يصدّق أعضاء مجتمع الأرض المسطحة أنَّ الأرضَ ليست كروية بلّ مسطحة، فعندما نتجول على سطح الأرض نشعرُ بأنها مسطحة لذلك يرفضون كل مايدلُ على عكس ذلك، كصورِ الأقمار الاصطناعية للأرض ككرة ويعتبرونها «مؤامرة الأرض المستديرة» تلفيقات تديرها وكالة ناسا وغيرها من الوكالات الحكومية، ووُصِفَ الاعتقاد بأن الأرض مسطحة بنظرية المؤامرة الأعظم.

وفقًا لقيادات جمعيّة الأرض المسطحة، فإنّ صفوفها قد نمت بمعدل 200 شخص (معظمهم من الأمريكيين والبريطانيين) سنويًا منذ عام 2009.

انطلاقًا من الجهود المكثفة التي بذلت لدعم النّظرية على موقعهم على الإنترنت بالإضافة لدفاعاتهم القوية عن آرائهم التي يعرضونها في المقابلات الإعلامية وعلى تويتر، يبدو أن هؤلاء يعتقدون حقًا أن الأرض مسطحة.

ولكن في القرن الواحد والعشرين، ما مدى خطورة هذه الاعتقادات؟ وكيف يمكن أن يكون هذا ممكنًا من الناحية النفسية؟

ماذا يرى المعتقدون بفكرة الأرض المسطحة؟

أولًا: جولة مختصرة عن نظرة العالم للمُعتقدين بفكرة الأرض المسطحة:

في حين أنهم قد تجاهلوا الكثير من الأدلة الملموسة بأن الأرض كروية فإنهم يقبلون بسهولة قائمةً من المقترحات التي يمكن أن يدعوها البعض سخيفةً، وتعتبر النظرية المسطحة الرائدة أن الأرض هي قرص والقارة القطبية الشمالية في المنتصف والقارة القطبية الجنوبية تمثل جدار يبلغ طوله 150 قدمًا من الجليد حول حافة هذا القرص، ويقولون بأن موظفي وكالة ناسا يحرسون هذا الجدار الجليدي لمنع الناس من تسلقه والسقوط من على القرص، تماشيًا مع شكوكهم بوكالة ناسا، اقترب ناثان طومسون (Nathan Thompson)، المحلل النظري الشهير لمؤامرة الأرض المسطحة، اقترب مؤخرًا من رجل قال أنه موظف ناسا في ستاربكس (Starbucks) في منتصف مايو 2017 وقد صرّح طومسون المؤسس للصفحة الرسمية لمناقشة فكرة الأرض المسطحة والكرة الأرضية في فيديو أنه يملك دليلًا أن الأرض مسطحة وأنَّ ناسا تكذب، على ما يبدو بأن قوله أنَّ رائد فضاء قد غرق كان دليله.

تُفسَّر دورة الليل والنهار في الأرض المسطحة بأن الشمس والقمر يقطعان 32 ميلًا (51 كيلومترًا) ويتحركان في دوائر يبلغ طولها 3000 ميل (4,828 كيلومترًا) فوق سطح الأرض وكما يقولون فإن النجوم تتحركُ في مستوٍ يبعد عنا 3,100 ميل وتضيء الدوائر السماوية أجزاء مختلفة من الكوكب في دورة تمتد لـ24 ساعة، يعتقدون أيضًا بأنه يجب أن يكون هناك «قمرٌ مضاد» غير مرئي يحجب القمر خلال خسوفه.

علاوةً على ذلك، فإن جاذبية الأرض وهمٌ والأجسام لا تسارع إلى أسفل، بدلًا من ذلك يتسارعُ قرص الأرض صعودًا ليصل لـ32 قدمًا في الثانية المربعة (9.8 مترًا في الثانية المربعة) مدفوعًا بقوة غامضة تسمى الطاقة المظلمة.

في الوقت الحاليّ، هناك خلاف بين صفوف مجتمع الأرض المسطحة حول النظرية النسبية لأينشتاين وما إذا كانت تسمح للأرض بالتسارع إلى ما لا نهاية دون أن يتفوق الكوكب في نهاية المطاف على سرعة الضوء ، يبدو أنَّ قوانين أينشتاين لا تزال موجودة في هذه النسخة البديلة من الواقع- وأمّا ما يقع تحت قرص الأرض فهو غير معروف لكنّهم يعتقدون بأنه يتكون من صخور.

ثم هناك نظرية المؤامرة:

يقول مجتمع الأرض المسطحة بأنّ صور الكوكب معدلة بالفوتوشوب كما يتم تزوير أجهزة (GPS) ليعتقدَ الطيارون بأنهم يطيرون في خطوط مستقيمة حول الكرة بينما هم في الواقع يحلّقون في دوائر فوق قرص الأرض، لم يتم التأكد من الدافع وراء إخفاء الحكومات العالمية للشكل الحقيقي للأرض، ولكن يعتقد أعضاء جمعية الأرض المسطحة أنه من المحتمل أن يكون دافعًا ماليًا، باختصار فإنه من من المنطقي أن يكلّف تزوير برنامجٍ فضائي أقلّ بكثيرٍ من بناء مركباتٍ فضائية ومعداتٍ حقيقية، لذلك تعود أرباح المؤامرة التي تقدمها الحكومة لوكالة ناسا.

