فكرة العوام عن الحرب في الفضاء غالبًا ما تتمحور حول كل ما أنتجته هوليود من خلال أفلامها، فتظهر إحدى الامبراطوريات الفضائية وهي تحارب من أجل غزو الكون، ويُمكنك أيضًا مشاهدة سفينتين فضائيتين تتصارعان وجهًا لوجه.

الحرب بين الأمم في الفضاء ستكون مملة وأكثر لُطفًا من تلك التي نراها في الأفلام.

وبعض أدوات الغلبة ستكون بحوزة قراصنة البرمجيات والمُحامين.

يعطينا مُحاربو الفضاء الأذكياء مثل الجيش الروسي فكرة عن مُستقبل تلك الحُروب.

فيُمكنهم التشويش على إشارات الملاحة وتحديد المواقع (GPS) ويُمكنهم أيضًا تشتيت الإشارات الإلكترونية للأقمار الصناعية والمستشعرات في الفضاء.

ليست مثل حرب النجوم أليس كذلك!

هذه الأشكال من الحروب الإلكترونية في الفضاء تؤخذ مأخذ الجد بشكل كافٍ، لذلك تتحرك الولايات المُتحدة الآن جديًا للدفاع عن أقمارها الصناعية وباقي أملاكها في الفضاء.

في الحقيقة هناك مُباحثات جديَّة قيد التنفيذ حول الحروب في الفضاء، والتي نقصد بها بالطبع تلك الهجمات الإلكترونية وليست صراعًا بين سفينتين فضائيتين وجهًا لوجه.

يقول براين ويدن (Brian Weeden) مُدير برنامج التخطيط بمؤسسة العالم الآمن بواشنطن: «هناك حدودٌ قانونية وعملية تحكم النزاعات المُسلحة بالفضاء».

ويُضيف أيضًا من خلال مناقشة على الهواء مباشرة حلَّ فيها ضيفًا على جمعية (American Bar) بالشهر المنصرم: «تعود فكرة مُعظم الناس عن الفضاء لأفلام هوليود والعروض التلفزيونية وكُتب الخيال العلمي.

فهُم يتمتعون بالحرية المُطلقة التي تصل بهم حدّ التجاهل الصريح لقوانين الفيزياء وميكانيكا المدارات وقوانين بقاء الطاقة وباقي الأشياء، من أجل جعل بعض تلك القصص في سياق أكثر درامية وإثارة».

ذكر ويدن أيضًا أحد العروض التلفزيونية (The Expanse) النادرة التي تُصور الحروب الفضائية بدرجة قريبة جدًا من الحقيقة، ولكنه أصرَّ على أنَّ الفجوة بين الخيال والحقيقة فيما يخص حروب الفضاء ما زالت شاسعة.

تحوَّل الفضاء في الواقع إلى ساحة صراع مُهمة ولأسباب قوية.

تقريبًا تعود تلك الأهمية لأشياء كثيرة تخُص الأمن الوطني والقوى العسكرية التي تتضمن المُخابرات وأنظمة المُراقبة والاستطلاع وأنظمة الاتصالات وتحديد التوقيتات بدقة وأنظمة الملاحة وأنظمة الإنذار المُبكر بهجمات مُحتملة واستهدافها أيضًا.

يقول ويدن: «تقع الولايات المُتحدة في مأزق بشأن كيفية إحباط تلك الهجمات دون الخروج عن الحدود والمعاهدات الحالية وأطر الأعمال الشرعية.

الفضاء المُضاد الآن هو جزء من الحروب التقليدية، لأن الفضاء نفسه أصبح جزء منها».

يُقصد بالفضاء المُضاد هي تلك العمليات التي تقوم بها القوات الجوية الأمريكية من أجل الحفاظ على مراقبة الفضاء بشكل آمن وفعَّال.

الهجمات غير التدميرية مثل التشويش والتداخل تحدث في الغالب أكثر.

لأنها أرخص ويسهل استخدامها عن تلك الهجمات التدميرية التي قد تحتاج إلى أشعة ليزر ذات طاقة عالية أو صواريخ بالستية لتدمير أحد الأقمار الصناعية.

