يمكن إيقاف نمو بعض أورام الدّماغ العدوانيّة عن طريق الحدّ من وصولها إلى جزيئات تأشير معيّنة منتَجة من قبل الخلايا العصبية في الدماغ، تبعًا لدراسة جديدة أجراها باحثون من مدرسة الطب في جامعة ستانفورد.

وجد الباحثون أنّه عند غياب جزيئة التأشير neuroligin-3، أو عند مقاطعة إشارتها بالأدوية، يمكن إيقاف انتشار سرطان بشري يدعى الورم الدّبقي المتطور -high-grade gliomas في أدمغة الفئران.

نشرت هذه الدراسة عبر الانترنت في دوريّة الطبيعة Nature للطّالب الخرّيج حمزة فينكاتيش -Humsa Venkatesh.

تقول ميشيل مونجي (Michelle Monje ) الحائزة على درجة الماجستير MD، و الدكتوراه PhD، أستاذ مساعد في طبّ الأعصاب والمشرفة الأولى لهذه الدراسة: « باعتقادنا، أنّه عندما نضع خلايا الورم الدّبقي في أدمغة فئران منقوصة الجزيئة neuroligin-3 بإمكان ذلك إنقاص النمو الورمي إلى حدٍّ ما.

ما توصلنا إليه أذهلنا حقًّا: ببساطة، لم تنمُ هذه الأورام الدّماغية لأشهر عدّة.»

وأضافت: « تقترح هذه النتائج أن مقاطعة إشارة الجزيئة neuroligin-3 بإمكانها أن تكون استراتيجية مفيدة في السيطرة على الأورام الدّبقية المتطورة عند الأدمغة البشرية المصابة.»

تعرف الأورام الدبقية عالية الدرجة على أنها مجموعة من الأورام الدماغية المميتة التي تتضمن الورم الأرومي الدبقي عند البالغين وهو سرطان الدماغ الذي يعاني منه السيناتور الأمريكي جون ماكين من ولاية أريزونا، وورم الدبقيات قليلة التغصن الكشمية-أي فاقدة التمايز- (anaplastic oligodendroglioma)، و الورم الأرومي الدبقي عند الأطفال، وورم أطفال يدعى الورم الدبقي الجسري المنتشر داخلي المنشأ (diffuse intrinsic pontine glioma) أو اختصارًا (DIPG)، وقد ظهرت معدلات البُقيا على مدى خمس سنوات كالتالي: 60% لحالات ورم الدبقيات قليلة التغصن الكشمية، وحوالي 10% لحالات الورم الأرومي الدبقي عند البالغين والأطفال، معدومة عمليًا فيما يتعلق بحالات الـDIPG.

وهناك حاجة ملحة لطرق علاج جديدة.

سرق الآلية الطبيعيّة

بُنيت النتائج الجديدة على دراسة سابقة نُشرت من قبل فريق د.مونجي في 2015.

في ذاك الوقت، أظهر العلماء أنّ جزيئة neuroligin-3 قد حرّضت نمو الورم الدبقي المتطور.

كان هذا الاكتشاف مذهلًا، لأنّ جزيئة التأشير neuroligin-3 تشارك في الآلية الطبيعية لرأب العصب (المرونة العصبية) في الدماغ السليم، وإنّه لمفهوم جديد إمكانية السرطان سرق وظيفة طبيعية في الدماغ لتمكين نموه.

في الدراسة الجديدة، اختبر فريق د.مونجي فئرانًا تلقّت تحويرًا وراثيًّا بحيث تكون أدمغتها محجوبة الـ neuroligin-3. امتلكت هذه الفئران أدمغة طبيعيّةً تقريبًا.

إلّا أنّه عند زرع أي نمط من أنماط الورم الدبقي في أدمغتها، لم تستطع الخلايا السرطانية التكاثر.

هذا الركود في النمو بقي قائمًا لعدّة أشهر.

