كم عدد العناصر الكيميائية الأخرى التي يمكن أن نجدها؟


حصل علم الكيمياء في الـ 30 من كانون الأول/ديسمبر لعام 2015م، على أربع مواد جديدة، وأكد الاتحاد الدولي للكيمياء البحتة والتطبيقية (IUPAC) على اكتشاف أربعة عناصر كيميائية جديدة، تم إنشاؤها جميعًا في المختبرات.

وأشارت بعض التقارير إلى أن هذه العناصر تُكمِّل الجدول الدوري، وهذا أمرٌ خاطئ، ويمكنك أن تتوقع بثقةٍ المزيد من العناصر الجديدة بعد الدفعة الأخيرة، ولكن سيستغرق ذلك بعض الوقت؛ لأن تحضيرها يصبح أكثر صعوبة.

إن ما تكمله هذه العناصر هو السطر السابع في الجدول الدوري، وفي حال صنعت العناصر 119)) أو (120)، سيكون هناك سطرٌ جديدٌ كاملٌ في الجدول الدوري.

ولا أحد يعلم كم من الممكن أن يتوسع الجدول بإنشاء عناصر جديدة، ويشك البعض في عدم وجود حدودٍ لهذا التوسع، في حين يقول آخرون أن هناك نقطة لا يمكن للذرات بعدها أن تصبح أثقل، ذراتٌ هائلةٌ كهذه يمكن أن تكون غير مستقرةٍ تمامًا، ويمكن أن تتفكك في موجةٍ من النشاط الإشعاعي، ولكن هناك أمر واضح تمامًا، وهو أنه إذا نجحنا في تكوين عناصر أثقل مما هو موجود، سنجد أنها تتصرف بطرقٍ غريبةٍ جدًا.

تعد العناصر اللبنة الأساسية في الكيمياء، والعنصر بشكلٍ أساسيٍ هو مادةٌ تحتوي على نوعٍ واحدٍ من الذرات؛ لذلك فإن بناء عنصر جديد يعني إنشاء نوع جديد من الذرات.

إن كل عنصر يتعين برقم، مثلًا: الكربون هو العنصر رقم (6)، وهذه الأرقام ليست مجرد تسمية اعتباطية؛ بل تحمل معنى أساسيًا، وما يحدد هذا الرقم هو عدد البروتونات (Protons)، والبروتون هو جزيء عنصري محتوى في الذرة.

وتملك البروتونات شحنةً كهربائيةً موجبةً، وتتجمع على شكل فقاعةٍ في مركز الذرة، وتملك العناصر الأخف وزنًا وهي الإلكترونات (Electrons)، شحنةً سالبةً تعادل شحنة البروتونات، وتدور حول نواة الذرة على شكل سحابةٍ منتشرةٍ.

وتملك نواة الذرة – باستثناء ذرة الهيدروجين- نوعًا آخر من الجزيئات، وهي: (النيوترون-neutron)، الذي يمتلك كتلةً تساوي تقريبًا كتلة البروتون، ولكن دون شحنة كهربائية، ويمكن أن تملك ذرات العنصر أعدادًا مختلفةً من النيوترونات، وتسمى هذه العناصر المختلفة بـ (النظائر).

إن النيوترونات تعمل كالغراء الذي يجمع البروتونات سويةً، ومن دونها، يمكن للشحنة الموجبة التي تملكها البروتونات أن تبعدها عن بعضها البعض.

وتكون نواة الذرات الثقيلة جدًا كاليورانيوم معبأةً بالبروتونات التي تدفع بعضها بقوةٍ لدرجة أنه حتى مع وجود رجحانٍ للنيوترونات لا يمكنها أن تتجمع مع بعضها، وهذه الذرات تخضع لما يسمى بـ (التفكك الإشعاعي)، أي أنها تصدر الجسيمات والطاقة.

