بعد إعلان الحكومة الفدرالية عن إمكانية رفع الحظر عن تمويل الأبحاث التي تستخدم ما يسمى الكيميرا البشرية/الحيوانية، صرّحت المعاهد الوطنية الأمريكية للصحة (NIH) في الرابع من شهر آب أغسطس عام 2016 بأنها تفكر في تمويل الأبحاث التي تتضمن حقن خلايا جذعية بشرية ضمن أجنة حيوانية، ما قد يؤدي لتشكيل أجنة تمتلك مجموعتين مختلفتين من الخلايا؛ مجموعة بشرية وأخرى حيوانية، وهو ما يُعرف بالكيميرا البشرية/الحيوانية.

وقد أحدثت هذه الأبحاث جدلية كبيرة، فأصرّ مؤيدوها أن بإمكانها تطوير العلوم الطبية بعدة طرق، بينما أصيب الآخرون بالهلع من فكرة تشكّل كائنات غريبة الأطوار، لكن الكيميرا في الحقيقة ليست من صنع الإنسان دائمًا، بل توجد عدة أمثلة على كيميرا بشرية موجودة سلفًا.

الكيميرا ووجودها الطبيعي لدى البشر

بدايةً يُعرّف الكيميرا على أنها كائن حي مفرد بالضرورة تتألف من خلايا عائدة إلى فردين أو أكثر، أي أنها تمتلك مجموعتين من الـDNA، بشيفرة لصنع كائنين عضويين منفصلين.

غالبًا لا يدرك أولئك الأفراد أنهم كيمريون، على سبيل المثال، انتشرت عام 2002 قصة امرأة احتاجت لزرع كلية، فخضعت وعائلتها لاختبارات جينية لمعرفة أي فرد منهم بإمكانه التبرع لها بكليته، لكن هذه الاختبارات بينت أن هذه المرأة، جينيًا، لا يمكن أن تكون أمًّا لأطفالها، وقد تم حل اللغز عندما اكتشف الأطباء أنها كانت كيميرا ؛ أي امتلكت مجموعتي DNA في خلايا دمها بالمقارنة مع النسج الأخرى في جسمها.

ولكن كيف يمكن لذلك أن يحدث؟ هناك عدة أمثلة، ومنها:

  • إحدى طرق حدوث الكيميرية بشكل طبيعي عند البشر هي عندما يمتص الجنين توأمه، ويمكن أن يحدث ذلك عند التوأمين الأخوين (أي الناجمين عن بيضيتين اثنتين) إذا مات أحد الجنينين في مرحلة مبكرة جدًا من الحمل، وتم امتصاص بعض من خلاياه من قبل التوأم الآخر، فيحصل الأخير على مجموعتين من الخلايا؛ مجموعته الأصلية، وأخرى إضافية من توأمه.
  • كما يمكن أن يصبح الشخص كيمرًا إذا تعرض لزرع نقي عظام- لعلاج ابيضاض الدم مثلًا- ففي زرع كهذا، سيتم تدمير نقي العظام الخاص بالمريض واستبداله بنقي عظام شخص آخر، ويتضمن نقي العظام خلايا جذعية تتطور لخلايا دم حمراء، ما يعني أن مريض الزرع النقوي سيحمل لبقية حياته خلايا دم متطابقة جينيًا مع الشخص المعطي، وغير مماثلة جينيًا للخلايا الأخرى في جسمه الخاص.

لكن في حالات أخرى من الزرع النقوي، قد يصبح المريض ممتلكًا لمزيج لكل من خلايا دمه الخاصة، وخلايا الشخص المعطي، كما يُكسب نقل الدم المريضَ خلايا جديدة من شخص آخر، ولكن ذلك يكون مؤقتًا على عكس الزرع النقوي.

  • وبشكل أكثر شيوعًا، قد يُظهِر الأشخاص ما يسمى بالكيمرية الميكروية (michrochimerism)، عندما يكون جزء صغير من خلاياهم، عائدًا لشخص آخر، ويمكن لذلك أن يحصل عندما تحمل المرأة، ويهاجر عدد قليل من خلايا الجنين إلى دمها وينتقل إلى أعضاء مختلفة.

وتشير دراسة أجريت عام 2015 أن ذلك يحصل عند جميع الحوامل تقريبًا، على الأقل مؤقتًا، فعاين الباحثون عينات نسيجية من كلى، وأكباد، وأطحلة، ورئات، وقلوب، وأدمغة 26 امرأة توفّين أثناء الحمل أو خلال شهر من الولادة، فوجدوا أن جميع أولئك النساء امتلكن خلايا جنينية في تلك النسج، وقد عَرف العلماء أن تلك الخلايا عائدة للأجنة وليس للأمهات، لأنها احتوت على الصبغي Y الموجود لدى الذكور فقط، وجميع النساء كنّ حوامل لأجنة ذكرية.

