قم بكتابة عبارة “ما الذي حصل” في موقع جوجل وستحصل على حوالي 530 مليون نتيجة.

لدى البشر هوس بالفضول على ما يبدو. لم يشذَّ رفائيل بوسو (Raphael Bousso) عن تلك القاعدة ــ إلَّا أن له ميولًا فيزيائيًا بشكلٍ أدق. يريد الرجل تحديد كميَّة “ما الذي حصل” في منطقة معينة من الزمكان.

ذلك الهدف أصعب مما يبدو عليه، لأن الفيزيائيين إذا ما أرادوا محاولة معرفة ذلك، تخبرهم حساباتهم الكميَّة أن أشياء لاحدود لها تحدث في كل جزءٍ صغير من الزمكان ــ رغم أن المنطق يخبرهم باستحالة ذلك. لهذا السبب يقوم بوسو الآن من جامعة بيركلي بكاليفورنيا باستخدام الجاذبية لترويض تلك المعادلات الكميَّة الغير عملية، والذي من المتوقع أن يقودنا إلى نظرية للجاذبية الكميَّة، التي قد تساعدنا بدورها في تفسير فيزياء الكون حديث النشأة والثقوب السوداء.

يقول بوسو في هذا الشأن: “نريد أن نعرف كيفيَّة وصف كوننا، نريد أن نعرف كيف بدأ ذلك.” أصبح عمله مطلوبًا أكثر من أي وقتٍ مضى منذ الإعلان عن التقاط أول إشارات الموجات الثقالية من طرف تعاونية ليجو (LIGO) ــ وهي عبارة عن تموجات في نسيج الزمكان بسبب اصطدام ثقبين أسودين ــ في فبراير 2016.

ويتساءل الباحث في مكانٍ آخر: “ما الذي يحصل داخل الثقب الأسود الذي نعلم الآن أنه قد اندمج في مكانٍ ما بعيد وتسبب في موجاتٍ ثقالية؟”

قبل الخوض في الأحداث على المقياس الكوني، يجب أن ننظر إلى ما يحدث في أنظمةٍ أصغر بكثير، حيث تتحكم القوانين الكميَّة في الأمور.

لنفكر مثلًا بقط شرودينغر، كلنا نعرف قصتها.

يوجد قطٌّ في صندوق، مع ذرَّة مشعة وقنّينة تحتوي على سم.

عندما تتحلل الذرَّة بشكلٍ فوري ــ عمليَّة ضمن اختصاص ميكانيكا الكم ــ تتسبب في انكسار القنينة، ويموت القط.

وتقول المعرفة الشائعة أنَّه مع بقاء الصندوق مغلقًا، تبقى حالة الذرة المشعة غير محددة، بل هي في تناظرٍ بين حالتي التحلل واللاتحلُّل، وهذا يجعل القط في حالة تناظر ما بين الموت والحياة.

دائمًا ما يقال إن هذا التناظر لن يصمد إذا ما فتح شخصٌ الصندوق ليختلس النظر، لينهي مصير القط المثير للجدل.

لكن الأمور ليست بتلك البساطة، خلال الثمانينيات من القرن السابق، اقترح الفيزيائي ووجسيتشزوريك (Wojciech Zurek) وفيزيائيان آخران إمكانية قطع حالة التناظر إذا ماقام العنصر الكمي ــ في هذه الحالة القط ــ بالتفاعل مع المحيط، دون الحاجة إلى مراقبٍ واعٍ.

اتضح أن بضعة فوتونات من الحرارة المندفعة نحو القط كافية للقيام بذلك الغرض.

تسمى هذه العمليَّة “تماسك الكم”. لكن لا أحد يعلم حتى الآن ما الذي يحصل داخل الصندوق بشكلٍ دقيق، وهذا الأمر الذي يحاول بوسو معرفته.

من أجل هذه الغاية يُظهربوسو حاليًا الكميَّة المتغيرة خلال مرحلة التماسك والتي تسمى “بالتشابك الأنتروبي”.

يوفر هذاقياسًا رياضيًا لمدى قوة تفاعل وارتباط بعض مناطق النظام الكمومي ــ لنقل قط شرودينغر داخل الصندوق ــ مع مناطق في محيط النظام.

التخلص من اللانهاية:
قد تكون الحسابات هنا صعبة، لأنه إذا ما أردت إضافة كل الارتباطات بين المناطق داخل وخارج النظام المعني، ستكون النتيجة لانهائية ــ لأنك ستتمكن من قسمة الزمكان من كلا الحدَّين لعددٍ غير محدود من المرَّات.

ويبدو أن الفيزيائيين قد وجدوا حلًا لهذه اللانهائيات في حالات تكون فيها الجاذبية ضعيفة للغاية، مما يسمح لهم بالحصول على أجوبة حسَّاسة للغاية لمستوى التشابك الأنتروبي، ومن ذلك لحالة التماسك.

لكن يتسائل بوسوهنا: “ماذا لو أصبحت الجاذبيَّة قويَّة؟” هكذا سيكون عليه الحال إذا ما اقترب قط شرودينغر الغير محظوظ والمحبوس داخل الصندوق نحو مركز ثقبٍ أسود، حيث تكون الجاذبية ضخمة للغاية.

في هذه الحالة لا يمكن استعمال نفس الحِيَل للتخلص من اللانهائيات المزعجة. لكن رغم ذلك، يقترح بوسو إمكانية تسهيل مهمة الحسابات عبر الجمع بين كل من التشابك الأنتروبي وكميَّة أخرى تعرف بأنتروبيا الجاذبية، وللأخيرة علاقة نسبية مع مساحة سطح أفق حدث الثقب الأسود.

يبحث بوسو حاليًا حول إمكانية استخدام كل من التشابك الأنتروبيوأنتروبيا الجاذبية معًا لقياسٍ حجم الأشياء التي تحصل على مقاييس كونية، وذلك دون الحصول على أجوبة لانهائية سخيفة.

بالنسبة له، الأمر لا يعتبر مجرد تخيلٍ لأكثر الطرق بشاعة لموت حيوانٍ أليف، بل لفهم فيزياء الثقب الأسود، وبشكلٍ عام، لتطوير نظرية في الجاذبية الكموميَّة.

في هذا الشأن يعبر ليوناردسسكيند (Leonard Susskind) الفيزيائي من جامعة ستانفورد عن إعجابه بطريقة بوسو : “بينما يتطور العالم ويتفرع إلى شبكة ضخمة من التشابك.

أحيي بقوة محاولة بوسو الجريئة لقياس كميَّة هذه الشبكة.

” رغم ذلك يضيف سسكيند أن التشابك قد لا يكون العنصر الأساسي الوحيد لقياس كميَّة ما يحصل، لكنه أمر مهم دون شك، ذلك سيقود إلى اكتشافات جديدة في الجذابية وميكانيكا الكم دون شك” يقول سسكيند حول هذا العمل.


  • إعداد : وليد سايس.
  • تدقيق: بدر الفراك.
  • تحرير: سهى يازجي.
  • المصدر