذلك باستخدام مسرعات الجسيمات مثل المسرّع الهائل الكائن في سيرن.

نحن نستطيع بسهولةٍ أن نحافظ على المادة المضادة لمدةٍ طويلةٍ باستخدام أجهزةٍ خاصة مثل (فخ بينينج)، إلا أنَّه لم يستطع أحدٌ أن يضع هذه المادة المضادة ضمن قارورةٍ مغناطيسيةٍ ويقوم بنقلها من مكانٍ إلى آخر، ولكن أخيرًا وجد شخصٌ سببًا للقيام بذلك.

إن تصميم الذرات وكيفية تفاعلها هو بالفعل شيءٌ معقد، خاصةً عندما تبدأ بالنظر داخل الذرات الكبيرة التي تحتوي على المزيد والمزيد من البروتونات والنيوترونات.

إن فهم كيفية تفاعل الجسيمات دون الذرية مع بعضها البعض لكي تتشكل العناصر السفلى من الجدول الدوريّ للمواد، هو حاليًا عمليةٌ صعبةٌ جدًا.

يظن بعض الباحثين أن النيترونات يمكن أن تشكل شيئًا ما كالقشرة حول الجزء الخارجيّ من نواة الذرة، لكن هل تكون هذه القشرة لينةً في العادة؟ وهل تشكل هذه القشرة هالةً منتشرةً في ظروفٍ خاصة؟

إن هذه الأسئلة ليست مجرد أسئلةٍ أكاديمية، ولكن لديها تطبيقاتٌ في مجالاتٍ متنوعةٍ من العلوم، والكيمياء، وحتى علم الفلك.

وقد قال الفيزيائي النووي (باناجيوتا باباكونستانتينو –Papakonstantinou) من معهد العلوم الأساسية في دايجون في كوريا الجنوبية (إليزابيث جيبني – Elizabeth Gibney) في مجلة نيتشر: «إنَّ أحد الأسباب التي تدفعنا لفهم قشرة وهالة النيترون هو كونها عنصرًا هامًا للقيام بالأرصاد الفلكية ».

وكما هو معروف، فإن النجوم الهائلة جدًا تحتوي على هذه الأنواع من العناصر الثقيلة، ومعرفة كيفية تشكل هذه العناصر سيخبرنا الكثير حول كيفية تصرف هذه النجوم.

إن هذه المشكلة كبيرة، فالذرات الكثيفة مع الكثير من النيوترونات هي أيضًا عناصر مشعة، إذا كنت ترغب بدراسة قشرة النيترون فإنه يجب عليك أن تكون سريعًا جدًا لأنَّ هذه الذرات تنهار بوقتٍ قصيرٍ جدًا، فعلى سبيل المثال إن لدى لذرة ليثيوم -11 نصف عمرٍ يبلغ 8.6 ميلي ثانية فقط.

تشكل عملية صدم البروتونات المضادة بالبروتونات العادية الطريقة الوحيدة لمعرفة طريقة تنظيم هذه الجسميات داخل نوى ذراتها، وهو بالضبط ما يعتزم مشروع (PUMA) القيام به.

سيقوم المصادم (سيرين) بإنتاج البروتونات المضادة، بينما سيتم إنتاج النوى المشعة باستخدام طريقة فصل النظائر المكشوفة في مختبر (ISOLDE)، إن ذلك يشبه مباراةً تجري في السماء.

مختبر (ISOLDE)

لا يبعد هذان المختبران اللذان ستُجرى بهما هاتان العمليتان عن بعضهما سوى بعض المئات من الأمتار.

لذلك وضع الباحثون خطةً مبدعةً لتحميل سحابةٍ من مليار بروتون مضادٍ دخل فخًا محكمًا، وسيتم تخزينها في درجة حرارةٍ تصل إلى 4 فوق الصفر المطلق.

هذا العدد الكبير من البروتونات المضادة أكبر بأربعة أضعاف من أي عددٍ حاول أحدٌ ما فعله.

وسيضع الباحثون هذه الحجرة المغناطيسية المحكمة داخل شاحنة، ويقودونها لمسافةٍ قصيرةٍ إلى مختبر (ISOLDE)، حيث سيقومون هناك بإطلاقها على نظائر الليثيوم.

إن الباحثين غير قلقين حول عملية النقل هذه، حتى ولو كان سائق الشاحنة متهورًا، ولا توجد مخاوفٌ من تصادم البروتونات المضادة المحملة بتلك الشاحنة مع المادة العادية، إذ إنَّ كمية مليار بروتونٍ مضادٍ لا تكاد تكفي لتفجير تفاحة، ناهيك عن تفجير منشأةٍ علمية.

يقول عالم الفيزياء النووي النظري(تشارلز هورويتز – Charles Horowitz) من جامعة إنديانا بلومينغتون ناتشر: «أن تقود شاحنةً تحتوي على مادةٍ مضادة، إنها تقريبًا فكرةٌ من الخيال العلميّ، وإنها فكرةٌ رائعة».


  • ترجمة: عامر السبيعي.
  • تدقيق: تسنيم المنجّد.
  • تحرير: سهى يازجي.
  • المصدر