من يؤمن بأنَّ الأرض مسطحة؟

يفصح المؤمنون بالأرض المسطحة عن أفكارهم بشكل واضح فالكثير من المشاهير أعلنوا عن معتقداتهم على سبيل المثال في 25 كانون الثاني/يناير 2016 أصدر مغني الراب بوبي راي سيمونز الابن (المعروف باسم B.o.B) مسارًا يسمى الخط المسطح (Flatline) حيث أنه يعارض عالم الفيزياء الفلكية نيل ديغراس تايسون، بعد أن دارت بينهما معركة على تويتر حول كروية الكوكب نشرَ (B.o.B) المقتنع بأن الأرض مسطحة على تويتر تغريدة قال فيها: «مهما بلغتَ من الارتفاع … سترى الأفق دائمًا على مستوى نظرك … آسف … لم أكن أريد أن أصدق ذلك ايضًا».

وأعلن لاعب الدوري الأميركي للمحترفين السابق شاكيل أونيل في بثٍ في 27 فبراير 2017 أنّ كوكبنا مسطح قائلًا: «بينما كنت أقود من فلوريدا إلى كاليفورنيا بدت الأرض مسطحة بالنسبة لي»، وقال شاكيل في وقت لاحق أنه كان يمزح فقط.

أصبح بعض أفراد مجتمع الأرض المسطحة خلاقين في سعيهم لإثبات تسطّح الكوكب، ونشرَ المفسّر النظري للمؤامرة د.ماربل على موقع يوتيوب في 1 مايو 2017، أنه جلب مقياسًا للكرويّة على متن رحلة من شارلوت-كارولينا الشمالية إلى سياتل-واشنطن، لمعرفة ما إذا كان الكوكب سيتراجع لتعويض انحناء الارض، وقال في الفيديو: «لقد سجلت 23 دقيقة و45 ثانية كفترة زمنية مما يعني أن الطائرة قد سافرت 203 ميلًا وفقا لعلم المثلثات الكروية المقدم لشرح نموذج مركزية الشمس (Heliocentric model)، كان لهذا أن يُنتج 5 أميال من الانحناء، كما سترى لا يوجد انحناء قابلٌ للقياس فقد بقيت فقاعة الهواء متمركزة في مستوٍ، وهو ما يثبت أن الأرض مسطحة».

الأسلوب الزهيتي (Zetetic):

تنبع النظرية من أسلوب فكرٍ يُدعى «الأسلوب الزهيتي» وهو بديلٌ عن المنهج العلمي، وضعه مجتمعُ الأرض المسطحة في القرن التاسع عشر، وأُبعِدَت فيه الملاحظات الحسيّة، وقال نائب رئيس جمعية الأرض المسطحة مايكل ويلمور (Michael Wilmore) وهو أيرلندي، لـ(Life’s Little Mysteries): «ترّكز الطريقة بشكلٍ عام كثيرًا على التوفيق بين التجريب والعقلانية، وإجراءِ تخفيضاتٍ منطقية استنادًا لبيانات تجريبية في علم الفلك الزهيتي فإن التصور بأن الأرض مسطحة يدفع لاستنتاج وجوبِ أن تكونَ مسطحة، والقمر المضاد ومؤامرة ناسا وكل ما تبقى مجردُ تبريرٍ لكيفية عمل ذلك».

تجعل هذه التفاصيل نظرية الأرض المسطحة سخيفةً للغاية بحيث تبدو وكأنها مزحة، ولكن الكثير من أنصارها يعتبرونها نموذجًا لعلم الفلك أكثر قابليةً للقياس أكثر من النموذج الموجود في الكتب المدرسية، باختصار فإنهم لا يمزحون.

قال ويلمور: «إن مسألة الإيمان والإخلاص تحدثُ كثيرًا فلو اضطررتُ للتخمين، أود أن أقول على الأقل أن بعض أعضائنا يرون جمعية الأرض المسطحة ونظرية الأرض المسطحة كنوع من التدريبات المعرفية، سواء كنقد للمنهج العلمي أو كنوع من إيمان المبتدئين بذاتهم، وأنا أعرف العديد من الأعضاء شخصيًا وأنا مقتنع تمامًا باعتقادهم».

يعتبرُ ويلمور نفسه بين المؤمنين الحقيقيين بفكرة الأرض المسطحة وقال: «إن قناعاتي الخاصة هي نتيجة للتأمل الفلسفي ومجموعةٍ كبيرةٍ من البيانات التي لاحظتها شخصيًا، والتي ما زلت أجمعها».

