إن العنفات الريحية تشبه مراوح الطائرات التي تدور حول محورها، لكنها هنا لا تتحرك من مكانها، فهي تخدم تحقيق هدف مفيد، ولكن بالمقابل فهناك طاقة تُحبس في الريح، والدوّار الضخم لها يلتقط جزءًا منها، ويحولها فورًا إلى كهرباء.

هل توقفت يومًا ما لتتساءل عن كيفية عمل العنفة الريحية؟ هيا بنا نأخذ نظرة قريبة!

كيف تنتج العنفة الكهرباء؟

إن الشفرات الدوّارة الضخمة الموجودة في مقدمة العنفة، هي جزء أساسي منها، ولها شكل خاص متقوِّس، تشبه حامل أجنحة الطائرة.

فعندما تهاجم الريح أجنحة الطائرة، فإنها ترفعها للأعلى بقوة ندعوها قوة الرفع، أما عندما تهاجم أجنحة العنفة فإنها بدلًا عن ذلك تدوِّرها حول محورها.

لكن الرياح تفقد بعضًا من طاقتها الحركية، والعنفة تأخذ جزءًا منها، وكما توقّعت فإن كمية الطاقة التي تنتجها العنفة تتناسب مع المساحة التي تمسحها الأجنحة.

لاحظ كم يبدو المهندس صغيرًا بالمقارنة مع حجم العنفة، وهو يقف في الجزء الرئيسي منها والذي يُسمى القُمرة أو حاوية الأجزاء.

بوصف آخر: بأجنحةٍ أطول تنتج العنفة كمية طاقة أكبر، ومن الواضح أن الرياح الأسرع أيضًا تساعد في زيادة الإنتاج، فإذا هاجمت الريح بسرعة أكبر بمرتين، عندها تنتج العنفة كمية طاقة أكبر بثماني مرات، وهذا لأن الطاقة المختزنة في الريح تتناسب طردًا مع مكعب سرعتها.

إن شدة الرياح تتغير على الدوام، لذا فإن كمية الكهرباء التي تنتجها عنفة مفردة تتغير أيضًا، لذا فإن ربط عدة عنفات ريحية معًا ضمن مزرعة ريحية كبيرة، وربط المزارع الموجودة في مناطق متعددة مع الشبكة الوطنية، ينتج لنا تزويد بالطاقة أكثر ثباتًا على العموم.

الأجزاء الأساسية في العنفة الريحية:

وعلى الرغم من أننا عندما تحدّثنا عن العنفات الريحية، اعتبرنا الأجنحة جزءًا أساسيًا من أجزاء هذه الآلات، ففي معظم العنفات يوجد جزء أساسي آخر وهو علبة التروس، والتي تقوم بتحويل السرعة الدورانية البطيئة للأجنحة لحركة أكثر سرعة، لإدارة المحور الرئيسي بسرعة كافية لتغذية المولِّد الكهربائي.

فالمولد هو الجزء الأساسي في جميع العنفات، وتستطيع أن تتخيله ككائن صغير ضمن شيء آخر ضخم، هي إصدار متطور من الدينامو (مولد الحركة) في الدراجة الهوائية.

فعندما تقود دراجةً هوائية، يلامس الدينامو العجلةَ الخلفية، التي تدور حول محورها وتولد طاقة كهربائية تكفي لتشغيل لمبة، الشيء نفسه يحدث في العنفة الريحية، لكن هنا الدينامو المولد تقوده أجنحة العنفة بدلًا من عجلة الدراجة، واللمبة قد تكون في منزل أحدهم على بعد أميال من العنفة، وإن العنفات الريحية عمومًا تستخدم مولداتٍ لا تشبه الدينامو كثيرًا من حيث آلية العمل.

