يقدم الكشف المباشر عن موجات الجاذبية من خمسة مصادر على الأقل خلال العامين الماضيين تأكيدًا رائعًا لنموذج آينشتاين للجاذبية والزمكان.

كما قدمت نمذجة هذه الأحداث المزيد من المعلومات عن كيفية تشكّل النجوم الضخمة وانبعاثات أشعة جاما وخصائص النجوم النيوترونية، وكذلك التحقق من الأفكار النظرية حول كيفية تكوّن العناصر الثقيلة جدًا مثل الذهب لأول مرة.

وقد استخدم علماء الفلك حدث الكشف عن موجة جاذبية واحدة ناجمة عن اصطدام نجمين نيوترونيين تدعى (GW170817) لحساب عمر الكون.

وكان علماء الفلك بيتر بلانشارد Peter Blanchard وتارين إفتخاري Tarreneh Eftekhari وفيكتوريا فيلار Victoria Villar وبيتر ويليامز Peter Williams من مركز هارفارد سميثسونيان للفيزياء الفلكية Harvard-Smithsonian Center for Astrophysics أعضاء في فريق مؤلف من 1314 عالمًا من جميع أنحاء العالم الذين ساهموا في الكشف عن موجات الجاذبية الناتجة من إندماج زوج من النجوم النيوترونية الثنائية، متبوعة بالكشف عن أشعة جاما، ومن ثم تحديد أصل الحادثة من مصدر في مجرة NGC4993 الموضحة في الصور التي التقطت بأوقات مختلفة وبأطوال موجية تمتد من الأشعة السينية إلى الأشعة الراديوية.

تحليل موجات الجاذبية من حدث اصطدام نجمين نيوترونيين يدل على قوتها الجوهرية، إذ أن القوة الملحوظة أقل (لأن القوة تتناقص مع مقدار المسافة عن المصدر) ما يعني أن المصدر يبعد حوالي 140 مليون سنة ضوئية.

تتحرك المجرة المضيفة NGC4993 بسرعة معينة مبتعدةً بسبب تمدد الكون والتي يمكن قياسها من خطوطها الطيفية.

إن معرفة المسافة التي تفصلنا عن المجرة ومدى سرعة التحرك بالنسبة لنا يسمح للعلماء بحساب الوقت منذ بدء تمدد الكون، إذ يتراوح عمر الكون ما بين حوالي 11.9-15.7 مليار سنة بأخذ الشكوك التجريبية بنظر الاعتبار.

ويتناسب العمر المستمد من حسابات هذا الحدث المفرد مع التقديرات المستمدة من عقود من الرصد التي تعتمد على الأساليب الإحصائية باستخدام مصدرين آخرين هما: إشعاع الخلفية الكونية المايكروية Cosmic Microwave Background Radiation وحركة المجرات.

تعتمد طريقة إشعاع الخلفية الكونية المايكروية على رسم خرائط للتوزيع الخافت جدًا للضوء الذي يرجع تاريخه إلى حوالي أربعمائة ألف سنة بعد الانفجار العظيم.

بينما تعتمد الطريقة الأخرى على تحليل إحصائي لمسافات وحركات عشرات الآلاف من المجرات في الآونة الأخيرة نسبيًا.

وحقيقة أن حدث موجة جاذبية واحدة كان قادرًا على تحديد عمر الكون هو أمر جدير بالملاحظة، مع أن ذلك غير ممكن مع كل كشف عن موجة جاذبية.

في تلك الحالة كان هناك تحديد بصري للمصدر بحيث يمكن قياس سرعته، والمصدر لم يكن بعيدًا أو خافتًا جدًا.

بوجود نماذج إحصائية كبيرة من أحداث موجات الجاذبية بمختلف الأنواع، فإن النطاق الحالي لعمر الكون يتقلص جدًا.

كما أن النتيجة الجديدة مثيرة للاهتمام لسبب آخر.

على الرغم من أن كلًا من إشعاع الخلفية الكونية المايكروية وقياسات حركة المجرات دقيقة جدًا، لكن يبدو أن الطريقتين تختلفان مع بعضهما بما يقارب 10٪؜.

هذا الاختلاف يمكن أن يكون مجرد خطأ في عملية الرصد، ولكن بعض علماء الفلك يشك في أنه قد يكون هذا الاختلاف حقيقيًا ويعكس شيئًا مفقودًا حاليًا من صورتنا لعملية التوسع الكوني.

وربما يرتبط هذا الاختلاف مع حقيقة أن إشعاع الخلفية الكونية المايكروية ينشأ من فترة زمنية كونية مختلفة اختلافًا كبيرًا مع بيانات حركة المجرات في حين أن هذه الطريقة الثالثة التي تعتمد على أحداث موجات الجاذبية قد تساعد في حل اللغز.


  • إعداد: سرمد يحيى.
  • تدقيق: جعفر الجزيري.
  • تحرير: سهى يازجي.
  • المصدر