اكتشف العلماء مادةً كميةً جديدةً قد تمثل مستقبل الذكاء الاصطناعي، وهذا ليس بسبب أنها تستطيع الاحتفاظ والتعامل مع كمٍ كبيرٍ من المعلومات، بل لأنها تقوم بالعكس!!.

دائمًا ما يُشار للعقل البشري على أنه أعقد وأقوى حاسوبٍ معروفٍ، وأحد الآليات التي تجعله بهذا التعقيد، هو القدرة على نسيان الأشياء، وهذه خاصية يمكن محاكاتها في مادةٍ تدعى: سامريم نيكاليت (samarium nickelate).

وصرح أحد الباحثين أن: “المخ له سعة استيعابٍ محدودةٍ لكنه يعمل بكفاءةٍ نظرًا لقدرته على النسيان”، وقال العالم المتخصص في علم النانو سابريمينين سانكارانارايانان (Subramanian Sankaranarayanan) من مختبر الأرجون القومي التابع لقسم الطاقة في الولايات المتحدة: “من الصعب خلق مادةٍ غير حيةٍ يمكن أن تماثل نمط النسيان لدى الإنسان، لكننا نعمل الآن مع مادةٍ تستطيع محاكاة هذا السلوك”.

تعد مادة الـسامريم نيكاليت (samarium nickelate) التي يدرسها الفريق البحثي، مثالًا لما يدعى: البروفسكايت الكمي (quantum perovskite)، وهو هيكلٌ للكريستالات الذرية، يبدأ في تغيير درجة التوصيل الكهربائي عند التعامل معها، والتعامل معها في هذه الحالة يكون عن طريق الغمر في البروتونات (proton doping)، فيعرض الباحثون المادة لغاز الهيدروجين، مما يغير في تركيب الكريستالات للمادة على المستوي الذري، يشرح بدري نارايانان (Badri Narayanan) أحد الباحثين في الفريق، قائلًا: “عندما يقوم العلماء بإضافة أو إزالة بروتون (H+) من بنية البروفسكايت (SmNiO3 (SNO)) تقوم البنية الذرية للمادة بالتمدد والانكماش بشكلٍ كبيرٍ؛ لتتأقلم مع التغيير الحادث في عمليةٍ يطلق عليها العلماء: (عملية التنفس الذري- lattice breathing)”، وقد يبدو أن التنهدات النانوية تلك ليست هي مستقبل الحواسيب، ولكنها تقود له؛ ذلك لأن التنفس الذري يستمر وتتأقلم المادة ويبدأ التغير في خواصها الإلكترونية كاستجابةٍ لتغيير مستوى البروتونات، ومع الوقت يصبح البروفسكايت أقل حساسيةً للتغير في مستوى البروتونات، فهي مثل خوفك من نزول الماء لأول مرةٍ، ومع كل مرةٍ تنزل فيها للماء يقل خوفك وتأثرك، والتغيير الذي يحدث لك ليس فقط زيادةً في ثقتك بنفسك، لكنه أيضًا عبارة عن نسيانك لخوفك، وفي حالة البروفسكايت تَمثُل التكنولوجيا اللازمة لتكوين ذاكرةٍ يمكن أن تتلاشي بمرور الوقت.

وكما أنك لا تتذكر ماذا أكلت من شهر، تماثل هذه التكنولوجيا الذاكرة، وكيف أنها قد لا تكون جيدةً في بعض الأوقات مع أنه في الواقع أكثر أوجه هذه التكنولوجيا قوة، وذلك بسبب أننا عندما ننسى الأشياء، فنحن نفرغ مساحةً لمعلوماتٍ جديدةٍ أكثر أهمية.

فنظام التخلص من البيانات هذا مماثلٌ لما تفعله الكائنات الحية عندما تتأقلم مع منبهٍ معين، فمع الوقت تتعود عليه، وتقل استجابتها له.

وكما يصف كوسيك روي مهندس الإلكترونيات من جامعة بردو: إن “العديد من الحيوانات وحتى الكائنات التي لا تملك عقلًا تستطيع التأقلم مع أساسيات مهارات البقاء، ولذلك ندعوها سلوكًا لدى هذه الكائنات، فإذا رأيت معلومةً بشكلٍ متكررٍ فتأقلم واحفظها، لكن إن رأيتها على فتراتٍ متباعدةٍ فمع الوقت ستنساها”.

وإن كان العلماء قد لاحظوا هذه الظاهرة في المحاكاة الكمية، لكن هذا لا يعني أنهم سيصنعوا جهازًا يستطيع التأقلم على الفور، وهذه لا تزال بداية الطريق.

ويظن الفريق البحثي أن تأقلم المادة عن طريق التغيير في التوصيل الكهربائي قد يمهد الطريق لصناعة كمبيوترٍ يماثل العقل البشري بشكلٍ أكبر، بكل عيوبه، يقول كبير الباحثين في هندسة المواد في جامعة بردوا شريمرام راماناثان: “إن ما عرض في هذا البحث من استخدام العزل، والتوصيل الكهربائي لتعليم المادة يمكن زيادة دقته وضبطه، وهو إنجازٌ مهمٌ جدًا نظرًا لأنه واحدٌ من أوائل الأمثلة من استخدام مادةٍ كميةٍ بشكلٍ مباشرٍ لحل مشكلةٍ نواجهها”.

تم نشر المقالة في مجلة: Nature communications
The findings are reported in Nature Communications


ترجمة: مينا صبحي جبرائيل.
تدقيق: رجاء العطاونة.
المصدر