كيف تعمل العنفة الريحية:

  1. تبدأ الرياح (الهواء المتحرِّك الذي يحمل الطاقة الحركية) بالهبوب تجاه أجنحة دوار العنفة الريحية.
  2. يدور الدوّار حول محوره ملتقطًا جزءًا من الطاقة الحركية التي تحملها الرياح، وتُدير المحور الرئيسي، الداعم لها. مع أن حواف الأجنحة تدور بسرعة كبيرة، فإن المحور الرئيسي المتصل معها يدور ببطء.
  3. في معظم العنفات الضخمة الحديثة، تستطيع الأجنحة أن تدور حول الصرة، لذا تكون في مواجهة الريح، عند الزاوية الأمثل للحصول على طاقة أكبر.

وهذا يسمى بآلية التحكم الفعّال (pitch) في العنفات الكبيرة، أما العنفات الصغيرة فعلى الغالب يكون نظام التحكم فيها ميكانيكيًا.

  1. داخل القُمرة (وهي الجزء الرئيسي في العنفة تقع على قمة البرج وخلف الأجنحة)، تحوّل علبة التروس السرعةَ المنخفضة للمحور الرئيسي ذات 16 دورة في الثانية على الأغلب، إلى سرعة دوران عالية حوالي 1600 دورة في الثانية، وهي كافية لتدوير المولد الكهربائي بفعالية.
  2. يوجد المولد مباشرةً وراء علبة التروس، يأخذ الطاقة الحركية من دوران المحور الرئيسي، ويحوّلها إلى طاقة كهربائية، ويدور عند أقصى استطاعة له، فإن المولد ذا 2 ميغاواط، يُنتج مليونين واط وتوتر قدره 700 فولط.
  3. مقياس شدة الرياح (جهاز أوتوماتيكي لقياس سرعة الرياح)، وجهاز قياس اتجاه الريح يوجد في آخر القمرة ويزود بقياسات الريح واتجاهها.
  4. وبضوء تلك القياسات، يُدوّر محرّك توجيه، مثبَّت بين البرج والقمرة، الأجزاءَ العلوية كاملة أي القمرة والدوّار، مما يجعل العنفة دائمًا بمواجهة الريح مباشرةً، لالتقاط الكمية العظمى من طاقة الرياح، وإذا كانت الرياح عاصفة أو مضطربة فإن المكابح تقوم بإيقاف الدوّار عن الحركة (لأسباب تتعلق بحماية العنفة) والمكابح تعمل أيضًا على إيقافها عند الصيانة الدورية.
  5. يُنقل التيار الكهربائي الذي ينتجه المولّد عبر كابل ممدود داخل البرج.
  6. ترفع المحولة التوتر 50 مرة تقريبًا، لذا يمكن عندها نقلها بكفاءة إلى شبكة القدرة أو إلى أبنية أو تجمُّعات مجاورة.
  7. تحصل المنازل على طاقة نظيفة وخضراء، فالعنفات الريحية لا تصدر أية انبعاثاتٍ غازية للبيت الدفيء أو تلوثٍ عند تشغيلها.
  8. تعبر الطاقة الريحية من خلال العنفة، ولكن مع أقل قدر ممكن من الطاقة والسرعة، وباضطراب أكبر.

كيف تستخلص العنفة الريحية الطاقة العظمى:

لو وقفت يومًا ما أسفل عنفة ريحية ضخمة، ستدرك أنه من الصعب توضّع شيء ضخم فوق برج بهذا الارتفاع الشاهق، وكلما كانت الأجنحة أطول التقطت طاقة أكبر من الريح.

الأجنحة الضخمة (ويبلغ نصف قطرها نموذجياً 70 مترًا أي 230 قدمًا، أي أكبر ب 30 مرة من جناح النسر)، تضاعف قوة الرياح المحصَّلة، كالمحور والعجلة، لذا فإن هواءً معتدلًا قادرٌ على تدوير العنفة. وتتوقف العنفة الريحية عن العمل نحو 14% من الزمن، ومعظم الوقت هي لا تنتج أقصى استطاعة ممكنة لها، لكن هذا لا يُعد عائقًا، فالميزة المدروسة فيها هي أنها تسمح لها بالعمل بكفاءة عالية عند تغيّر سرعة الرياح، فكّر فيها على النحو التالي:

لا تُقاد السيارة دائمًا بأعلى سرعة ممكنة لها، فإن محرك السيارة وعلبة السرعة تزوِّدان العجلات بالحركة، ببطء أو بسرعة حسب حاجتنا للسرعة ووفقاً لحركة المرور. تشبه العنفة الريحية السيارة، فهي مصمَّمة لتعمل بكفاءة عند مجال من السرعات المتغيِّرة.