والغريب أن ويلمور ورئيس مجتمع الأرض المسطحة من مدينة لندن من مواليد ولاية فيرجينيا بعمر الخامسة والثلاثين يدعى دانيال شينتون (Daniel Shenton) يعتقدان بصحة الأدلة على الاحترار العالمي على الرغم من أن الكثير من هذه الأدلة يأتي من بيانات الأقمار الصناعية التي جمعتها وكالة ناسا «مؤامرة الارض المستديرة» كما يقبلان التطور ومعظم المبادئ الرئيسية الأخرى للعلوم.

علم نفس نظرية المؤامرة:

يبدو نظام اعتقادهم غير مقنع فعلًا، ولكن هذا لا يفاجئ الخبراء أبدًا.

وأشارت كارين دوغلاس (Karen Douglas)، وهي عالمة نفسية في جامعة كينت في المملكة المتحدة تدرسُ علم نفس نظريات المؤامرة، إن معتقدات الأرض المسطحة تتعارض مع معتقدات المؤامرة الأخرى التي درستها.

وقالت دوغلاس لـ(Live Science): «يبدو لي أنّ هؤلاء الناس يعتقدون عمومًا أنّ الأرض مسطحة ولا أرى أيَّ شيء يدل على ذلك مما يبدو وكأنهم يضعون هذه الفكرة لأي سبب آخر».

وقالت أيضًا: «تشترك جميع نظريات المؤامرة في التوجه الأساسي فتقدم نظرية بديلة حول قضية أو حدث هام، وتبنّي تفسيرًا غامضًا، لماذا يتخلى شخص ما عن تلك الصيغة الحقيقية للأحداث، وأحد النقاط الرئيسية أنهم يفسرون حدثًا كبيرًا ولكن غالبًا دون الدخول فى التفاصيل فالكثير من قوة هذه الأكاذيب تكمن في كونها غامضة».

قالت دوغلاس: «طريقة التأكيد الذاتي التي تتبعها نظريات المؤامرة لسرد قصصها تعرض الفكرة مع الالتزام بالصرامة في طرحها فمدّعو نظرية الأرض المسطحة أكثر صرامةً من معظم الناس المقتنعين بفكرة الأرض الكروية -ربما لأن البقية منا لايشعرون بضرورةِ إثبات شيء- إذا كنت تواجه وجهة نظر لأقلية يتم طرحها بطريقة ذكية وعندما لا يحيد المؤيدين عن هذه الآراء القوية، فيمكن أن يكون هذا مؤثرًا جدًا وندعو ذلك تأثير الأقليات».

نُشِرَت دراسةٌ على الإنترنت في 5 آذار/مارس 2014 في المجلة الأمريكية للعلوم السياسية لعالمي السياسة في جامعة شيكاغو إريك أوليفر (Eric Oliver) وتوم وود (Tom Wood) بأن ما يقرب من نصف الأمريكيين يؤيدون نظرية مؤامرةٍ واحدةً على الأقل، من فكرة أن أحداث 11 أيلول/سبتمبر كانت عملًا داخليًا وصولًا لمؤامرة جون كيندي.

يقول أوليفر: «كثير من الناس مستعدون للاعتقادِ بالعديد من الأفكار التي تتناقضُ مباشرةً مع السرد الثقافي المهيمن، فالاعتقاد التآمري ينبع من ميل الإنسان إلى إدراك القوى غير المرئية والمعروفة بإسم التفكير السحري».

ومع ذلك فإنّ معتقد الأرض المسطحة لا يناسب بشكلٍ مريحٍ هذه الصورةَ العامة فمعظم نظريات المؤامرة تتبنى العديد من النظريات الهامشية حتى تلك التي تتناقض مع بعضها البعض، وفي الوقت نفسه من يعتقد بتسطح الأرض يعلق فقط على شكلها.

يقول أوليفر في رسالة بريد إلكتروني: «إذا كانوا مثل نظريّ المؤامرة الآخرين، ينبغي أن يكونوا ميالين للكثير من التفكير السحري، مثل الاعتقاد في الأجسام الغريبة والأشباح والقوى غير المرئية ولكنها لاتبدو كهذه الاعتقادات مما يجعلها شاذة جدًا حتى بالنسبة لمعظم الأمريكيين الذين يؤمنون بنظريات المؤامرة».

ملاحظة: نُشِرت هذه المقالة لأول مرة في 26 أكتوبر/تشرين الأول 2012، ثم حُدِّثت في 30 مايو/نيسان 2017.


  • ترجمة: دلال مطر.
  • تدقيق: صهيب الأغبري.
  • تحرير: سهى يازجي.
  • المصدر
  • مصادر إضافية:
  1. «50 حقيقة مذهلة حول كوكب الأرض-50 Amazing Facts About Planet Earth»
  2. «الدين والعلوم: 6 رؤى لنواة الأرض-Religion and Science: 6 Visions of Earth’s Core»