تقول د.مونجي: «إنّ حجب جزيئة التأشير لا يؤدي إلى قتل الخلايا السرطانية، لكنّها بالمقابل توقف نموها» وأضافت: « لكن بعد مرور 4 أشهر ونصف من الزّرع، أبطلت بعض الأورام اعتمادها على جزيئة التأشير وشرعت بالنمو مجدّدًا»

تأثير نوعي على الأورام الدبقية المتطورة

كما حاول العلماء زرع خلايا سرطان ثدي بشرية في أدمغة فئران محجوبة الـ neuroligin-3.

تبيّن أن حجب جزيئة التأشير لم يؤثر على نمو الخلايا السرطانية المزروعة، مظهرًا أن هذا التأثير نوعيّ للأورام الدبقية المتطورة.

وكانت تأثيرات الركود في النمو، مع بقائها محفوطة عبر أصناف مختلفة من الورم الدبقي عالي الدرجة، شديدة بشكل غير متوقع، ولمعرفة السبب، أجرى الباحثون تجارب تالية تفحصت الإشارات الخلوية المتطورة في دور الـ neuroligin-3 في انقسام خلايا الورم الدبقي، والتي أوضحت بدورها أن الـ neuroligin-3 يفعل عدة مسالك للإشارة المحرضة للسرطان، ويزيد أيضًا التعبير الجيني المعنيّ بالتكاثر الخلوي، وتحريض الخباثة، ووظائف قنوات البوتاسيوم و المشابك العصبية.

ويعتقد الباحثون الآن أن الـ neuroligin-3 هو أكثر من حارس بوابة انقسام الخلايا الورمية الدبقية، رغم الحاجة للمزيد من البحث لتوضيح دوره الدقيق، كما تقول مونجي.

استقصى الفريق أيضًا ما إذا كان لحجب neuroligin-3 قدرة استطبابيّة في علاج الأورام.

فاختبر الباحثون ما إذا كان بالإمكان إيقاف نمو الخلايا السرطانية باستخدام مثبطين اثنين للـ neuroligin-3، بالعمل على فئران تمتلك أنظمة إشارة neuroligin-3 طبيعية في الدماغ ومصابة بأورام دبقية بشرية عالية الدرجة.

أحد المثبطات آنفة الذكر لم يتم اختبارها سباقًا على الإنسان، فيما بلغ الآخر المرحلة الثانية من الفحوص السريرية كعلاج كيميائي فعّال لأشكال أخرى من السرطان المتشكلة خارج الدماغ.

خفّض كلا المثبطين نمو الأورام بشكل كبير خلال اختبار قصير المدى، مقترحين بذلك أنّ استراتيجية تثبيط إفراز الـ neuroligin-3 قد يفيد علاج مرضى هذا النمط من السرطان.

المضي قدمًا نحو العلاج:

تقول مونجي: « إنّنا نمضي قدمًا نحو تحقيق العلاج، ننهج للعمل مع شركة تملك مركّبًا مميزًا سريريًّا جاهدين في إخضاعه لفحوص سريرية عند مرضى أورام دماغية، أكملت: «تثبيط جزيئة التأشير لن يمثّل شفاءً للأورام الدبقية المتطورة، مذ أنّه لا يقتل الخلايا السرطانية.»

تطمح الباحثة في نهاية المطاف إلى مشاركته مع استراتيجيات علاجية أخرى مستهدفين بها الأورام.

تقول: « يجب علينا استهداف الورم من زوايا مختلفة لنتمكن من علاجه.

لكن بأخذ حجم دمار الأورام بعين الاعتبار، يكون احتمال استخدام تقنية تثبيط جزيئة التأشير لإبطاء تطور الورم مصدر أمل حقيقي.

أي إطالة قابلة للعد في الحياة، وأي تحسن في مستوى المعيشة هو انتصار حقيقي لهؤلاء المرضى.


  • ترجمة: مريم عيسى
  • تدقيق: أسمى شعبان
  • تحرير: عيسى هزيم
  • المصدر