وُلِد الطبيب العربي الشهير ابن النفيس ( 1213 – 1288 ) في دمشق وعاش معظم فترات حياته في مصر، يُعتبر من أهم الأطباء العرب وأكثرهم تأثيرًا في العصور الوسطى، أصبح في عمرٍ مبكرٍ رئيسًا لأطباء مصر والطبيب الشخصي للسلطان بيبرس ألف عددًا من الكتب والرسائل أهمها من الناحية العلمية كتاب ( شرح تشريح قانون ابن سينا ) و ( الشامل في الصناعة الطبية ) ومع أنَّ كتاب شرح التشريح أكثر أهميَّةً وأصالة ولكن الشامل هو أحد أكبر الموسوعات العلميَّة التي كتبها شخصٌ واحدٌ في التاريخ الإنساني.

يُشتهر ابن النفيس في الثقافة العربية بأنه مُكتشف الدورة الدموية الصغرى أو الدوران الدموي القلبي الرئوي pulmonary circulation والسبب في ذلك على وجه التحديد يعود إلى عدد من الأفكار التي وضعها في كتابه شرح تشريح ابن سينا حول عمل الرئتين ووظيفتها في تنقية الدم ويُعتبر هذا أول تصوُّرٍ مقبولٍ عن التبادل الدموي الذي يحصل في الرئتين ، من الإنصاف القول أنَّ ابن النفيس من أعظم الأطباء العرب وأكثرهم تأثيرًا في هذا العلم ولكن من الإنصاف القول أيضًا أنَّه لا يمكن اعتباره مكتشف الدورة الدموية وهو الإنجاز الذي يعزوه مؤرِّخو العِلم إلى الطبيب البريطاني وليام هارفي William Harvey 1578 – 1657.

علم الطب عمومًا والتشريح خصوصًا لم يكن قد تطور في عصر ابن النفيس إلى الحد الذي يسمح بمثل هذا الاكتشاف العظيم فأغلب المعلومات التشريحية الموجودة في الكتب الطبية العربية كانت مأخوذةً من جالينوس على وجه التحديد زعيم المُشرحين في العالم القديم في حين تطور التشريح بسرعةٍ كبيرةٍ في عصر النهضة الأوربية لأنه اعتمد على تشريح الجثث البشرية بشكلٍ مكثَّف، فمثلًا يقول فيساليوس Andreas Vesalius في كتابه الشهير بُنية جسم الإنسان والذي يُعتبر بداية عصر التشريح الحديث : لم يُظهر التشريح الدقيق للقلوب البشرية تلك المسامات بين القلب الأيمن والأيسر التي تحدث عنها جالينوس

استفاد وليام هارفي من هذا الكتاب بشكلٍ كبير واعتمد أيضًا على أبحاثه وتجاربه الخاصة وممارسته السريرية طويلة الأمد ليصل في النهاية للخلاصة التالية:
الدم لاينتقل في الجسم في حركةٍ تشبه المد والجزر كما كان يعتقد من سبقه من الأطباء والكبد ليس هو مصنع الدم الذي يوزعه على الجسم ، بل إنَّ الدم ينتقل في جسم الإنسان في نظامٍ أنبوبيٍ مغلقٍ يعمل فيه القلب عمل المضخة والأوعية عمل الأنابيب بعضها يأخذ الدم من القلب إلى أنحاء الجسم وبعضها يعيده إليه (شرايين وأوردة) ونشر كل هذه الرؤية في كتابه الشهير : الدورة الدموية وعمل القلب في الكائنات الحية ، حتى أنَّ حلقةً مفقودة بقيت في نظرية هارفي وهي صلة الوصل بين الشرايين والأوردة وهو الأمر الذي حلَّه مالبيكي Marcello Malpighi عندما اكتشف الشعيرات الدموية capillaries
في مقدمة الكتاب تنبَّأ هارفي أنَّ أي طبيب فوق سن الأربعين لن يصدق هذا الاكتشاف الجديد وهو ماحدث بالفعل فأغلب الأطباء الكبار وأساتذة الجامعات رفضوه رفضًا قاطعًا حتى أنَّ مكانة هارفي تدنَّت بشكلٍ كبيرٍ وطُرد من وظيفته كطبيبٍ للعائلة المالكة في بريطانيا.
لكنَّ الأيام والتجارب العلمية والتطور الطبي المتسارع أثبتت أنَّ هارفي كان على حق وبفضل هذا الإنجاز يعتبر وليام هارفي اليوم أحد أكثر الشخصيات تأثيرًا في تاريخ الطب على مر العصور.

إنَّ نسبة اكتشاف الدورة الدموية إلى وليام هارفي وليس إلى ابن النفيس لا يُعتبر بحالٍ من الأحوال تقليلًا أو انتقاصًا من مكانة هذا الطبيب العربي ولا مؤامرةً على التاريخ والتراث العربي وتحيُّزًا للغرب ضد الشرق.

ابن النفيس طبيبٌ عربيٌ مُبدع نفتخر بإنجازاته بكلِّ تأكيد ابن النفيس كتب أحد أكبر الكتب الطبية في التاريخ
ابن النفيس احد أهم علماء الفيزيولوجيا والتشريح في العصور الوسطى
ولكنَّ ابن النفيس ليس مكتشف الدورة الدموية !!!