في الـ20 من شهر نوفمبر/ تشرين الثاني لعام 2017 بدأت “ألاني مورييتا”، القاطنة في فينيكيس التابعة لولاية أريزونا في الولايات المتحدة الأمريكية، تشعر بالتعب وغادرت العمل باكرًا، لم تكن مصابةً بحالاتٍ مرضيةٍ سابقة، ولكن صحتها تدهورت بسرعةٍ مخيفة، وفي اليوم التالي توجهت إلى عيادة رعايةٍ صحية إسعافية، حيث شُخصت بالإنفلونزا ووُصف لها المضاد الفيروسي المسمى (تاميفلو- Tamilflu)، لكن حالتها استمرت بالتدهور في اليوم التالي فعانت من صعوبةٍ في التنفس وبدأت تبصق الدماء، وعند إدخالها للمشفى وإجراء صورٍ شعاعية، تبين أنها مصابةٌﺑ (ذات الرئة- (pneumonia؛ وهو التهاب في الرئتين يحدث نتيجة عدوى جرثومية أو فيروسية.

أُعطيت ألاني مضادات حيوية وريديًا، وفي طريقها لوحدة العناية المركزة، توقف قلبها، وباءت محاولات إنعاشه بالفشل، وفارقت ألاني الحياة.

تتسبب الإنفلونزا حول العالم بـ3-5 مليون حالة من المرض الشديد، وما يقارب 291-646 ألف حالة وفاةٍ سنويًا، وذلك حسب منظمة الصحة العالمية ومراكز الولايات المتحدة الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها.

لكن ما هي حالات الوفاة المتعلقة بالإنفلونزا بالضبط؟، كيف يمكن للإنفلونزا أن تقتل؟ الجواب المرَضي القصير هو أنه في معظم الحالات يقتل الجسم ذاته في محاولته شفاء ذاته، إذ يقول (أميش أداليا- Amesh Adalja) طبيب في الأمراض المُعدية في مركز جامعة جون هوبكنز للحماية الصحية: «إن الموت من الإنفلونزا ليس كالموت جراء رصاصةٍ أو قرصة أرملة سوداء، فوجود الفيروس بحد ذاته ليس ما سيقتلك، إذ عادةً ما يتآثر المرض المعدي بشكلٍ معقد مع مضيفه».

فبعد أن يدخل فيروس الإنفلونزا الجسم؛ عن طريق العين أو الأنف أو الفم عادةً، سيبدأ بتسخير الخلايا البشرية في الأنف والحلق لانتساخ نفسه، ويحرض هذا الحِمل الفائض من الفيروسات استجابةً مناعيةً قوية، ترسل كتيبة من كريات دم بيضاء، وأضداد، وجزيئات التهابية للقضاء على العامل المهدد، فتهاجم الخلايا التائية الأنسجة المجاورة للفيروس وتدمرها، وخصوصًا السبيل التنفسي والرئتين حيث يميل الفيروس أن يستقر، ولدى معظم البالغين الأصحاء تنجح هذه العملية فيتعافون خلال أيام أو أسابيع، ولكن قد تكون الاستجابة المناعية أحيانًا قويةً أكثر مما يجب، فتدمر الكثير من أنسجة الرئتين ولا تعود قادرةً على إيصال ما يكفي من الأوكسجين للدم، ما يؤدي إلى نقص التأكسج والموت.

وفي حالاتٍ أخرى، لا يكون فيروس الإنفلونزا بذاته هو المحرض لاستجابةٍ مناعيةٍ فائضة وربما قاتلة، وإنما عدوى ثانوية تستغل إرهاق الجهاز المناعي، وبشكلٍ خاص، الجراثيم التي تغزو الرئتين -غالبًا المكورات العقدية أو العنقودية-ويمكن للعدوى الجرثومية في السبيل التنفسي أن تنتشر لأجزاء أخرى من الجسم والدم، أو قد تؤدي حتى إلى صدمةٍ إنتانية؛ وهي استجابةٌ مناعيةٌ شديدة مهددة للحياة، تشمل كل الجسم وتخرب العديد من الأعضاء، واستنادًا إلى دراساتٍ تشريحية للجثث، تقدّر (كاثلين ساليفان – Kathleen Sullivan) رئيسة قسم الحساسية وعلم المناعة في مستشفى الأطفال في فيلاديلفيا أن ثلث المرضى الذين يموتون من أسباب متعلقة بالإنفلونزا يقضون عندما يغلب الفيروس الجهاز المناعي، وثلثٌ آخر يموت جراء استجابة الجهاز المناعي لعدوى بكتيريا ثانوية، غالبًا في الرئتين، ويفنى الثلث الأخير نتيجة فشل عضوٍ واحدٍ أو أكثر في الجسم.