وحتى تبدأ الأجنحة بالدوران، عليها أن تمتلك طاقة حركية تستلبها من الرياح، والآن نحن أمام قانون أساسي في الفيزياء، يُعرف بتبادل الطاقة، حيث لا يمكن إنتاج طاقةٍ ما من لا شيء، لذا فإن طاقة الرياح سوف تنخفض فعلًا بشكل ملحوظ عندما تمر عبر العنفة الريحية، ولكنها ليست مشكلة حقيقية، فهناك كمية وافرة من الرياح في الخلف، إلا أنها تصبح مشكلة إذا أردت بناء مزرعة ريحية، عندها يجب عليك التأكد من وجود مسافة كافية وجيدة حول كل عنفة كي لا تتأثر سلبًا بالعنفات الباقية.

ويبلغ ارتفاع القمرة عن سطح الأرض حوالي 85 مترًا أي ما يعادل ارتفاع 50 شخصًا بالغًا فيما إذا وُضِعوا فوق أكتاف بعضهم بعضًا، وكلما كانت العنفة أعلى أنتجت طاقة أكبر لأنه كما نعلم بزيادة الارتفاع تزداد سرعة الرياح.

هذه الصورة لعنفة داريوس ذات المحور الشاقولي، والتي تتميز بإمكانية تركيبها قريبًا من سطح الأرض وتأخذ الطاقة من الرياح دون الحاجة لأنظمة توجيه وتحكم مما يجعلها رخيصةً وسهلة التركيب، لكنها تعاني من مشكلات أخرى مما يجعلها نادرة الوجود.

بعض المعوّقات والإيجابيات للطاقة الريحية:

ومن إيجابيات الطاقة الريحية أنها لا تنتج أي ملوثاتٍ للجو والبيئة كثنائي أوكسيد الكربون الذي يتسبّب بالاحتباس الحراري والذي تنتجه المحطات التقليدية التي تعتمد الوقود الأحفوري مصدر تغذيةٍ لها، أو أوكسيد الكبريت الذي يتسبَّب بالمطر الحامضي.

وللعنفة الريحية عمر افتراضي وهو 25 عامًا. وتحتوي العنفة الريحية والقمرة كمية قليلة من المعدن والأساسات الإسمنتية لذا فإن تركيبها له تأثيرات قليلة على البيئة، وهي سهلة التركيب وسريعة بالمقارنة مع المحطات التقليدية.

وإن العنفة الريحية بإمكانها إنتاج طاقة كافية في 3 أو 6 أشهر تكفي لتغطية الطاقة التي صُرِفت عليها طوال مدة تركيبها وإنتاجها وإعادة تدويرها.

أما المعوّقات المتعلقة بالطاقة الريحية فسنذكر بعضًا منها: نظرًا لعدم انتظام هبوب الريح فهي لا تنتج طاقةً على الدوام مقارنة ببقية المحطات التقليدية، فقد تعمل محطة نووية 90% من الوقت بينما تعمل مزرعة ريحية 45% منه مما يتطلّب إقامة مزرعتين لتغطية حاجة المنطقة بأكملها من الطاقة اعتمادًا على طاقة الرياح.

إضافة إلى أنها تحتاج إلى مساحات واسعة فقد يتطلّب إنشاء مزرعة ريحية أن تكون المسافة الفاصلة بين العنفات على نفس الصف بين 3 إلى 5 مرات من قطر الدوّار، وبين 5 إلى 8 منه إذا كانت بالصف الآخر، وشيء بعيد المنال أن يتم الاعتماد على الطاقة الريحية كليًا، ولا أحد يجرؤ على أن يزعُم بذلك.


  • ترجمة: ديالا الأحمدية
  • تدقيق: رزان حميدة
  • تحرير: أحمد عزب
  • المصدر