وفي بعض الحالات، قد تبقى الخلايا الجنينية في جسم المرأة لسنوات، إذ حلل باحثون في دراسة عام 2012 أدمغة 59 امرأة بأعمار تترواح بين 32 و101 عامًا بعد موتهن، فوجدوا أن 63% منهن امتلكن آثارًا من حمص نووي ذكري من خلايا جنينية، وأكبرهن عمرًا كانت تبلغ الرابعة والتسعين، ما يقترح أن هذه الخلايا قد تبقى أحيانًا في الجسم مدى الحياة.

كيف يمكن أن تقدم الكيميرا الهجينة فوائد طبية؟

يهتم بعض الباحثون العلميون في صنع نماذج حيوانية جديدة تمتلك نسجًا بشرية لتساعد في دراسة الأمراض البشرية، بالإضافة إلى تحري التطور المبكر لدى البشر، فقد يتمكن العلماء، بواسطة نماذج كيمرية حيوانية، من دراسة الأمراض البشرية الوراثية بشكل أفضل، وإيجاد أدوية معالجة لهذه الأمراض، وهو ما كتبوه في مقال علمي نشِر في دورية (Science) العام الماضي.

ولعل أكثر محتويات البحث نقاشاً هو القدرة على تشكيل حيوانات تحمل أعضاءً بشرية يمكن زرعها في المرضى المحتاجين، فقد يكون من الممكن توليد موارد غير محدودة من الأعضاء البديلة العلاجية، باستخدام كيامر خنزير أو خروف، بحسب ما تقوله الدراسة، إذ يكمن الهدف النهائي لهذا المشروع في إيجاد تقنية يمكن استخدامها في صنع أعضاء متوافقة جينيًا مع أي مريض محدد، بإدخال خلايا جذعية عائدة له في الكيميرا المصنوع.

فبالرغم من محاولة علماء آخرين استخدام تقنيات مغايرة لإنماء أعضاء بشرية في المخبر، إلا أنهم يواجهون صعوبة كبيرة في ذلك، لأن تطوير عضو ما يتطلب تأثرات معقدة بين ذاك العضو والأعضاء والأنسجة الأخرى في الجسم، وللتأكد من تطوير الحيوان الكيمري لأعضاء بشرية محددة فقط، سيقوم العلماء أولاً بهندسة جينية لجنين الحيوان حتى لا يتمكن من إنتاج العضو المرغوب، ومن ثم إضافة خلايا جذعية تابعة للمريض، بإثبات إمكانية تلك الخلايا على إنتاج العضو المفقود، بحسب مراجعة معهد ماسيتوسيتس للتكنولولجيا (MIT).

محاولات لصنع الكيميرا

نشر باحثون علميون من معهد سولك (Salk) للدراسات البيولوجية دراسةً لهم في دورية (Cell) في 26 كانون الثاني يناير لعام 2017، تتضمن جهودهم المبذولة في إنماء الأجنة الأولى الحاوية على خلايا بشرية وخنزيرية معًا، وذكروا أن بإمكان الكيميرا البشرية/الحيوانية أن تعطي فكرة عن التطور المبكر للبشر، وبدء المرض، وتكون منصة واقعية لاختبار الأدوية، كما قد تقدم يومًا ما وسائل لزرع الخلايا، والنسج والأعضاء البشرية للطب المتجدد، لكن في الوقت الحالي، فهي تساعد العلماء على فهم كيفية نمو الخلايا الجذعية البشرية وتمايزها.

فيقول الباحث الرئيسي خوان كارلوس إيزبيزوا بيلمونتيه (Juan Carlos Izpisua Belmonte)-وهو أستاذ في مخبر التعبير الجيني التابع لمعهد سولك-: «الهدف النهائي هو إنماء أنسجة وأعضاء فعالة وظيفيًا وقابلة للزرع، ومع أننا ما زلنا بعيدين عن ذلك، يُعتبر ما قمنا به خطوة أولى مهمة.»

بدايةً، قام إيزبيزوا بيلمونتيه وزميله من فريق علماء معهد سالك جان وو (Jun Wu) بصنع كيميرا جرذ/فأر بإدخال خلايا جرذية إلى أجنة فأرية وتركها تنضج، و قد تمكن علماء آخرون من صنع كيميرا جرذ/فأر عام 2010 تألف من فأر حامل لأنسجة بنكرياسية مكونة من خلايا جرذية.