في البنتاجون يرسمون خرائط لكيفية الدفاع عن أقمارهم الصناعية، والمُحامون العسكريون يبحثون في كيفية تطبيق القانون الدولي على الفضاء الخارجي.

يقول مايكل هوفرستين (Michael Hoversten) المدير القانوني لعمليات الفضاء والإلكترونيات بقيادة القوات الجوية الفضائية بقاعدة بيترسون الجوية في كولورادو: «أي عملية في الفضاء الخارجي لا بدّ وأن تمتثل لنفس القوانين التي تُطبق في المجالات الأخرى مثل المعارك والحروب البحرية أو الجوية أو الأرضية.

مثل بقية الأعمال العسكرية، فإن أي أفعال في الفضاء تحكمها القوانين والأعراف الدولية.

فإذا تعرض أحد الأقمار الصناعية الأمريكية لهجوم فلا التباس هناك، فإن القوانين التي تمنح حق الدفاع عن النفس تُطبق في تلك الحالة».

اهتمامات القانون الدولي:

أبرز البيانات الصادرة بشأن القانون الدولي للفضاء هي تلك المعاهدة في عام 1967 للفضاء الخارجي، ولكن بعض العبارات اليوم تصعب ترجمتها الترجمة الصحيحة المقصودة.

يُضيف هوفرستين: «تنص المُعاهدة على أنَّ القمر وباقي الأجرام السماوية يُمكن استخدامها حصريًا فقط للأغراض السلمية».

ولكنها لا تخُص الفضاء الخارجي بنفس ذات الشأن.

تمت ترجمة عبارة “الأغراض السلمية” إلى “لا مزيد من الأعمال العسكرية”، وأيضًا إلى “أعمال عسكرية غير عدائية تتماشى مع القانون الدولي وميثاق الأمم المُتحدة”.

الحقيقة هي أنَّ العديد من الدول تستخدم الفضاء من أجل أغراض عسكرية، ومعظمها تُمانع التوقيع على مواثيق ومعاهدات جديدة قد تمنع أو تُقيد من قدرتها على استغلال الفضاء من أجل أمنها الوطني أو الأنشطة الاقتصادية المُختلفة.

الرؤية الحالية للأمر تسمح بالأعمال العسكرية غير العدائية والتي تتماشى مع القانون الدولي وميثاق الأمم المُتحدة.

ليس هناك إجماع أو اتفاق ضمني على معنى “عسكرة” أو “تسليح” الفضاء، فتختلف المقاصد من تلك التعبيرات المُختلفة في دول مختلفة.

الفضاء الخارجي تم إخضاعه للأغراض العسكرية منذ عقود مضت، ولكن يختلف الأمر كليًا عن تسليح الفضاء الخارجي.

يقول هوفرستين: «هناك سوء فهم شائع عن عدم شرعية جميع أنواع الأسلحة في الفضاء الخارجي، هذه الحالة ليست هي المقصودة».

الحظر الوحيد الخاص بتواجد الأسلحة في الفضاء الخارجي يتعلق بأسلحة الدمار الشامل كالأسلحة النووية والكيميائية والإشعاعية.

يقول هوفرستين: «الأسلحة الإلكترونية كالليزر أو معدات التشويش أو حتى الأسلحة التدميرية التقليدية يُمكن وضعها في مدارات حول الأرض دون أن يتعارض ذلك مع القانون».

بعض الدول مثل الصين وروسيا بذلت مجهودات مُضنية في العقد الماضي من أجل حظر جميع أنواع أسلحة الفضاء.

رفضت الولايات المُتحدة الحظر مبدئيًا وذلك لصعوبة تحديد المقصود من كلمة الأسلحة بالضبط.

نظريًا يُمكن لأي قمر صناعي يُمكنه المناورة أنَّ يُستخدم كسلاح.

جادلت الولايات المُتحدة رسميًا بشأن عدم القدرة على تحقيق معاهدات الحدّ من الأسلحة المُستخدمة في الفضاء.

ظهر في الأُفق أيضًا للنقاش كيف يُمكن للولايات المُتحدة أن تبرر التدابير المُضادة التي تتخذها.

