هل الكحول ينظف دماغك حقًا؟


عند العودة من العمل وشرب مشروب بارد يظهر لك إعلان بأن القليل من البوظة لن يقتلك بل على العكس قد «ينظّف» عقلك ويقلل احتمالية إصابتك بالنسيان.

إذًا فما رأي العلم في هذا الادعاء المفاجئ؟

الأمر ليس بالضرورة كما يبدو، لذا فلا تبدأ بالشرب بعد. فقد أُجريت الأبحاث على الفئران والتي تعالج المشروبات الكحولية بطريقة مختلفة عن البشر لذا فلا يجب اعتبارها حاسمة كما يقول المؤلفون في جريدة (scientific reports).

فرأي المؤلفة مايكن نيدرجارد (Maiken Nedergaard) في ورقتها البحثية أنه من الطبيعي عدم اعتبار الدراسة التي أُجريت على الفئران أنها تشجيع على شرب المشروبات الكحولية للبشر، ونيدرجارد هي عالمة أعصاب في مركز جامعة كوبنهاجن لأساسيات علم الأعصاب.

في عام 2012 اكتشفت نيدرجارد وفريقها البحثي أنَّ السائل الشوكي الذي يحيط بالمخ والنخاع الشوكي ليس مجرد ماص للصدمات بل أنه يزيل المنتجات الإخراجية بما في ذلك بروتين أميلويد بيتا والذي عادةً ما يتم العثور عليه في التجمعات الغير طبيعية في المخ في المرضى المصابين بألزهايمر، وأعطى الباحثون هذا النظام اسم «النظام الجليمفاوي».

في هذه الأحيان فقد أظهرت الأبحاث على الكحوليات والمخ أنّ الاستخدام المزمن والشديد للكحوليات خطير للغاية. وطبقًا لمركز التحكّم والوقاية من الأمراض فإن الاستخدام الطويل والشديد للكحوليات قد يكون مرتبط ببعض الأمراض والتي تتراوح من السرطان وأمراض القلب إلى النسيان.

إلّا أنّ هناك بعض الدراسات والتي تؤكد على أنّ استهلاك كميات صغيرة من الكحوليات في حدود كوب من النبيذ يوميًا قد تكون مرتبطة بتقليل خطر الإصابة بكثير من الأمراض كالنسيان وأمراض القلب والأوعية الدموية والسرطان.

الكحول والمخ

للبحث في هذا التناقض قامت نيدرجارد وفريقها البحثي بدراسة تأثير الكحول على الجهاز الجليمفاوي للفئران، فقاموا بحقن الحيوانات بكميات صغيرة أو متوسطة أو كبيرة من الكحول. الكميّة الصغيرة كانت مساوية لـ2.6 مشروب من الكحول لشخص وزنه 70 كغم باعتبار المشروب كوب من النبيذ به 12% كحول أو كوب كبير من البيرة بها 5% كحول. الكمية المتوسطة كانت مساوية لـ 7.9 مشروب لشخص بنفس الوزن. بينما الكمية الكبيرة كانت مساوية لـ21 مشروب. على الرغم من ذلك فإن مقارنات أوزان الجسم هذه غير دقيقة لأنها لا تأخذ بعين الاعتبار أنّ أيض الفئران أسرع من البشر.

على الرغم من أنّ النتائج لا يمكن ترجمتها بسهولة إلى البشر إلّا أنها توفر تفسيرًا محتملًا لسبب كون الكحول ضار بكميات كبيرة ومفيد بكميات صغيرة. باستخدام مواد مضيئة بحقنها في السائل الشوكي للفئران ثم تعقُّب هذا السائل في الجسم.

وجد الباحثون أنه وبمجرد شرب جرعة صغيرة من الكحول يزداد سريان السائل بنسبة 40%. وعلى النقيض فقد أدت الجرعات المتوسطة والكبيرة إلى انخفاض سريان السائل بنسبة 30%. الانخفاض قد يكون بسبب أن الكميات الكبيرة من الكحول تقلل بشكل مؤقت من كمية الدم التي يدفعها القلب مع كل ضخة، الدم الذي بدوره يساعد في حركة السائل الشوكي.

ولاختبار آثار استهلاك الكحول المزمن فقد أعطى الباحثون للفئران كميات قليلة أو متوسطة لمدة 30 يومًا على التوالي، ولم يستخدم الباحثون الكميات الكبيرة لأن هذه الكميات قتلت 40% من الفئران في الدراسة.

بعد 24 ساعة من آخر جرعة من الكحول، أظهرت الفئران ذات الجرعات المنخفضة 19% تحسن في الجهاز الجليمفاوي أو مقدار سريان السائل الشوكي أكثر من الفئران التي تم حقنها بمحلول صافٍ. الفئران التي تم حقنها بكميات متوسطة عاد جهازها الجليمفاوي للطبيعي إلّا أنها لم تُظهر أي استفادة.

فيما يتعلق بالاختبارات السلوكية فقد أظهرت الفئران التي تم حقنها بكميات صغيرة من الكحول لفترة طويلة رغبة أكبر في اكتشاف الأشياء من حولها عن الفئران التي تم حقنها بمحلول صافٍ، إلّا أن الفئران التي تم حقنها بكميات متوسطة كانت أقل اهتمامًا. حيث أكدت هذه النتائج على أن الكميات الصغيرة من الكحول لم تدمر مهارات التعلّم والذاكرة بل الكميات المتوسطة. بالإضافة إلى ما سبق فإن الفئران ذات الجرعات الصغيرة أظهرت التهابًا أقل في المخ عن الفئران التي لم تتعرض للكحول على الإطلاق.

خيارات الشرب

هذه العمليات في المخ قد تشرح لماذا يبدو أن الكحول يحمي المخ من النسيان في الكميات الصغيرة حيث أنه يساعد جهاز التنظيف الذاتي للمخ.

في ضوء هذا الاكتشاف، فإنّ هذه النتائج تفتح آفاقًا جديدة للبحث عن لماذا يساهم الكحول في مثل هذه التأثيرات على الصحة. إلّا أنّ دراسة واحدة على الحيوان غير كافية لتغيير توصيات الصحة للبشر والتي تعطي الضوء الأخضر بالفعل للكميات الصغيرة من الكحول يوميًا.


  • ترجمة: عبد الله عرفة
  • تدقيق: صهيب الأغبري
  • تحرير: زيد أبو الرب

المصدر