هناك تعريفان لمصطلح “القمر الأزرق”، وقد وُجِدَ التعريف الثاني نتيجة تفسير التعريف الأول بشكلٍ خاطئ.

يُعَرِّف المعنى الأقدم “القمر الأزرق” بأنه القمر المكتمل الثالث في موسم ذي أربعة أقمارٍ كاملة، وهو يُدعى “القمر الأزرق الموسمي”، حيث يحدث كل سنتين ونصف تقريبًا وفقًا لناسا، لكن لماذا القمر الثالث؟ حسنًا، هناك 29.5 يومًا تقريبًا بين الأقمار الكاملة، حيث يكون من غير العادي لقمرين كاملين أن يحصلا في الشهر الذي يمتد ثلاثين أو واحدًا وثلاثين يومًا، وذلك يعني أن شهر شباط لن يشهد أبدًا قمرًا أزرق.

يُعَرِّف المعنى الثاني “القمر الأزرق” بأنه ثاني قمرٍ مكتمل في شهر تقويمي واحد، وقد لاقى هذا التعريف المسمى “القمر الأزرق الشهري” شعبيةً في السنوات الأخيرة بسبب تفسيرٍ خاطئ للتعريف الأصليّ للتقويم.

لكن أيُّ هذين التعريفين هو الصحيح؟ حسنًا، كون اللغة دائمة التطور، فعليك أن تختار أحدهما، وخصوصًا أن كلاهما يُستخدم في يومنا هذا ويُعتبر صحيحًا وصالحًا.

سيحدث القمر الأزرق الشهري التالي (القمر المكتمل الثاني الذي يظهر في شهر واحد) في الحادي والثلاثين من شهر كانون الثاني عام 2018، (وبالمصادفة فإن هذا القمر الأزرق سيكون ثاني وآخر قمر كبير خلال 2018 وسيتزامن مع خسوفٍ للقمر).

كان هناك قمرٌ أزرقٌ موسمي يوم السبت، الثاني والعشرين من شهر أيار عام 2016، وسيكون التالي في ربيع عام 2019، بينما سيحدث ثالث قمر مكتمل لذلك الموسم في الثامن عشر من أيار عام 2019.

أصلُ المصطلح:

وفقًا للعالم المقارن لعادات الشعوب “فيليب هيسكوك – Philip Hiscock”، من جامعة ميموريال في نيوفاوندلاند بكندا، فإن عبارة “مرة عندما كان القمر أزرقًا” قد استُخدمت لأكثر من أربعمئة عام، حيث شرح في مقالٍ كتبه لمجلة “السماء والتلسكوب” عام 2012 أن الاستخدام الأول للمصطلح كان أقرب للقول بأن القمر مصنوعٌ من الجبن الأخضر، وهو فعليًا أمرٌ سخيف، فالقول: “سيجادلك بأن القمر أزرق” هو كمن يقول: “سيجادلك بأن الأسود هو أبيض”، ووفقًا لهيسكوك فإن المعنى تطورٌ لشيءٍ قريب من “أبدًا”، والقول: “سأتزوجك عندما يصبح القمر أزرقًا” أصبح المكافئ للقول “سأتزوجك عندما تطير الخنازير”.

تبعًا لناسا، فإن أغلب حالات القمر الأزرق يظهر فيها القمر بلونٍ رمادي باهت وأبيض لا يمكن تمييزه عن القمر في أي وقت آخر، إن حشر قمر كاملٍ ثانٍ في شهر تقويمي لن يغير الخصائص الفيزيائية للقمر نفسه، لذا فإن لونه سيبقى نفسه.

ولكن الأمر ليس بالمستحيل، فقد اتضح بأنه يمكن للقمر أن يظهر مزرقًا، كما حصل عام 1883 بعد ثوران بركان “كراكاتوا – Krakatoa”، حيث لعب الغبار المنتشر في الهواء دور المُرَشِّح مسببًا مشاهدة غروب الشمس والقمر بلونٍ أخضر وأزرق في كل أنحاء العالم، وهو الحدث الذي قالت عنه ناسا بأنه السبب الذي أدى لانطلاق عبارة “القمر الأزرق”، كما يمكن أن تسبب حوادث أخرى كحرائق الغابات والعواصف الغبارية تحول لون القمر إلى الأزرق.

وبذلك، ووفقًا لهيسكوك فقد تغير معنى “مرة عندما كان القمر أزرقًا” من “أبدًا” إلى “نادرًا”.

