في عام 1993، أفشالوم إليتزور (Avshalom Elitzur) وفايدمان (Vaidman) أعادا انتاج تداخلات ما قبل السريالية والعبث، مع التجربة الذهنية التي سوف يحولها آخرين إلى حقيقة.

بدلًا من شاشة الفلورسنت، تخيل فاصل شعاع ثانِ في المكان الذي فيه جمع شمل الموجات في التجربة «2A» – الشكل الموضح – الآن تم وضع كاشف على كل مسار محتمل بعد فاصل الأشعة. ستكون احتمالات حركة الفوتونات متساوية خلال أحد أجهزة الكشف.

سيتم تغيير أحد المسارات الأصلية مرةً أخرى عن طريق إضافة جزء من الزجاج، لذلك هناك تداخل مدمر في كاشف واحد ولكن ليس الآخر – الفوتون يُسجَّل دائمًا في الكشاف الثاني، وليس الأول أبدًا. لقد رُصِدّ هذا بالفعل.

الآن ضع عقبة في واحدة من المسارات بعد الانقسام الأصلي.

يتم امتصاص نصف الفوتونات والنصف الآخر يسلك المسار دون عوائق. وينبغي أن تستمر هذه الفوتونات دون عائق كما كان من قبل، إلى الكاشف الثاني.

لكن هذا لا يحدث.

نصف الفوتونات في الكاشف الأول، والتي لم تنقر – أي تظهر على الكشاف – عندما كان هناك مسارين «الشكل 2B» ويختفي  التداخل لأن المسار الآخر لم يعد موجودًا.

بالتأكيد تسافر الفوتونات في المسارات التي لا تحوي عوائق، ولكن بطريقةٍ أو بأخرى تعرف الفوتونات ما يحدث للمسار الآخر وتغير سلوكها وفقًا لذلك.

في الواقع، فإن الفوتون الذي يظهر في كاشف محظور – مرة واحدة فقط – يكفي لاستشعار وجود عائق.

«شكل  «2Bتجربة «فايدمان وإلينزور»: في هذه التجربة، الحالة يسار الصورة تنقسم فيها الفتونات إلى مسارين، ويتم تجميعها مجددًا عند مقسم الأشعة الثاني.

يتداخل المسارين بشكل بناء عند كاشف الفوتونات A وبالتالي تُسجل وتظهر كل الفوتونات في الكاشف A بينما تتلاشى عند كاشف الفوتونات B وبالتالي لا تظهر أي فوتونات عند الكاشف B.

أما في الحالة التي إلى اليمين يتم وضع حائل أو حاجز فوتونات في أحد المسارين، يمتص هذا الحائل الضوء بينما تكمل الفوتونات طريقها في المسار الآخر، هذه الفوتونات يتم تسجيلها على الكاشف B فجأة، ما يعني إنه يقدم لنا معلومة أن هناك حائل أو حاجز في المسار الذي لم تسافر فيه الفوتونات، وعليه أن المعلومة نُقِلت بدون أي تفاعل مباشر.

ادعى «إليتزور وفايدمان» أن تجربتهم الذهنية كانت مثالًا على عدم محلية ميكانيكا الكم.

ويمكن أن يوجد جسيمان يولدان معًا في تراكب من الخصائص التكميلية، وبما أن الجسيمات منفصلة عبر الكون، يمكننا قياس خاصية أحدهما ومعرفة الآخر على الفور.

ويسمى هذا الترابط بالتشابك (Entanglement). الجسيمات الكلاسيكية لها تأثيرات بعيدة – القمر يدور حول الأرض، المغناطيس يجذب المعادن – ولكن هذه التأثيرات تتصل ببعضها من خلال تفاعلات محلية (Local Interactions)، حيث لا يمكن كسر حاجز الضوء.

الجسيمات مفصولة بوجود الكون نفسه، وبالتالي، تفقد تراكبها طوال الوقت. الفوتونات في المسارات المذكورة ليس لديها كتلة أو شحنة، لذلك لا تشيع تأثيرات مادية عبر الفضاء.

طاقة الكم لا تزال محلية.

ومع ذلك فإن الفوتون على الطريق الأكثر وضوحًا في التجربة يعرف العائق في المسار الآخر على الفور، دون أن يتفاعل معه على الإطلاق.

فقد حصل الفوتون على معلومات من على البعد.

يوضِّح إليتزور وفايدمان: «من الشائع أن نعتقد أنه على عكس الميكانيكا الكلاسيكية، ميكانيكا الكم تفرض قيودًا شديدة على الحد الأدنى من الاضطراب في النظام بسبب إجراء القياس».

وهذا لا يمكن أن يكون صحيحًا. قد يكون المسار دون عائق، ولكن ملاحظاتنا سوف تتغير.

مجرد وجود عقبة على المسار الآخر يجعل الفوتون يتصرف خلال التجربة كما لو أجرينا قياسًا، ومن ثم تُنقل المعلومات إلى الفوتونات ولنا.

وقال «دينيس غابور» الذي طوّر صور ثلاثية الأبعاد: «أن كل عملية رصد تتطلب فوتونًا. ولكن الضوء لا يضطر إلى ضرب جسيم للكشف عن ذلك.