لا زال الأمر ضبابيًا هكذا علَّق الجنرال روس براون (Ross Brown) رئيس قانون العمليات والفضاء الدولي بالقاعدة الجوية رقم 14 بقاعدة فاندينبرج الجوية بكاليفورنيا.

يُضيف أيضًا: «بعد أي هجوم مُسلح على الأرض، أكثر الردود المُتوقعة هي التدابير المُضادة (أو الهجمة المضادة)» ولكن الشيطان يقبع في التفاصيل.

«التدابير المُضادة لا بدّ وأن تتناسب طرديًا مع الهجوم المُسلح، ولا يجب أن تكون بالغة القوة، لا بدّ وأن تكون مُقيدة، آثارها قابلة للإصلاح، مطالبٌ مائعة غير مُحددة أليس كذلك؟».

لا بدّ وأن يكون رد الفعل متناسب مع الإصابات التي عانت منها تلك الدولة، وهو أمرٌ أيضًا من الصعب قياسه.

الاضطرابات التي قد تحدث لخطوط الارتباط بالأقمار الصناعية قد تُسبب بعض الأضرار المادية ولكنها “أضرارًا استراتيجية” حينما تُمنع القوات العسكرية من الوصول إلى المعلومات عن طريق أقمارها الصناعية.

في حين أن البنتاجون والآخرون يُنذرون بشأن الهجمات الإلكترونية للفضاء، فالحقيقة أنَّ هناك من المعلومات القليل جدًا حول مُعدل تلك الهجمات أو المدى المؤثر لتلك الهجمات.

يقول ويدن: «كمُّ البيانات المتاحة عن الهجمات الإلكترونية على أي قمر صناعي سواء كان عسكريًا أو تُجاريًا نادر جدًا.

الحكومات والجيوش ووكالات الفضاء والشركات ترفض الحديث في وسائل الإعلام عن الهجمات الإلكترونية سواء كانت ناجحة أم تم إحباطها».

هناك إحدى الحوادث التي ذاع صيتها مثل التشويش واختراق إشارات القمر الصناعي “HBO” عام 1986 عن طريق قراصنة يُطلق عليهم اسم “كابتن منتصف الليل”.

من جانبها وبَّخت الحكومة مُمثلة في الكونجرس وكالة ناسا لتلك الهجمات الإلكترونية التي تعرضت لها البنية الأساسية لأجهزة القيادة والتحكم العتيقة خاصتها.

ولكن ما زالت التفاصيل ضئيلة جدًا حول تلك الحادثة.

يقول ويدن: «لدينا أقمارًا صناعية وبنية تحتية أرضية للتحكم بها، يعود تصنيعها إلى عقدين أو ثلاثة ماضيين، لا أعتقد أنها ستصمد أمام أي من الهجمات الإلكترونية المُتطورة.

ولكننا لا نمتلك البينات الجيدة حول ذلك».

مُتعهدو تلك الأقمار الصناعية المرتبطون بعقود مع وزارة الدفاع الأمريكية مُطالبون بتقارير للاختراقات أو الهجمات.

لكن في المُقابل لا تُريد الشركات التُجارية أن تكشف أي نقاط ضعف قد تُسبب العديد من المشاكل لأعمالها وقد تُسهل الطريق أمام العديد من الهجمات.

يستثمر مُتعهدو الاتصالات والإلكترونيات التُجارية الآن مليارات الدولارات في تقنيات الأمن الإلكتروني لأنهم يسعون لجذب عُملاء لهم سواء الحكومات أو مؤسسات عسكرية.

فهم يطرحون الآن أقمارًا صناعية ذات إنتاجية عالية بحِزم أصغر يُمكنها أن تكون أكثر مقاومة للتشويش.

ويقومون بحماية وصلات التحميل أو رفع البيانات للأقمار الصناعية عن طريق أنظمة تشفير تم اعتمادها من البنتاجون.

يقول هوفرستين أنَّ هناك العديد من وكالات الفضاء والحكومات التي تسعى لوضع مشروع لقواعد الاستخدام العسكري للفضاء الخارجي.

كُتيب شامل قد يتوفر لنا خلال سنوات.


  • ترجمة: محمد خالد عبد الرحمن.
  • تدقيق: دانه أبو فرحة.
  • تحرير: عيسى هزيم.
  • المصدر