متى يحدث القمر الأزرق؟

وصلنا الآن إلى التعريفين المتناقضين للقمر الأزرق، حيث يعود التعريف الأقدم إلى تقويم مزارعي “ماين – Maine”، والذي لم يعد يُستخدم حاليًا، وقد تحقق فريق عمل مجلة “السماء والتلسكوب” من أكثر من أربعين طبعة لتقويم مزارعي ماين من عام 1819 وحتى عام 1962، والذي سجل أكثر من عشرة أقمار كاملة، لم يصادف أي اثنين منها في شهرٍ واحد، وقد بيّن إصدار التقويم لشهر آب من العام 1937 أنه خلال السنة يحدث القمر الكامل اثنتا عشر مرة وبمعدل ثلاث مرات لكل فصل، لكن أحيانًا يصادف حدوث ثلاثة عشر قمرًا كاملًا خلال العام، وبذلك فإن أحد الفصول الأربعة سيشهد أربعة أقمار كاملة بدلًا من ثلاثة، وقد اتبع التقويم قواعد محددة لتسمية كل حالة للقمر، فإن آخر قمر كامل في فصل الشتاء، مثلًا، سيحدث خلال الصوم؛ لذلك سُمي “قمر الصوم”، بينما سمي أول قمر كامل لفصل الربيع “قمر البيض” أو “قمر عيد الفصح”، وكان يحدث خلال الأسبوع السابق لعيد الفصح، وكان هناك أيضًا القمر السابق للميلاد والقمر اللاحق للميلاد.

لذا عندما يحتوي فصل محدد على أربعة أقمار كاملة، فإن القمر الثالث كان يُسمى “القمر الأزرق” بحيث يمكن للقمر الكامل الآخر أن يحدث في الوقت الملائم المرتبط بالانقلابات والاعتدالات الشمسية.

التعريف الثاني:

لكن ماذا عن التعريف الذي سَمِعَ به الكثيرون والذي يقول بأن القمر الأزرق هو ثاني قمر كامل خلال شهر واحد؟ والذي نتج عن تفسيرٍ خاطئ للتعريف الأصلي.

ساعد هيسكوك في استيضاح مصدر هذا التعريف في مقال نُشِرَ في مجلة “السماء والتلسكوب” حيث قال بأن الكاتب “لورانس ج. لافلور – Lawrence J. LaFleur” قد أشار في عمود “السؤال والجواب” من إصدار عام 1943 للمجلة نفسها إلى تعريف تقويم مزارعي ماين، حيث اقتبس لافلور بشكلٍ صحيح من معلومات التقويم لكنه أغفل أمرًا مهمًا واحدًا، وهو أنه لم يحدد أي تاريخ لحدوث القمر الأزرق.

كرر الفلكي الهاوي “جيمس هيو بروت – James Hugh Pruett”، عام 1946 في كتاباته لمجلة “السماء والتلسكوب” بعضًا من تعليقات لافلور، لكنه افترض وجود أمور خاطئة في طريقة استخدام المصطلح في التقويم، حيث كتب قائلًا: “سبع مرات خلال تسعة عشر عامًا كان هناك، ولا يزال، ثلاثة عشر قمرًا في السنة، وهو الأمر الذي يعطي لأحد عشر شهرًا قمرًا كاملًا بينما يمنح قمرين كاملين للشهر الباقي، وقد فسَّرتُ هذا القمر الثاني بأنه هو القمر الأزرق”، وقد شرح هيسكوك بأن بروت حتمًا لم يمتلك تقويم عام 1937 ، ولذلك لم يدرك أن القمر الأزرق قد حدث في الحادي والعشرين من آب (بشكل واضح ليس القمر الكامل الثاني لذلك الشهر)، وأن عام 1937 شَهِدَ اثنا عشر قمرًا كاملًا فقط. ووفقًا لهيسكوك، فقد اعتمدت مجلة “السماء والتلسكوب” تعريف بروت الجديد، وقد استُخدِمَ ذلك العمود من المجلة كمرجع للبرنامج الإذاعي لنقابة النشر على صعيد وطني عام 1980 وهو الأمر الذي أدى لانتشار ذلك التعريف.


  • ترجمة: بشار منصور
  • تدقيق: تسنيم المنجّد
  • المحرر: عامر السبيعي
  • المصدر