وعندما تتفكك أي ذرةٍ، يتغير العدد الكلي للبروتونات في النواة، وبذلك فإن عملية التفكك الإشعاعي تحول عنصرًا إلى عنصرٍ آخر، قد يبدو هذا غريبًا لكنه في الواقع يحدث دائمًا، حتى في بعض الذرات في جسدك.

إن لكل نوع نواة نسبة مثالية من النيوترونات والبروتونات، وتتفكك الذرات إذا كانت تملك الكثير جدًا من النيوترونات أو القليل جدًا منها، حتى وإن كان حجم النواة صغيرًا.

وبالنسبة للعناصر الخفيفة كالكربون والأكسجين، تكون النسبة المستقرة هي تقريبًا: 1:1، والعناصر الثقيلة تحتاج إلى نسبة أكبر بشكل طفيف من النيوترونات، ويمكن أن تنتج العمليات الطبيعية في الكون عناصر ثقيلةٍ حتى درجة معينة فقط.

لقد أُنشِئت العناصر الخمسة الأخف وزنًا من الهيدروجين إلى البورون بشكلٍ كبيرٍ في الانفجار العظيم الذي أبدأ شرارة الكون.

وأي عنصرٍ أثقل من هذه العناصر يتم إنشاؤه داخل النجوم، وهناك تُجبر درجات الحرارة العالية والضغوط المرتفعة نواةَ العناصر الخفيفة على الاندماج مع بعضها البعض، وتدعى هذه العملية بالاندماج النووي، ويمكن للنجوم الأكبر أن تُصنِع العناصر الأثقل كالزئبق الذي يمتلك 80 بروتونًا في نواته، ولكن الكثير من العناصر في الجدول الدوري تُصنَع بدلًا من ذلك في الجو الكثيف المرافق لانفجار نجمٍ أو ما يسمى: (السوبرنوفا – Supernova)، ويمكن للطاقة الهائلة المنبعثة أن تُنتِج أنواعًا جديدةً من الاندماج مع ارتطام الذرات ببعضها، مُنتِجةً عناصر ثقيلةٍ كاليورانيوم، الذي تملك نواته 92 بروتونًا.

إن حدوث عمليات الاندماج النووي هذه تتطلب جزءًا كبيرًا من الطاقة؛ لأن النواة الذرية موجبة الشحنة تدفع النواة الأخرى؛ لذلك يجب أن تتحرك النواة بسرعةٍ كبيرةٍ جدًا؛ لتتغلب على هذا التنافر، وتلتحم مع النواة الأخرى.

ونتيجةً لذلك، يعد اليورانيوم العنصر الأثقل الذي وُجد بكمياتٍ كبيرةٍ في الطبيعة، ولم يتم إيجاد أي عملياتٍ طبيعيةٍ يمكنها صنع عنصرٍ أثقل منه؛ لذلك عندما يريد العلماء أن يصنعوا عناصر جديدة، عليهم أن يستخدموا المسرِّعات الجزيئية؛ لتزويد الذرات المتصادمة بسرعاتٍ هائلةٍ، قد تصل إلى عُشرٍ من سرعة الضوء.

وقد تم القيام بهذا الأمر لأول مرة عام 1939م، عندما صنع العلماء في جامعة كاليفورنيا العنصر رقم (93)، الذي يدعى: (النبتونيوم – neptunium)، وبعد ذلك بعامين، قام الفريق بتفجير اليورانيوم مع نواة (الهيدروجين الثقيل)، الذي يملك بروتونًا واحدًا، و نيوترونًا واحدًا، وكانت النتيجة العنصر (94)، الذي يدعى: (البلوتونيوم – plutonium)، لكنهم سرعان ما أدركوا أن البلوتونيوم سيتحلل تلقائيًا ، شأنه في ذلك شأن اليورانيوم، في عملية تسمى: (الانشطار النووي)، نواتها الضخمة تنشطر تقريبًا على نصفين، مُطلِقةً كميةً هائلةً من الطاقة.

