كشفت دراسةٌ أجريت على العشرات من المجرات تبعد عنا عدة مليارات من السنوات الضوئية عن ثقوبٍ سوداءٍ تجاوزت توقعاتنا بكثيرٍعن الحد الذي قد تنمو له هذه الوحوش.

إنّ هذا الاكتشاف لا يساعدنا لبناء فهم أفضل عن آلية تطور هذه اللبنات الأساسية للكون فقط، بل جعلنا نطرح تساؤلًا معقدًا عن الكيفية التي جعلت هذه الثقوب السوداء تكتسب هذه الكتلة الهائلة جدًا؟

عرفنا حتى الآن عن انهياراتٍ لنوى النجوم العملاقة لتصبح ثقوبًا سوداءً، حيث رصدنا مثل هذه الحوادث التي تمزق نسيج الزمكان، وراقبناها تطلق المواد في الفضاء، بل ونتوقع خلال فترةٍ قريبةٍ جدًا أن نلقي نظرةً قريبةً على هذه الثقوب (حيث من المتوقع أن نستطيع رؤية أفق الحدث لأحد الثقوب السوداء باستخدام تلسكوبٍ جديدٍ خلال العام الحالي).

ولكن يبدو أنّنا لا نستطيع الاكتفاء بهذه المعلومات عن تلك الأشياء، حيث لدينا عدة أسبابٍ لذلك.

تقول الفيزيائية (جولي هلافاسيك-لاروندو – Julie Hlavacek-Larrondo) من جامعة مونتريال في كندا: «إنّ المجرات هي اللبنات الأساسية لكوننا، ولنفهم آلية تكونها وتطورها، يجب علينا أن نفهم تلك الثقوب السوداء».

ولكن الثقوب السوداء لا تسهل من مهمتنا كثيرًا، ولذلك لحل معضلة دراسة أشياء تميل لجعل أسرارها عصيةً عن الاكتشاف، يحاول الفيزيائيون الوصول لطرقٍ مختصرةٍ.

إنّ أول شيءٍ يجب علينا فعله هو الوصول إلى علاقة بين الثقوب السوداء العملاقة وبين مجراتها المضيفة، لأنه إذا كان هناك طريقة لحساب تناسب حجم المجرات مع ثقوبها السوداء التي في مركزها، فإنّ ذلك سيوفر علينا الكثير من الصعاب.

لذلك تعاونت هلافاسيك لاروندو مع باحثين آخرين من كندا واسبانيا والمملكة المتحدة لدراسة 72 مجرة داخل دائرة نصف قطرها 3.5 مليار سنةٍ ضوئيةٍ لكي تتعرف على صيغةٍ تساعدها في تقدير كتلة الثقوب السوداء في مراكز تلك المجرات.

ولتقدير حجم الثقوب السوداء نفسها، قاموا بتحليل طيف الأشعة السينية الصادرة عن دوامة قرص الغاز الساخن التي تهوي داخل آبار الجاذبية الهائلة تلك.

ثم قام الفلكيون بربط نتائج هذه التحليل مع قياس اللمعان الكلي للمجرة المحيطة بهذه الثقوب السوداء.

فمن المنطقيّ القول بأنّ أكبر المجرات تحتوي بداخلها على أكبر الثقوب السوداء، ولكن هذه العلاقة ليست بالبساطة التي يعتقدها الفلكيون.

يقول المؤلف الرئيسي لهذه الدراسة (مار ميزكوا – Mar Mezcua) من معهد علوم الفضاء في اسبانيا: «لقد اكتشفنا ثقوبًا سوداء أكبر وأكثر ضخامة بكثير مما كنا نتوقعه».

بدلًا من أنّ تنمو بشكلٍ متزامنٍ مع نمو المجرات، فإنّ العديد من الثقوب السوداء تجاوزت التوقعات ونمت بمعدلٍ أكبر من معدل نمو النجوم حولها.

في الواقع، فإن حوالي 40 في المئة من هذه الثقوب كتلته تعادل 10 مليار مرة كتلة شمسية أو أكثر.

إنّ الرقم القياسي لهذه الثقوب السوداء يبلغ حوالي 17 مليار كتلة شمسية، على الرغم من أنّ دراسات أخرى تشير إلى اكتشاف ثقوبٍ سوداء تبلغ كتلتها 40 مليار كتلة شمسية تبعد عنا حوالي 12.1 مليار سنة ضوئية.

وفي كلتا الحالتين، فإنّ هؤلاء (الأطفال) كبيرون جدًا، والسؤال هو: لماذا؟ ، لقد اقترح الباحثون فرضيتين، تفيد الأولى بأنّ هذه الثقوب السوداء بدأت كبيرة ثم قامت بسحب المجرة حولها، أو أنّنا نفتقد شيئًا ما حول معرفتنا الحالية بكيفية إنتاج المجرات للثقوب السوداء.

ويقول ميزكوا : «هل هم كبيرون جدًا لأنهم هم الذين بدأوا أولًا أو لأن هنالك ظروف مثالية سمحت لهم بالنمو بسرعةٍ أكبر على مدى مليارات من السنين؟».

يضيف فائلًا: «إلى هذه اللحظة لا توجد لدينا طريقةٌ لمعرفة ذلك»، قد تساعد دراسةٌ منفصلةٌ متاحةٌ على موقع الطباعة المسبقة (arxiv.org) على تقديم إجابة.

عبر مراقبة ما يزيد من 30 ألف مجرةٍ تبعد عنا مسافات تصل إلى 12.2 مليار سنةٍ ضوئيةٍ، فإنّ الباحثين قد اكتشفوا أنّ التناسب بين معدل نمو الثقوب السوداء و معدل نمو النجوم حولها يرتفع مع زيادة حجم المجرات المحيطة بهذه الثقوب السوداء.

إنّ الثقوب السوداء تزداد جشعًا مع المجرات التي تحتوي على الكثير من النجوم.

ومن الواضح أنّ العلاقة بين تشكيل النجوم والثقوب السوداء هي علاقةٌ معقدةٌ.

ولكن شيئًا واحدًا أصبح مؤكدًا لدينا هو أنّ كوننا لن يكون كما يجب أن يكون بدون هذه الوحوش.


  • ترجمة: عامرالسبيعي
  • تدقيق: رَنْد عصام
  • تحرير: ناجية الأحمد
  • المصدر