تعارفَ الناس في النصف الثاني من القرن العشرين على أنّ الوقتَ قد حان لتجنّب اللغة التي تُسيءُ للآخرين عن قصدٍ، وبالرغم من النقدِ الذي يوجّهه الكثيرون لما يُسمّى بـ “اللغة المقبولة اجتماعياً”، تبقى أهدافُها النبيلة في تجنّب الكلام الذي قد يؤذي الآخرين معنوياً جديرةً بالاحترام.

كانت تُستخدم كلمة (منغولي) فيما ما مضى لوصفِ الأفراد المُصابين بـ (متلازمة داون)، لتشابُه ملامِحِهم مع سكّان منغوليا، ولكن لم تُعدّ هذه الكلمةُ مقبولةً إطلاقًا، أيضًا كلمة (متخلّف عقليًا) التي كانت تستخدم دلالةً على الأشخاص الذين لم يتطوّروا عقليًا، ولا جسدياً في السنّ المناسب، والآن هناك إجماعٌ شبه كلّي بأنّ لغة كهذه لمْ تعُد مقبولةً اجتماعيًا.

الطريق نحو لغةٍ رصينةٍ.

اعتمدت الأمم المتحدة في ديسمبر 1948م الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والذي شدّد على أهمية كرامة البشر جميعًا، وتنصُّ مادَّتُه الأولى على:

يولد جميع الناس أحرارًا ومتساوين في الكرامة والحقوق، وهم قد وُهِبوا العقلَ والوجدان وعليهم أن يعاملوا بعضَهم بعضًا بروح الإخاء.

وتؤكّد مادته الثانية على: أن ذلك ينطبقُ على الجميع دونما تمييز من أيِّ نوع، ولا سيما التمييز بسبب العنصر، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدِّين، أو الرأي سياسيًّا وغير سياسي، أو الأصل الوطني، أو الاجتماعي، أو الثروة، أو المولد، أو أيِّ وضع آخر.

وقد جاءَ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بعد الانتكاسة التي شهدها العالم خلال الحرب العالمية الثانية، وتضافر ذلك مع مبادراتٍ عديدةٍ هدفت إلى تجنُّب اللغةَ المؤذية للآخرين والرامية لتشويه سمعتِهم.

وكانت أستراليا سبّاقةَ في هذا الشأن، فقد كافح قانون التمييز العنصري الصادر في عام 1975م ضدّ التمييز المبني على السُلالة والعِرق، وجرّم إهانة الآخرين بناءً على قوميّتهم أو عِرقهم، وفي الثمانينيات شمل الموضوع أيضا الأصل والجنس والعديد مِن المصطلحات التي تُطلق على المثليين جنسيًا.

لمشاعِر الناسِ الأولوية القصوى.

لقد تمدد القانون ليشملَ موضوعات أصحاب الاحتياجات الخاصة، ذهنيةً كانت أم جسدية، فاللغة الإنجليزية تعجّ بكلماتٍ ذات دلالاتٍ سلبيةٍ لوصف ذوي الاحتياجات الخاصة، مثل: (أطرش، وأخرس، وأعمى، ومتخلّف عقلياً…إلخ(.

أما الآن فثمة نقلةٌ نوعيةٌ بعيدًا عن هكذا صفاتٍ قد تؤذي مشاعرَ الشخص المصاب بإحدى هذه الحالات.

والتركيزُ ههنا ينصبُّ على وصفِ حالةِ الشخصِ بدلاً مِن إلصاقِ الصفة المذمومةِ به، فمثلًا: عوضًا عن لفظة (أعمى)، تمنحنا اللغةُ كلمةَ (مكفوف) أو استخدام التورية اللغوية، بقولنا (بصير)، وينبغي الابتعادُ عن كلماتٍ مثل: (معاق)، أو (متخلّف)، لِما لها مِن وقْعٍ غيرِ محبّب على النفس.

الكلام مع ذوي الاحتياجات الخاصة.

إن الصراحة هنا هي مفتاح التواصل، فبإمكاننا سؤال الشخص المقصودِ بالصفة التي يرغب وصفه بها بلباقة، واللافت للنظر أن بعض المجموعات المختلفة، حركيًا أو ميلًا جنسيًا قد تختارُ بنفسِها وصفًا خاصًا بها وترتضيه تسميةً لها، وتطلبُ مِن الآخرين استخدام ذلك دون غضاضة.

ولا تخضع هذه المسألة فقط لتقدير اللباقة والاحترام، بل قد تتعداها لتكون قانونًا منظمًا لدى بعض الحكومات، ومؤسسات التعليم، والشركات، والجمعيات، والهيئات الأخرى التي تتخذُها مبادئ توجيهية لاستخدام مصطلحاتٍ خاصةٍ للدلالة على الأشخاص ذوي الإعاقة.

هذا وقد تلجأ بعض المؤسسات والحكومات لتطبيق مجموعة متنوعة من العقوبات على الأشخاص الذين ينتهكون هذا المبدأ باستمرار وبقصدِ أذى مشاعر الآخرين.

وتسري هذه المبادئ الآن في البلدان الناطقة بالإنجليزية وبلدان الاتحاد الأوروبي، خصوصًا على النحو المنصوص عليه في ميثاق الحقوق الأساسية في الاتحاد الأوروبي.

من هذا نخلصُ إلى نتيجةٍ، وهي أننا خلال مرورِ جيلٍ، سعَينا لنصبحَ مجتمعًا يتميّز باحترامٍ أكبر وأكثر شمولًا، وأكثر وعيًا بأهمية تجنّب استخدامِ الكلامِ المؤذي للآخرين معنويًا.

وينبغي علينا الآن أنْ نطمحَ لِإدراكِ الأثرِ الذي تتركُه كلماتُنا –محكيةً أو مكتوبةً– على مَن نُخاطِبُهم، ومِن وجهةِ نظرِهِم هُم.

مواضيع ذات صلة:


  • ترجمة: رامي أبو الزيد.
  • تدقيق: رجاء العطاونة.
  • تحرير: عيسى هزيم.
  • المصدر