وقد تم استخدام هذه النتيجة بسرعةٍ، واستخدم البلوتونيوم المصنوع في مسرعات الجسيمات في القنبلة الذرية التي أُسقِطت على ناغازاكي في أغسطس من عام 1945م، وظل اكتشاف البلوتونيوم سرًا عسكريًا إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية، وبمجرد انتهاء الحرب، عمد الفيزيائيون بجديةٍ إلى إيجاد عناصرَ جديدةٍ.

وعلى مدى عقودٍ، كان مركز الولايات المتحدة الرئيسي لهذا البحث في بيركلي، ولكن في الوقت الحاضر، تحول الكثير من النشاط إلى مختبر لورانس ليفرمور الوطني على بعد حوالي 40 كم، ويستند العمل الروسي في المعهد المشترك للبحوث النووية (JINR) في دوبنا- موسكو، التي تأسست عام 1956م.

وفي البداية، كان الأميركيون يتصدرون المشهد، ونتيجةً لذلك، سميت العناصر (95) و(97) و(98)، بـ: (أمريسيوم- americium)، و(بيركيليوم- berkelium)، و(كاليفورنيوم- californium).

ولكن تم العثور على عناصر جديدةٍ أخرى بطريقةٍ مختلفةٍ تمامًا، إذ تم التعرف عليهم في حطام تجارب القنبلة الهيدروجينية في الولايات المتحدة في الخمسينات، وكان قد تم إنشاء العناصر من اليورانيوم في اندماج القنابل خلال الانفجارات العنيفة.

ونتيجةً لذلك، وبدلًا من الغضب حول مكانهم الأصلي، سُمِّي العنصر (99) و(100) تيمنًا باثنين من رواد العلوم النووية: (أينشتاينوم – einsteinium) نسبةً لألبرت أينشتاين، و(فيرميوم – fermium) نسبةً لإنريكو فيرمي.

ومع تعمق الحرب الباردة، أسفر التنافس بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي عن بعض الخلافات المريرة بشأن الأولوية.

وبين أواخر الخمسينيات وأوائل السبعينيات، تجادل فريق بيركلي، وجينر حول من قام أولًا بإنشاء العناصر: (102)، و(104)، و(105)، و(106)، وأخذت (IUPAC) على عاتقها حل هذا الجدال، لكنها استغرقت وقتًا حتى عام 1997م؛ لمنح العنصر (104) (رذرفورديوم) إلى بيركلي، و(105) (دوبيوم) إلى جينر.

وفي الوقت نفسه، تم التنازع على العنصر (107) بين جينر ووافدٍ جديد، هو: مختبر ألمانيا لبحوث العناصر الثقيلة، واختصاره (GSI)، في مدينة دارمشتات، وتم في النهاية تقسيم الفضل للاكتشاف بين المجموعتين، في حين تم تصنيع عناصر اصطناعيةٍ في وقتٍ سابقٍ عن طريق تفجير ذراتٍ ثقيلةٍ مع أخرى أخف وزنًا، ووجد الباحثون في (GSI) طرقًا لدمج نواةٍ متوسطة الحجم، مثلًا: إطلاق أيونات الزنك، والنيكل، والكروم، على أهدافٍ من الرصاص، والـ (بزموت- bismuth)، وبهذه الوسائل، تم صنع العنصر (108) لأول مرةٍ في (GSI)، وسمّي: هاسيوم.

وفي هذه الأيام يعد صنع العناصر الأكثر تشاركية، عندما يتعلق الأمر بصنع العناصر الأربعة الجديدة، ووحد الأميركيون، والروس، والألمان مواردهم.

يقول الاتحاد الدولي للكيمياء البحتة والتطبيقية (IUPAC): “إن أول تركيبٍ مقنعٍ لكلٍ من العنصرين (117) و(115) كانت نتيجة جهدٍ مشتركٍ بين جينر، ومختبر أوك ريدج الوطني في تينيسي وليفرمور في التجارب التي أجريت بين عامي 2010م و 2012م، وقد نتج عن التعاون المنفصل بين جينر- ليفرمور الذي بدأ عام 2006م العنصر (118).

