قد تُمكّن الوصلة فائقة التوصيل الحواسيبَ قريبًا من اتخاذ قرارات مثلما نفعل تمامًا، جاعلةً إياها عقولًا اصطناعية.

ويومًا ما، قد تُعزِّز تِلك التقنية الحديثة أنظمة الذكاء الاصطناعي المُتطوِّرة التي من الممكن أن تُصبح جزءًا من حياتنا اليومية، بدءًا من وسائِل المواصلات، وصولًا إلى الطب.

يُفسِّر الباحِثون في المعهد الوطني للمعايير والتقنية بالولايات المُتحِدة بأنّ الوصلة – التي هي أقرب ما تكون لعقل بيولوجي – تتعلّم عن طريق مُعالجة الإشارات الكهربية التي تستقبلها وإخراج إشارات مُفيدة.

تعكس تلك العملية آلية عمل التشابكات العصبية البيولوجية في العقل، التي تسمح للوصلات العصبية بالتواصل مع بعضها.

والوصلات العصبية الصناعية؛ كما تم وصفها في ورقة نُشرت في صحيفة Science Advances يوم الجمعة 26 يناير، لها شكل أسطوانة معدنية عرضها 10 مايكرومتر (0.0004 بوصة).

إذْ صُمّمت بحيث تكون قادرة على التعلُّم من خلال الخبرة – أو حتى من البيئة المُحيطة.

وكما هو شائع بشكل مُتزايد في مجال الذكاء الاصطناعي، فإنّ أداء هذه الوصلة الاصطناعية أفضل من نظيرتها البيولوجية، فهي تستهلك طاقة أقل من التي
تستخدمها عقولنا وترسل إشارات أسرع بكثير من خلايا الإنسان العصبية، بمقدار مليار مرّة في الثانية.

وللمقارنة، فإنّ التشابكات العصبية الخاصة بنا تُرسل إشارات بمقدار 50 مرة في الثانية.

إنّ لهذا تأثير ملحوظ على عملية المُعالجة، فكُلّما ارتفع تردد الإشارات الكهربية المُرسلة والمُستقبلة، أصبحت الوصلة بين نقاط التشابك العصبي أقوى.

ذكاء اصطناعي مثل البشر:

ينبغي على الوصلة تعزيز قُدرة ما يُسمّى (الحواسيب العصبية التحوّلية –Neuromorphic Computers) التي تستطيع دعم الذكاء الاصطناعي الذي قد يُصبح يومًا ما عنصرًا فعّالًا في تحسين الدقة وقدرات اتّخاذ القرار للأجهزة الذكية مِثل السيارات ذاتية القيادة وأجهزة تشخيص السرطانات…

ويستثمِر أكبر صانعي السيارات في العالم التقنيات القادرة على استبدال السائق البشري، لكن مازال الطريق طويلًا نحو ذلك.

لا تهم درجة الأمان التي تُصل لها السيارات بدون سائق في النهاية، إذْ سيواجِه السائق ذو الذكاء الاصطناعي المُعضِلة الأخلاقية في اتّخاذ القرار بأن تكون أولوية الأمان لرُكّابِه أم للآخرين الذين قد يتواجدون في حادِث الاصطدام.

كما تستطيع الوصلة تجهيز العقول الاصطناعية التي تقوم باتّخاذ تِلك القرارات لتمتلِك قُدرة أكبر في التعامل مع هذه الأنواع من العقبات الأخلاقية.

وقد تساعِدنا الوصلة أيضًا في تطوير ذكاء اصطناعي أكثر دِقّة لتشخيص الأمراض؛ مثل أمراض القلب وسرطان الرئة.

فعلى سبيل المثال، نجح أطبّاء من مُستشفى (جون رادكليف–John Radcliffe)، في أُكسفورد بالمملكة المُتحدة، في اختبار عقل اصطناعي يُعزِّز قدرة الأطبّاء على كشف حالات قلبية مُهدِّدة للحياة.

كما قدّمت شركة ناشِئة نظام الذكاء الاصطناعي الخاص بها والذي قد يستطيع الكشف عمّا يصل إلى 4000 سرطان رئة في العام قبل أن يتمكّن الأطبّاء البشر من تشخيصها.

في حين أنّ الذكاء الاصطناعي يُمكن أن يكون نقطة تحوّل فعّالة في الطب، إلا أنّ الحواسيب التقليدية التي تُدير أنظمتها مازالت تُواجه عقبات في بعض المهام مثل التعرُّف على سياق الكلام.

وذلك لأنّها لا تحتفظ بالذكريات مثلما نفعل نحن، كما يقول الباحثون في المعهد الوطني للمعايير والتقنية.

فإنّ عقولنا تقوم بكلٍّ من معالجة المعلومات وتخزين الذكريات في نقاط الاشتباك العصبي في الوقت ذاته، بينما تؤدي الحواسيب هاتين العمليتين بشكل مُنفصِل.

لكنّ التشابك العصبي الاصطناعي الحديث يُعالِج تِلك المُشكلة، مانحًا الحواسيب القدرة على مُحاكاة العقل البشري.

وبالرغم من أنّها لاتزال قيد الاختبار، إلّا أنّ الباحثين واثقون أنّها قد تُدير جيلًا جديدًا من العقول الاصطناعية القادرة على تحسين القدرات الحالية لأنظمة الذكاء الاصطناعي يومًا ما.


  • ترجمة: بسام محمد عبد الفتاح.
  • تدقيق وتحرير: سهى يازجي.
  • المصدر