قد يكون التنمّر -كما يعرفه الكثيرون- تجربةً مؤلمةً جدًا للشباب وصغار السن. وضُحت هذه النقطة أكثر في العقد الأخير بسبب أحداث عديدة قام بها مراهقون مثل (فيبي برينس – Phoebe Prince) و(أماندا تود – Amanda Todd) بالإقدام على الانتحار بعد تعرّضهم للمُضايقة الشديدة.

مؤخرًا، رفع والدا الطفل (جابرييل تاي – Gabriel Taye) قضيةً على مدرسته (مدرسة سينسيناتي الحكومية – Cincinnati Public schools) متّهمين المدرسة بالتستّر على التنمّر بين الطلبة، والفشل في القضاء عليه مما أدى إلى انتحار ابنهما.

في كلٍ من الخمسين ولاية في أمريكا، يوجد قواعد ضد التنمّر وخطط لمنعه ومحاولات متزايدة في المدارس لتطبيقها.

التنمّر والانتحار كلاهما قضايا تمسّ الصحة العامة للمراهقين والأطفال. بحثَ الخبراء في مجال عنف الشباب بحثًا معمّقًا عن الصلة بينهما. ورغم وجود علاقةٍ قوية بين الاثنين، أظهرت الأبحاث أن الموضوع أعقد من ذلك.

المتنمّرون وضحاياهم:

فحصت دراساتٌ عدّة الصلة بين التنمر والانتحار، أو وجود تصرفاتٍ وميول انتحارية. أردنا أن نرى ما ستخبرنا به تلك الدراسات عن قوة هذه الصلة: هل تعرُّض المرء للمضايقة أو قيامه بمضايقة غيره، له علاقة بالأفكار الانتحارية؟

لمعرفة الجواب، قُمنا بتحليل ٤٧ دراسة عن التنمر والانتحار في طلبة من المرحلة الابتدائية وحتى المرحلة الثانوية. أقيمت تلك الدراسات في الولايات المتحدة وعدة دول أخرى (تشتمل الصين، أستراليا، المملكة المتحدة وفنلندا).

وجدنا بشكل عام أن المراهقين الذين قاموا بالتنمّر أو كانوا ضحايا له، كلاهما عرضة للتفكير في الانتحار والإقبال عليه أكثر من أقرانهم الذين لم يمروا بتلك التجربة.

باختصار، التنمّر سيئ للطرفين.

وُجِد أيضًا أن العلاقة بين التنمّر والانتحار تكون أقوى بكثير لدى الذين كانوا متنمّرين وضحايا للتنمّر في نفس الوقت. مما يتّفق مع ما وجدته دراسات سابقة، أن هؤلاء الناس أكثر عرضةً لمشاكل الصحة النفسية كالإصابة بالتوتر والاكتئاب.

من هم أكثر الناس عرضة للخطر؟

بالإضافة إلى الأسئلة عمّن أكثر تأثرًا (المتنمّرون أم ضحاياهم)، أُخِذ بعين الاعتبار ثلاثة عوامل: الجنس، البلد وكيف تُقاس شدة التنمّر.

مع أن شدة الصلة بين التنمّر والتفكير في الانتحار كانت متساوية عند الصبيان والفتيات، كان الفرق موجودًا بالفعل عند مقارنة الطلاب ببعضهم في الدول المختلفة. بشكل عام، وُجِد أن علاقة التنمّر بالميول الانتحارية أكثر قوةً في الدراسات التي أقيمت في الولايات المتحدة عن نظيرها من الدول الأخرى.

أظهرت الدراسات أن الصلة بين التنمّر والانتحار كانت أقوى عندما سُئل المشاركون: “هل تعرّضت للتنمّر؟”. أما الدراسات التي سألت عن تصرفاتٍ معينةٍ من دون ذكر كلمة تنمّر، أظهرت صلةً أضعف.

قد تُظهر هذه النتيجة أن الميول الانتحارية أكثر شيوعًا عند المراهقين الذين يصنّفون أنفسهم ضحايا للتنمر، مقارنةً بالذين تعرّضوا فقط لنوعٍ من المضايقة، كإغاظتهم مثلًا، لهذا هم لا يصنّفون أنفسهم ضحايا وبالتالي هم أقل عرضةً لأن يكون لديهم أفكار انتحارية.

ما الذي علينا أن نأخذه بعين الاعتبار؟

أثبتت الدراسات أن كلا الطرفين المتورّطين في التنمّر عرضةٌ للأفكار والتصرفات الانتحارية، لكن هناك عوامل أخرى تساعد في تطوّر تلك المشاعر.

مثلًا وجد الباحثون في دراسة أقيمت على طلبة من الصف الخامس الابتدائي وحتى الصف الثاني الإعدادي، أن هناك فرقًا ضئيلًا في نسبة الاكتئاب والتأخر في التحصيل الدراسي بين الطلبة الذين تعرّضوا للتنمّر عن ذويهم.

أظهرت دراسة حديثة عن المراهقين الغيريين والمثليين أن هناك علاقةً بين ضعف الثقة بالنفس والاكتئاب. باختصار، هناك العديد من العوامل النفسية والبيئية التي تؤثر على تطوّر الميول الانتحارية.

هل نتدخّل ونمنع التنمّر؟

يفترض مجتمعنا أن ضحايا التنمّر فقط هم المعرّضون لخطر الأفكار والتصرفات الانتحارية، لكن أثبتت الدراسات أن المتنمّرين نفسهم عرضةٌ أيضًا.

تحليل دراساتٍ عدة زوّدتنا بأدلة إضافية أن الذين يمرّون بتلك التجربة وهم متنمّرون وضحايا في نفس الوقت، هم أكثر فئة معرضة للمحن والأزمات النفسية.

بإيجاز، التورّط في أي لون من ألوان التنمّر مؤذي للغاية.

يجب أن تحُث أبحاثنا الحالية والمستقبلية على وضع برامج تخاطب احتياجات الصحة النفسية لدى المراهقين المتورّطين في التنمّر بأي شكل. وبالتحديد، علينا أن نوفّر الدعم والعلاج النفسي للمتنمّرين أيضًا لا لضحاياهم فقط.

مواضيع ذات صلة:


  • ترجمة: جينا عماد جمال
  • تدقيق: رزان حميدة
  • المحرر: عامر السبيعي
  • المصدر