وكل شيءٍ لا يزال غير متفائلٍ تمامًا، لأن الروس غير راضين أن العنصر (113) قد منح لمجموعةٍ يابانيةٍ في مركز ريكين نيشينا للعلوم القائمة على مسرع في سايتاما، ويمكن الآن أن يكون اسمه (جابونسيوم – japonicium)، وهم يقولون أنهم صنعوه أولًا عام 2003م، في جينر عن طريق تحطيم الكالسيوم في الأميريسيوم، وقد أجريت التجربة اليابانية بعد عامٍ، بإطلاق أيونات الزنك على ألبزموت.

والقضية في جميع هذه المنازعات هي ما يعد نتيجةً مقنعةً، وهذا ما قرره خبراء (IUPAC)، ولكنه لا يزال موضوعيًا إلى حدٍ ما.

وتم الكشف عن العناصر الجديدة، ذرةً واحدةً كل مرةٍ بشكلٍ عام، من خلال الطريقة المميزة التي تخضع للتفكك الإشعاعي، ولكل نظيرٍ عملية تفكك مختلفة، كما يتفكك كلٌ منها بمعدله الخاص، ويقاس هذا التفكك بما يسمى عمر النصف، وهو الوقت الذي تستغرقه نصف العينة لتتحلل.

ويجب رصد هذه الإشارات الخفية في خضم عملياتٍ نوويةٍ أخرى، ولذلك ليس من السهل تحديد ما إذا كانت المطالبة مقنعةً أم لا، ونظرًا لهذه الصعوبات، يبدو أننا وصلنا إلى الحد الأعلى للحجم الذري، ولكن هناك سبب وجيه للبدء بالصف الثامن من الجدول الدوري.

واحتمال بدء صفٍ جديدٍ من الجدول هو أمرٌ مغرٍ؛ لأنه سيعني صنع ذراتٍ مختلفةٍ عن أي شيءٍ رأيناه في أي وقتٍ مضى، ويتم تنظيم الإلكترونات في الذرات في مجموعاتٍ تسمى مدارات، وكل طبقةٍ لديها قدرةٌ معينةٌ، وهذه المدارات تحدد كلًا من كيفية تصرف الذرات، وشكل الجدول الدوري.

وأول مدارٍ يمكن أن يستوعب اثنين فقط من الإلكترونات، هما: ذرات الهيدروجين وتملك واحدًا، والهيليوم ويملك اثنين، أما المدار الثاني فيمكن أن يحتوي على ثمانية إلكترونات، وهذا هو السبب في أن الصف الثاني من الجدول الدوري يضم ثمانية عناصر، والمدارات الأعلى يمكن أن تحتوي على المزيد من الإلكترونات.

والعناصر الأربعة الجديدة هي آخر العناصر المتبقية في الصف السابع، وإذا تمكنا من صنع العنصر (119) سيكون أول عنصرٍ في الصف الثامن، ومن ثم أول عنصرٍ معروفٍ مع إلكترون في المدار الثامن، وهذه العناصر المتطرفة قد تخرق القواعد التي تحكم الجدول الدوري.

والعناصر الموجودة في العمود نفسه من الجدول لها خصائص مشابهة، ذلك لأن مداراتها الخارجية شُكِّلت بالطريقة نفسها، مثلًا: العناصر الموجودة في العمود أقصى اليسار هي كلها معادن التفاعلية، ولديهم جميعًا إلكترونًا واحدً في المدار الخارجي، وهو وضعٌ غير مستقرٍ، أي أن الذرة مُعرضةٌ لخسارة هذا الإلكترون الوحيد.

وعلى النقيض من ذلك، فإن العناصر الموجودة في العمود الأيمن الأيسر تحتوي جميعها على مجموعةٍ كاملةٍ من الإلكترونات، وهذا يعني أنها غير فعالةٍ للغاية، ولذلك تسمى: (الغازات الخاملة)، ولكن هذه القواعد قد لا تسري على العناصر الثقيلة جدًا، وفي ذراتها، تكون الإلكترونات القريبة من النواة مقيدةً بشدةٍ بالنواة المشحونة إيجابيًا التي تسافر بسرعةٍ هائلةٍ، لذلك هي سريعةٌ بحيث تنطبق عليها نظرية أينشتاين للنسبية الخاصة، التي تنص على أن الأجسام التي تتحرك بسرعةٍ قريبةٍ من سرعة الضوء تكتسب كتلة.