يمكننا أن نرى دون أن ننظر – هذه ليست لعبة القذيفة ولا عملية إدراك فوق حسي – معظم الفوتونات في العالم الحقيقي لديها أكثر من مسارين ممكنين، وهذا عادةً ما يسبب إلغاء بعضها البعض، تاركةً المسار المستقيم أقصر طريق للضوء الذي نرصده، ومعظم الضوء يعمل كما كنا نعتقد في الفيزياء الكلاسيكية».

وقد رسم إليتزور وفايدمان – اللذان كانا يعملان في تل أبيب – فكرتهما بشكل أكثر إثارة «الشكل 2 ب» فبدلًا من عائق خامل في مسار واحد، سنتصور وجود قنبلة وضعت لتنفجر عند ضربها بفوتون.

إذا سافر الفوتون إلى هذا الطريق، تنفجر القنبلة ونعرف على وجه اليقين أن الفوتون كان هناك.

إذا كان الفوتون يسير في المسار الواضح، لا يزال بإمكاننا أن نلاحظ وجود عائق – في هذه الحالة القنبلة – دون تسليط الضوء على ذلك.

الفوتونات على المسار الذي لا يحوي عائق سيتم تسجيلها في الكاشف المحظور نصف الوقت، لتنبيهنا إلى وجود القنبلة. إليتزور وفايدمان سميا هذا القياس «الخالي من التفاعل».

وصف السير «روجر بينروز» – الفيزيائي الرياضي الحاصل على جائزة نوبل – تجربتهما بالمتعارضة «المتناقضة أو العكسية».

ولكن التجربة الذهنية لا تتعارض مع الحقيقة الثابتة.

أظهر «إيفرت دو مارشي فان فورثيسن» قياسات خالية من التفاعل باستخدام أدوات غير مكلفة – وعوائق أخرى غير القنابل – في معرض العلوم في «جرونينجن» عام 1995.

وبعد ذلك، لم يتمكن الفيزيائيون من شرح الظاهرة بأي شكل أفضل من الحضور.

تصف دوال الموجات وتراكب الظواهر – عن طريق نتائج أو تبعات فعلية – رياضيات محددة. ولكن التفسيرات ليس لها سقف.

ويعتقد بعض الفيزيائيين – مرةً أخرى – أن دوال الموجة هي أشياء حقيقية، على غرار المجال المغناطيسي.

ويؤكد آخرون أن دوال الموجة تصف المجموعات، وليس الجسيمات المنفردة.

لا يزال البعض الآخر يأخذ الرياضيات على محمل الجد بالمجادلة بأن التراكب يخلق العديد من العوالم – أكوان متوازية – أي كون واحد لكل احتمال.

ويصر معظم الفيزيائيين على أن الرياضيات تفصل فقط الاحتمالات العديدة لعالمنا الواحد.

ولكن «إليتزور وفايدمان» حولوا أنفسهم إلى فكرة أكثر راديكالية.

وكتبوا: «يمكن تجنب هذه المفارقة في إطار تفسير العديد من الأكوان».

إذا كان هناك العديد من الأكوان، فستصبح القياسات الخالية من التفاعل سهلة الشرح.

لا تنهار وظيفة الموجة والاحتمال لا يزال موجودًا في مكانٍ ما، سنلاحظ وجود عائق هنا لأن الانفجار حدث في عالم آخر.

في تقدير إليتزور وفيدمان احتمال نقل المعلومات دون تفاعلات، في أي كون، هو في أفضل حالًا بنسبة 50%. لكن في عام 1994، اجتمع شابان استكملا مؤخرًا رسالة الدكتوراه (مارك كاسيفيتش وبول كويات – Mark Kasevich and Paul Kwiat) في مختبر أنطون زيلينجر في إنسبروك.

وقال كاسيفيتش لكويات، وعدد قليل من الزملاء الآخرين في النمسا، كيف أنهما قد حسنّا من الاحتمالات.

إذا كان العائق ينقل المعلومات دون تفاعلات لنصف الوقت، فالمزيد من العوائق يمكن أن تنقل المعلومات بشكل أكثر تواترًا.

وتقسيم المسارات بشكل متكرر في مقياس التداخل وإدخال عوائق فيها هو أقرب إلى تكرار القياسات واكتساب المعرفة من كلٍ منها.

كويات وزملاؤه  أسموا هذا بالاستجواب (Interrogation).

من الناحية النظرية، يمكن للفيزيائيين استخراج معلومات مثالية دون تفاعلات إذا كانوا يستخدمون عددًا لا حصر له من العوائق.

في التجارب، كويات وزملاؤه وجهوا واحدة من مسارات الفوتون من خلال عائق ست مرات، وزاد عدد القياسات الخالية من التفاعل إلى 70%.

خلال السبعينات، درس اثنان من الفيزيائيين في جامعة تكساس في أوستن، «بيدياناث ميسرا و إ. س. جورج سودارشان»، القدرة الغريبة للقياسات المتكررة على إطالة الآثار الكمومية.

أسموها «مفارقة زينو لميكانيكا الكم». وكان الفيلسوف اليوناني – زينو – جادل بأن قياس موقع السهم مرارًا وتكرارًا، عند تقدمه نصف المسافة إلى موضعه النهائي، فعدم وقوعه على الأرض، يعني وجوده دائمًا في نصف المسافة.


  • ترجمة: مصطفى العدوي
  • تدقيق: محمد عبدالحميد ابوقصيصة
  • تحرير : رغدة عاصي
  •  المصدر