على مر العصور، كانت هناك قفزات تكنولوجية لا تعدّ ولا تحصى، أثّرت جميعها في الإنسانية بشكل كبير، فكان اختراع الهاتف في القرن التاسع عشر أحد أهم تلك القفزات، إذ مكّن الأشخاص من التحدّث إلى بعضهم بعضًا عن بُعد، وبعد قرابة المئة سنة ظهرت الهواتف المحمولة.

وكانت شركة «موتورولا-Motorola» أوّل شركة رائدة في مجال تكنولوجيا الهواتف المحمولة، إذ أطلقت في العام 1973 هاتفًا محمولًا ثوريًّا.

وفي العقود الأولى لها، اقتصرت وظائف الهواتف المحمولة على إرسال واستقبال المكالمات والرسائل النصية القصيرة، وبحلول القرن الواحد والعشرين، تطوّرت الهواتف المحمولة فأصبحت تجمع بين أجهزة الحواسيب وأجهزة الاتصالات ومشغّلات الوسائط في الوقت نفسه.

وفي الوقت الذي تطوّرت فيه الهواتف المحمولة، شهدت شبكات الإنترنت التي تعمل على تلك الأجهزة تغيّرًا كبيرًا، فكان ظهور الجيل الثالث من شبكات الإنترنت في أوائل العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، وفي عام ٢٠٠٣ في المملكة المتحدة، شهدت شبكات الإنترنت أوّلَ تغيُّر ثوري، والذي سمح بدوره لمستخدمي الهواتف المحمولة من الوصول إلى الإنترنت.

شبكتا الجيل الثالث والجيل الرابع:

كان ظهور الجيل الثالث من شبكات الإنترنت خطوة كبيرة للانتقال من الأجهزة العادية إلى الأجهزة الذكية.

في حين بدأ الجيل الرابع من الاتصالات يحدثُ وقعًا هامًا في أواخر العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، إذ أطلق EE (Everything Everywhere) مزوّد خدمة الإنترنت والشبكة البريطانية للهواتف المحمولة، خدمة الجيل الرابع للمرة الأولى في بريطانيا في العام 2012 مما جعل شبكة الإنترنت للأجهزة المحمولة أسرع بخمسمئة مرة من الجيل الثالث، كما وفّر الدعم لتقنيات HD و 3D ومكالمات الفيديو عالية الدقة.

وفي الوقت الذي أصبح فيه الجيل الرابع من شبكات الإنترنت اﻷكثر شيوعًا في العالم، بدأ الحديث عن الجيل الخامس الذي سيخلُفُه، فكلما ظهر جيل جديد من شبكات الإنترنت، أنبأَ بعصر جديد من التكنولوجيا.

فعلى سبيل المثال، شهدت الهواتف الذكية ثورةً بظهور خدمة 4G، الأمر الذي جعل صناعة أجهزة الاتصالات في حاجة لتعويض النقص الكبير في الهواتف الذكية.

واستغرقت خدمة 4G بعض الوقت لتُفعَّل في جميع أنحاء العالم، وذلك لأنها شكّلت تغيُّرًا كبيرًا في مجال صناعة الأجهزة المحمولة، غير أنها في نهاية المطاف باتت متوفّرة.

وكذلك الأمر بالنسبة لخدمة 5G فبالرغم من أنها في مراحلها المبكرة، هناك الكثير من الأحاديث عنها وعمّا ستعنيه للعالم في السنوات القليلة القادمة.

شبكات الجيل الخامس:

يتوقّع الكثيرون ظهور الجيل الخامس من التكنولوجيا وشبكات الإنترنت في غضون ثلاث سنوات تقريبًا، ولكن قد لا تُطرح في الأسواق حتى منتصف العقد الثالث من هذا القرن.

ويختلف علماء التكنولوجيا والشركات والمنظمات حول الوصف الدقيق لخدمة 5G، ولتبسيط الأمر فإن الجميع متفق على أنها ستكون أكثر سرعة وذكاء وكفاءة من سابقتها.

ومن المهم أن يكون هناك شبكة إنترنت قادرة على تلبية الاحتياجات الضخمة في عصرٍ بات فيه الناس والأجهزة متصلين بالإنترنت بشكل دائم.

كما ستوفّر شبكات الجيل الخامس اتصالًا مباشرًا أكثر كفاءة بين جهازين مختلفين، أو ما يُعرف بمصطلح “device-to-device communication” (اتصال مباشر بين جهازين دون المرور بشبكة الإنترنت)، وكذلك ستزيد من عرض النطاق (مصطلح يشير إلى قياس معدل نقل البيانات في الشبكات)، كما ستوفّر زمن تأخير أقل على الشبكة-Network Latency (الفترة الزمنية اللازمة لنقل البيانات)، وذلك بفضل ذكاء الحوسبة المدمجة.