ومن أجل ذلك، تصبح الإلكترونات الداخلية أثقل، وهذا له تأثيرٌ تدريجيٌ على الإلكترونات الخارجية التي تحدد السلوك الكيميائي للعنصر؛ لأن الإلكترونات تتحسس حركات بعضها البعض بفضل شحنتها الكهربائية.

والنتيجة هي أن الآثار (النسبية) يمكن أن تعني أن العنصر الثقيل جدًا لا يتصرف كما نتوقع، ويبدو أن هذا هو الحال بالنسبة للروثرفورديوم العنصر (104)، ودونيوم العنصر (105)، ولكن هذا ليس حال السيبورجيوم العنصر (106)، أو الهاسيوم العنصر(108).

وحتى دراسة هذه الآثار هي عملٌ تقنيٌ مذهلٌ، فهو يتطلب دراسة السلوك الكيميائي لعددٍ من الذرات التي توجد فقط لبضع ثوانٍ.

وأكثر من ذلك، تميل العناصر الفائقة الثقل إلى التفكك بشكلٍ أسرع كلما أصبحت أثقل، وهذا يعني أنه سيكون من الصعب على نحوٍ متزايدٍ ليس فقط دراستها كيميائيًا، ولكن حتى الكشف عنها مرةً واحدةً،

على نحوٍ مماثلٍ، فإنه من الممكن تقدير مدى استقرار هذه النواة الكبيرة، ويبدو أنها سوف تستمر طويلًا بما فيه الكفاية للدراسة إذ تم صنعها، لذلك يبدو أنه لا يوجد سبب من حيث المبدأ يمنعنا من أن نبدأ بالصف الثامن من الجدول الدوري.

وفي الواقع، إن العناصر الثقيلة جدًا قد لا يقل استقرارها كلما ثقلت بشكلٍ دائمٍ، وقد يكون هناك بعض النواة طويلة الحياة نسبيًا، موجودة في مناطق الاستقرار، وهذا يعتمد على أعداد النيوترونات، وكذلك أعداد البروتونات.

وقد وجد الفيزيائيون النوويون أن البروتونات والنيوترونات في النواة، منظمة في مدارات، شأنها شأن الإلكترونات، وهذه المدارات المليئة تتوافق مع (الأرقام السحرية)، وتؤدي بشكلٍ خاصٍ إلى نواةٍ مستقرة.

ولنواة الهليوم، والأكسجين، والكالسيوم، والقصدير، والرصاص كلها، مداراتٌ مليئةٌ من البروتونات، مما يجعلها مستقرةً بشكلٍ خاص، وقد تمنح مدارات النيوترونات الاستقرار أيضًا، ونظير الرصاص-208 هو سحريٌ بشكلٍ مضاعف، بوجود مدارات مملوءة بكل من البروتونات والنيوترونات.

ومن الصعب للنواة فائقة الثقل، القيامَ بالحسابات التي تكشف عن هذه الأرقام السحرية؛ لذلك تعد تلك الأرقام هي الأقل وضوحًا.

وكان يعتقد أن نظيرين من العنصر (114) المسمى فليروفيوم، تيمنًا بالعالم النووي الروسي جورجي فليروف، سيكونان مضاعفي السحر، ومن ثم مستقرين نسبيًا، وكان لهذه النظائر (184) و(196) من النيوترونات على التوالي، ويطلق عليها: (فليروفيوم – 298)، و(فليروفيوم – 310)، وعلى كل حال، يبدو الآن أن هذه المنطقة الخاصة من الاستقرار قد لا تتحقق حتى العنصر (122).