وقد أُجريت تجربة الفريق باستخدام التعديل الجينومي للإرشاد المرن للخلايا الجرذية نحو النمو في أعشاش تطورية محددة في الفئران، ولتحقيق ذلك استُخدِمت أدوات كريسبر (CRISPR) للتعديل الجينومي لحذف جينات ضرورية في خلايا البيوض الفأرية الملقحة ترمز لتطوير عضو ما محدد، كالقلب أو البنكرياس أو العين، ومن ثم أدخلوا خلايا جذعية جرذية للأجنة للتأكد من أنها ستملأ العُش الفارغ، فيقول وو: «تمتلك الخلايا الجذرية نسخة وظيفية من الجينة الفأرية المفقودة، وبالتالي يمكنها أن تغلب الخلايا الفأرية في احتلال أعشاش العضو التطورية المُفرغة، مشكّلة النسج الوظيفية لقلب، أو عين، أو بنكرياس الكائن الحي»

وكانت الخطوة التالية للفريق هي إدخال خلايا بشرية في كائن حي آخر، وقرروا استخدام أجنة بقر وخنازير كمضيفين، لأن حجم أعضاء هذه الكائنات مشابهة لأعضاء البشر أكثر من الفئران، لكنهم ركزوا في دراستهم على الخنازير نظرًا لصعوبة وتكلفة دراسة الأجنة البقرية، وقد كان الهدف الرئيسي من الدراسة هو تحديد نوع الخلايا الجذعية البشرية التي ستبقى على قيد الحياة في جنين البقرة أو الخنزير، فتبين أن الخلايا الجذعية المتوسطة متعددة القدرات قد نجت لأطول فترة وأظهرت القدرة الأكبر على استمرار التطور.

ومن العواقب التي واجهت العلماء في دراستهم؛ البعد التطوري بين الخنازير والبشر الذي يفوق ذاك البعد بين الفئران والجرذان بخمس مرات، بالإضافة إلى أن فترة الحمل لدى الخنازير تبلغ ثُلث الفترة عند البشر، فاضطر الباحثون لإدخال الخلايا البشرية بالتوقيت المثالي لمطابقة المرحلة التطورية للخنزير.

وبالنتيجة نجت الخلايا البشرية وشكلت أجنة كيميرية من إنسان وخنزير معًا، ثم زُرعت هذه الأجنة في إناث خنازير بالغة، وتُركت لتتطور لتلاثة إلى أربعة أسابيع، يقول إيزبيزوا بيلمونتيه: «إنها مدة كافية لنا لنفهم كيف تمتزج الخلايا البشرية والخنزيرية باكرًا مع بعضها دون أن تثير قلقًا أخلاقيًا حول الحيوانات الكيميرية الناضجة»

لكن، وبحسب جان وو، بالرغم من استخدام أفضل الخلايا الجذعية البشرية أداءً، لم يكن مستوى مساهمتها في الجنين الكيمري كبيرًا، ويُخشى أن يرفض الجسم البشري أعضاء جنين كهذا نتيجة غلبة الخلايا الحيوانية فيه، بينما اعتبر إيزبيزوا بيلمونتيه ذلك خبرًا سارًّا، فقد كانت إحدى المخاوف حول صنع كيمرًا بشريًا حيوانيًا أن يكون بشريًا بشكل زائد عن اللزوم، فمثلًا لا يريد الباحثون أن تساهم الخلايا البشرية في تشكيل دماغ الكيميرا.

وفي هذه الدراسة، لم تصبح الخلايا البشرية طلائع لخلايا دماغية يمكنها أن تنمو لتشكل الجهاز العصبي المركزي، وإنما كانت تتطور لخلايا عضلية وطلائع أعضاء أخرى، فأشار الباحثون إلى أنهم أرادوا عند هذه النقطة معرفة ما إذا كانت الخلايا البشرية ستجيبنا على أسئلة مبدئية، وبعد أن تأكدنا من إمكانية نجاح هذا المشروع، يكمن تحدينا التالي في تطوير الفعالية وتوجيه الخلايا البشرية لتشكيل أعضاء محددة في الخنازير، ويمكننا إجراء ذلك من خلال تقنية كريسبر لتعديل جينوم الخنزير كما فعلنا عند الفئران.

مسارعة لوضع قواعد لأبحاث الحيوانات الكيميرية الهجينة

نظرًا للجدلية الواسعة التي تثيرها أبحاث كهذه، تسعى مراكز الأبحاث لضبط شروطها لتجنب النتائج السلبية التي قد تنتج عنها، فمثلًا وبالرغم من سعي المعاهد الوطنية الأمريكية للصحة لتمويل هكذا أبحاث، إلا أن سياستها ستستمر بمنع الدراسات التي تتضمن حقن الخلايا الجذعية البشرية في أجنة نوع المقدَّمات (الحيوانات الرئيسة)؛ مثل القردة والشيمبانزي، في المراحل المبكرة من تطورها، كما أنه لن يُسمح للأبحاث أن تصنع كيمرًا بشريًا حيوانيًا تساهم فيه الخلايا البشرية في نشأة نطاف أو بيوض الحيوان، ولن يتمكن الباحثون من تنسيل كيامر بشرية حيوانية.


  • إعداد: سارة وقاف
  • تدقيق: أسمى شعبان
  • تحرير: أحمد عزب

المصدر1                                     المصدر2                                     المصدر3