بعيدًا عن ذات الرئة الجرثومية، تتعدد المضاعفات الثانوية للإنفلونزا، وتتراوح شدتها من الخفيفة نسبيًا؛ مثل إصابات الجيوب والأذن، إلى الإصابات الأعظم شدة؛ مثل التهاب عضلة القلب، والتهاب الدماغ، والتهاب العضل وانحلال الربيدات، كما تشمل متلازمة راي؛ وهو مرضٌ دماغي غامض يبدأ عادةً بعد عدوى فيروسية، ومتلازمة غيّان-باريه؛ وهي علةٌ أخرى محرَّضة بالفيروسات يهاجم فيها الجهاز المناعي الجهاز العصبي المحيطي، وأحيانًا قد تؤدي هذه المتلازمة إلى فترةٍ من شللٍ جزئي أو شبه كامل، ما يتطلب بدوره تهويةً ميكانيكية لاستمرار تنفس المريض المُقاسي، ورغم أن هذه المضاعفات أقل شيوعًا، إلا أنها قد تكون قاتلة.

ويعتمد عدد المرضى الذين يموتون نتيجة استجابةٍ مناعية لعدوى فيروسية بدئية مقابل عدوى جرثومية ثانوية جزئيًا على السلالات الفيروسية، ونظافة البيئة التي يُبقى المرضى فيها.

وتقترح بعض الدراسات أنه وخلال جائحة الإنفلونزا العالمية الشائنة في عام 1918، قضى معظم المرضى من إنتانات جرثومية لاحقة، ولكن يرجح أن تغلب سلالاتٌ فيروسية أكثر فوعةً- كتلك التي تسبب إنفلونزا الطيور-الجهاز المناعي بمفردها، فيشرح أداليا: «تقول الفرضية أن السلالات المفوّعة تحرض استجابةً مناعيةً أقوى، ويعتمد الأمر أيضًا على الفئة العمرية التي تتعرض للهجوم الفيروسيّ، فخلال جائحة فيروس H1N1 في 2009، كانت فئة الشباب هي الأكثر إصابة، وقد شاهدنا العديد من حالات ذات الرئة الفيروسية الأولية».

في موسم معين، تحدث معظم الوفيات المتعلقة بالإنفلونزا بين الأطفال والكهول، إذ يكون كلاهما أكثر عرضةً بشكل فريد، إذ يُعتبر الجهاز المناعي شبكةً تلاؤميةً من الأعضاء، تتعلم مع الوقت كيفية التعرف على عوامل الخطر والاستجابة لها بأفضل طريقة.

ولأن الأجهزة المناعية لدى الأطفال تُعد ساذجةً نسبيًا، قد لا تستجيب بالشكل الأمثل، وعلى العكس، غالبًا ما تضعف أجهزة المناعة لدى الكهول باجتماع العمر مع الأمراض المستبطنة، كما قد يكون الأطفال والكهول أقل قدرةً على تحمل هجوم الجهاز المناعي على ذاته والنجاة منه، وبالإضافة إلى ما سبق، يعد كل من النساء الحوامل، والعاملين في مجال الرعاية الصحية، والأشخاص المصابين بحالات مرضية مزمنة معينة-مثل الإيدز، والربو، وأمراض القلب أو الرئة-معرضين بشكلٍ كبير لخطر تطوير مضاعفاتٍ مميتة، وذلك حسب منظمة الصحة العالمية، وتعد اللقاحات الوسيلة الأكثر فعاليةً للوقاية من الإنفلونزا ومضاعفاته القاتلة المحتملة.

تم نشره بواسطة (Scientific American).

مواضيع ذات صلة:

  • هل اقتربنا من الحصول على لقاح ابدي للإنفلونزا؟ الرابط
  • هل تصاب المعدة بالإنفلونزا؟ ما الذي تحدثه العدوى الفيروسية في المعدة و الامعاء ؟ الرابط
  • ما هو الفرق بين الانفلونزا و نزلات البرد الشائعة ؟ الرابط
  • كيف تقلل من خطر اصابتك بنزلات البرد و الانفلونزا ؟ الرابط
  • تسجيل اول حالة عدوى لمرض انفلونزا الطيور من القطط للإنسان الرابط
  • عام ميلادك يستطيع التنبؤ بفرص اصابتك بوباء الانفلونزا! الرابط
  • هل يحدد تاريخ ميلادك نوع الانفلونزا التي ستصاب بها ؟ الرابط
  • ضحايا وباء الانفلونزا الإسبانية الرابط
  • هذا الهرمون يحمي النساء من الانفلونزا ! الرابط
  • ضوء الليزر يمكنه جعل لقاح الانفلونزا أكثر تأثيرا بسبعة أضعاف الرابط
  • لمَ تعصف نزلات البرد والأنفلونزا في الشتاء؟ الرابط

  • ترجمة: سارة وقاف.
  • تدقيق: تسنيم المنجّد.
  • تحرير: سهى يازجي.
  • المصدر