ومع ذلك، قد يكسب فليروفيوم بعض الاستقرار من آثار المدار النووي، ومن المتوقع أن يكون عمر النصف لـ (فليروفيوم – 298) حوالي 17 يومًا، وهو أمرٌ هائلٌ بالنسبة لمعايير العناصر الثقيلة جدًا، وأطول النظائر حياةً حتى الآن، هو: (فليروفيوم – 289)، الذي يبلغ عمر النصف له 2.6 ثانية فقط.

وليس من الواضح ما إذا كانت أي العناصر فائقة الثقل ستستمر طويلًا بما فيه الكفاية، لتتراكم في كتلٍ كبيرة، ذرة تليها ذرة، ولكن يبدو من غير المرجح حدوث ذلك، وفي الواقع أفضل ما يمكن أن نأمله هو أن تتجمع بضعة ذرات مع بعضها لعدة أيام.

وأبعد من ذلك، هل هناك نقطة تكون عندها الذرات ثقيلة جدًا بحيث أنها ببساطة لا يمكن أن توجد؟

يعتقد الفيزيائي الأمريكي ريتشارد فينمان ذلك، وقد أجرى حسابًا اقترح من خلاله أنه من المستحيل صنع ذرة مع 137 بروتونًا في النواة.

والسبب هو أن الإلكترونات الأعمق، تلك الموجودة في الطبقة الأولى، ليس لها مدار مستقر، وبعبارة أخرى، إن نواة العنصر (137) لم تعد قادرةً على التمسك بإلكتروناتها.

ومع ذلك، وضع فينمان في حسابه تقريبًا أن حجم النواة معدوم، وهو بالطبع غير صحيح، فعندما تتم الحسابات بشكل أكثر دقة، يبدو أن لا شيء غير مرغوب فيه يحدث لطاقات الإلكترونات الأعمق حتى العدد الذري (173)، وحتى في ذلك الحين يمكن أن تظل الذرات مستقرة، ولكن بنفس الطريقة شيء غريب سيحدث، مثل كل شيءٍ آخر في هذه المقاييس الصغيرة، كل شيء يقودنا إلى ميكانيكا الكم.

تخبرنا ميكانيكا الكم، من بين أشياء أخرى غريبة، أن أزواجًا من الجسيمات يمكن أن تطفو في بعض الأحيان إلى الوجود من العدم، وواحدة من الجسيمات سوف تكون مصنوعةً من المادة، والأخرى من المادة المضادة، مثلًا: يمكن للجسيم أن يكون الإلكترون، والآخر نظيره من المادة المضادة البوزيترون، وفي الحالة الطبيعية، ينهار هذان الجسيمان على الفور ويفنيان بعضهما.

اتضح أن الإلكترونات الأعمق للعنصر (173) قد تكون في حالةٍ غير عاديةٍ، وغير مستقرةٍ يمكنها أن تستدعي هذه الجسيمات الافتراضية.

وإذا تم طرد أحد هذه الإلكترونات من مداره، عن طريق ضربه بأشعة إكس مثلًا، فإنه سيترك ثقبًا خلفه، وسيتم ملء هذا الثقب بواسطة الإلكترون الذي سيظهر من لا شيء، ولكن من أجل أن يتشكل هذا الإلكترون يجب أن يتشكل أيضا البوزيترون، الذي سينبعث من الذرة.

وبعبارةٍ أخرى، إن السحب الإلكترونية لهذه العناصر الضخمة حقًا قد تنفجر أحيانًا على شكل جسيمات من المادة المضادة.

لذلك حتى لو لم يكن هناك نهاية للجدول الدوري، قد تكون هناك أشياءٌ غريبة تنتظرنا على المدى البعيد، وما إذا كنا سوف نتمكن من استكشاف هذه العناصر المتطرفة في وقت ما فهي مسألة أخرى تمامًا.


  • ترجمة: محمود ليلى.
  • تدقيق: رجاء العطاونة.
  • تحرير: زيد أبو الرب.

المصدر