لا أحد يستطيع أن يتنبّأ بالسرعة التي يمكن للهواتف الذكية أن تتطوّر بها، فظهور الجيل الرابع من شبكات الإنترنت كان تطورًا هائلًا في تكنولوجيا الهواتف المحمولة، كما سيكون الحال بالنسبة للجيل الخامس، وبالرغم من كونه لا يزال قيد النقاش والتطوير، هناك معالم رئيسية لهذا الجيل.

ففي العام 2015 تمكّن باحثون، من جامعة «سري-Surrey»، يعملون على تطوير الجيل الخامس من شبكات الإنترنت، من بلوغ سرعات تصل إلى واحد تيرا في الثانية، في حين قد تصل سرعة شبكات 4G إلى 300 ميغابايت في الثانية.

من المهم أن تتوفّر شبكات ذات سرعةٍ كبيرة في ظل التزايد المستمر للأجهزة المتصلة بالإنترنت.

ويقول أليكس غليدهل (Alex Gledhill) من شركة «إنتل-Intel» إنه يمكن وصف تقنية 5G كمنظومة متكاملة تغذّي مجتمعًا متنقّلًا ومتصلًا ببعضه بالكامل.

ويضيف أن الجيل الخامس من شبكات الإنترنت ستوفّر عرض نطاقٍ أكبر للبيانات، و«كُمُن شبكة-Network Latency» أقلّ، وذلك بفضل ذكاء الحوسبة التي تهدف إلى التعامل مع المزيد من البيانات بشكل أكثر كفاءة من شبكات الجيل الرابع.

تلبية المتطلبات:

إن إنقاص الزمن اللازم لنقل البيانات، والذي يُعرف بزمن التأخير (Network Latency)، سيشكّل فرقًا واضحًا بين 4G و 5G.

إذ سيكون بإمكانك تحميل الملفات بسرعة وسهولة دون أن تقلق من توقّف أو تعطّل الشبكة أو الهاتف المحمول.

وعند انتهائك من تحميل الملفات، ستكون استجابة الإنترنت أكثر سرعةً، وستتمكن من مشاهدة مقاطع فيديو بدقة 4k، ويفترض ألّا تواجه أي توقّف خلال المشاهدة أو تلكّؤ عند إعادة التشغيل.

كما أن شبكات 5G ستحلّ مشاكل عرض النطاق، ففي الوقت الحالي، يوجد أجهزة كثيرة تعمل على شبكات 3G أو 4G بالرغم من أنها لا تملك البنية الأساسية لمواجهة تلك المشاكل بكفاءة.

في حين أن 5G ستكون قادرة على التعامل مع الأجهزة الحالية وكذلك تكنولوجيا المستقبل، كالسيارات ذاتية القيادة والأغراض المنزلية المتصلة بالإنترنت.

و بالرغم من أننا مازلنا على بُعد سنواتٍ قليلة من طرح الجيل الخامس من شبكات الإنترنت، هناك خطواتٌ عدة في سبيل تطوير الاتصالات، إذ تعمل شركة «إنتل-Intel» بالشراكة مع مزوّدي البنى الأساسية لشبكة الإنترنت للأجهزة المحمولة، على تطوير تقنية 5G.

وقد صرّح غليدل لموقع «IT Pro» أن إنتل عقدت شراكة مع AT&T وإيركسون-Ericsson من أجل إطلاق أول تجربة لتقنية 5G للعملاء، وذلك في منشأتيها في كل من تكساس وأوستن.

وأضاف أن هذا لا يعني أن شبكات الإنترنت ستختفي، بل سيتم تحديثها، إلى جانب الأجهزة والتقنيات الأخرى، لمواكبة الجيل الخامس من الشبكات.

كما أشار إلى أنه من أجل الوصول إلى الجيل الخامس من الاتصالات، لا بد أن نعمل معًا، وأن نعقد الشراكات الصناعية التي باتت أكثر أهمية من أي وقت مضى.

فلا يمكن لشركة واحدة أن تدفع بهذه التقنية إلى الأمام لوحدها، مما يعني أن التعاون بين قادة الصناعات، من مصنّعي الأجهزة والمعدّات لمشغّلي شبكات الإنترنت ومزوّدي الخدمات، يسهم في الوصول إلى تقنية 5G.

في الحقيقة، سيظل الجيل الرابع من شبكات الإنترنت هو المهيمن في السنوات القليلة القادمة، ولكن لا شكّ أن وصول الجيل الخامس بات قريبًا.

وفي النهاية، نحن بحاجة إلى معيارٍ للأجهزة المتنقّلة بإمكانه احتواء العدد المتزايد من الأجهزة والأشخاص المتصلين بالإنترنت، ومن الواعد أن نرى خطواتٍ كبيرة يتم اتخاذها.


  • ترجمة: محمد غيث بغدادي
  • تدقيق: رزان حميدة
  • تحرير: حسام صفاء
  • المصدر