يبدو أن عالم الفيزياء سيزار سيلفا نيفيس (César Silva Neves) من جامعة (كامبيناس- Campinas) ليس من المُعجبين الكبار بفكرة نشأة الكون من الحدث المُسمَّى بالانفجار العظيم، وبدلًا عن ذلك، فهو يتخيَّل انهيارًا للكون تلاهُ تضخمًا، وبهذا قد يحمل الكون آثار جَدولِ زمنيِ سابقِ.

والفكرة في حد ذاتها ليست جديدة، ولكن من أجل القيام بذلك استخدم نيفيس حيلةً رياضيَّة عمرها خمسون سنةً لشرح الثقوب السوداء؛ وذلك من أجل إظهار أن الكون كي يوجد ليس بحاجة لشيءٍ بقوة الانفجار العظيم.

وللوهلة الأولى، قد لا تبدو لنا نقاط تشابهٍ بين الكون والثقوب السوداء، فالأول هو فضاءٌ واسع مليءٌ بالقطع المتناثرة، والثاني هو كتلةٌ تجذب الفضاء بشكلٍ قوي للغاية، لدرجةٍ يفقد فيها الضوء الأمل في الهروب، ولكن في جوهر كليهما يقبع شيءٌ يُعرف بالتفرُّد (Singularity)، وهو عبارة عن حجمٍ من الطاقة بكثافة غير محدودة، لا يمكننا حتى البدء بشرح ما يحصل بداخله.

وفي هذا الشأن يقول نيفيس: “هناك نوعان من التفرُّد في الكون”، ويضيف: “الأول هو التفرُّد الكوني المزعوم، أو الانفجار العظيم، والثاني يختفي وراء أفق حدث ثقبٍ أسود”.
ولتوضيح الأمر، يقترح البعض أن الكون برمَّته قد نشأ من خلال ثقبٍ أسود كان موجودًا في فقاعةٍ أخرى من الزمكان.

ومهما كان النوع الذي نتحدث عنه ممَّا سبق، فإن التفرُّدات هي مناطق حيث تصاب النسبية العامة لأينشتاين بالعمى، وتصارع ميكانيكا الكم للسيطرة على الأمور.
وقد يحب كُتَّاب الخيال العلمي هذا الأمر، ولكن الطبيعة المستحيلة للتفرُّدات تجعلها محل نزاعٍ مقلق بين الفيزيائيين.

والمشكلة تكمن في أنه لو عدنا بزمن الكون إلى الوراء، سنصل إلى نقطةٍ تكون فيها كل الكتلة والطاقة مركزَّةً في نقطةٍ ذات كثافة لانهائيَّة، وإذا ما طبقنا الأمر على الأشياء الضخمة المنهارة، سنحصل على الظاهرة نفسها.

و قد تُحطِم التفرُّدات الفيزياء كما نعرفها، لكن حتى الآن لم نتمكن من وضع قواعد لهذه الظاهرة.

ومن جهةٍ أخرى، يظن بعض الفيزيائيين أننا نملك مجالًا للمناورة نظريًا، فلا تحتاج كل أنواع الثقوب السوداء إلى التفرُّد كي تنشأ، يقول نيفيس: “لا وجود لتفرُّدات فيما يسمى بالثقوب السوداء العاديَّة”، وفي سنة 1968م، اقترح الفيزيائي جايمس باردين (James Bardeen) حلًا لمشكلة التفرُّد تلك، فوضع شرحًا رياضيًّا لثقوب سوداء تخلَّت عن الحاجة للتفرُّد في مكانٍ ما خلف أفق الحدث من أجل نشأتها، وأطلق عليهم اسم (الثقوب السوداء العاديَّة)، ويعتقد باردين أن الكتلة في قلب الثقب الأسود لا تحتاج لأن تكون ثابتة، لكن يمكن تفسيرها بمعادلة تعتمد على مدى بعدك عن مركز الثقب الأسود.

وذلك يعني تصرُّف الكتلة في الثقب الأسود، وكأنها تمتلك حجمًا معيَّنًا، حتى لو كانت مضغوطةً في مكانٍ ضيق.

ويقترح نيفيس في هذا الصدد أن نأخذ عمل باردين لأبعد من ذلك، ونطبقه على النوع الآخر من التفرُّدات المزعجة ــ النوع الكوني الذي سبق الانفجار العظيم-، وبتقدير معدل تضخم الكون بالاعتماد لا على الزمن فقط، بل على مقياسه كذلك، وأظهر الباحث عدم حاجة الكون لقفزة نوعيَّة من خلال التفرُّد إلى فضاءٍ ضخم قبل 13.82 مليار سنة.
إذن ما الذي حصل بدل ذلك؟

يقول نيفيس: “استبعاد التفرُّد والانفجار العظيم يعيد فكرة (الكون الواثب) إلى المرحلة النظرية من علم الأكوان”.

والكون المُرتد (Bouncing Universe) هو في الحقيقة فكرة عمرها قرنٌ من الزمن، تقول: “إنَّ الكون المتمدد الذي نعيشه اليوم، هو فضاء يرتدُّ نحو الخارج بعد حالة تقلُّصٍ سابقة”.

ويدعم نيفيس فكرة البحث عن آثارٍ قد تكون نجت من فترة ما قبل انهياره، بالرغم من كون أن هذا المفهوم هامشيًّا نوعًا ما في علم الأكوان، وإذا كان ذلك صحيحًا فإن إيجاد تلك الآثار قد يساعد في تأكيد الفرضيًّة، يقول الباحث في هذا الشأن: “صورة الكون الذي يخلف نفسه إلى الأبد مع مراحل متناوبة للتمدد والتقلص، أُطلق عليها اسم الكون الدوري، وذلك مشتق من الكون المرتد”.

ولنحصل على ملاحظات قويَّة، فإن نموذج الكون المرتد سيبقى دون أدنى شك في سلَّة (الأفكار الجيَّدة).

إن أيَّ شيء قد يتمكن من حل مشكلة التفرُّد يستحق البحث، وعمل نيفيس هو حلٌّ واحد فقط من مجموعة من الحلول الممكنة التي تحوم حول الافتراضات لإقصاء إمكانية الحالات المستحيلة التي تخرق قواعد الفيزياء.

وهذه إشكالية سنقوم بحلّها عاجلًا أم آجلًا.


  • إعداد: وليد سايس.
  • تدقيق: إبتهال القدار.
  • المحرر: عامر السبيعي
  • المصدر