يُعتبر الأستاتين أندر العناصر الموجودة على سطح الأرض، فتُنتج طبيعيًا حوالي 25 جرامًا منه فقط في أي وقت.

توقَّع بعض العلماء وجوده في القرن الثامن عشر، ولكن تم اكتشافه فعليًا بعد سبعين عامًا من توقع وجوده.

مرَّت العقود بعد اكتشاف العنصر ومازلنا نعرف القليل فقط عنه.

في الواقع استنتج الفيزيائيون الكثير من خواصه الإشعاعية والتوصيلية والألوان التي يظهربها من دراستهم لباقي عناصر المجموعة الهالوجينية.

تاريخ عنصر الأستاتين

توقع (ديميتري ميندليف) – العالم الروسي الذي قام بترتيب العناصر الكيميائية في جدول دوري واحد عام 1869 والذي يُستخدم حتى الآن – خواص ذلك العُنصر المجهول الذي لابد وأن يملأ الفراغ في الخانة رقم 85، يقول (بيتر فان كروجت) – مؤرخ لتلك الفترة – أنَّ (مندليف) أطلق اسم (eka-iodine) على ذلك العنصر المجهول لأنه كان يقع تحت عُنصر اليود في المجموعة الهالوجينية.

حينما بدأت الأبحاث تُجرى حول العنصر، نشِرَت العديد من التقارير عن العنصر رقم 85 طبقًا لما جاء في إحدى المقالات عام 2010 والتي أعدَّها (بريت ثورنتون) و (شون بيرديت) وهما باحثان في السويد والولايات المتحدة الأمريكية والتي نُشرت في إحدى المجلات العلمية المختصة بالتاريخ الكيميائي.

تتضمن هذه التقارير العديد من الشكاوَى بأنَّ العنصر قد يكون غير موجودًا بالأساس، فالباحثون الذين اكتشفوا العُنصر لم يستطيعوا عزله منفردًا، وحتى إنَّ الخواص المعروفة عنه تتعارض مع نتائج الاختبارات عليه.

وعندما أراد الباحثون تحديد هوية المُكتشف الأول لهذا العُنصر حدث التباسٌ كبير،ٌ لأنَّهُ من الممكن أن يُنسب لمجموعة من الباحثين وأبرزها المجموعة التالية.

أولى الادعاءات باكتشاف ذلك العُنصر المُحير كانت في عام 1931 بواسطة (فريد أليسون) في معهد ألاباما للبوليتيكنيك، اقترح (أليسون) اسم (alabamine) للعُنصر المُشع الجديد الذي قام باكتشافه، ومع ذلك لم يستطع أي من الباحثين تكرار نفس النتائج التي حصل عليها (أليسون) ونتيجة الأخطاء العديدة التي وُجدت في المُعدات التي استخدمها، فإن الأبحاث حول هذا العُنصر العنيد استمرت بعدها، ونُشرَ هذا البحث في عدد قليل من الكتب المدرسية.

نشر (هوريا هولوبي) و(يفيتير كاشواس) باحثان في جامعة السوربون بباريس نتائج اكتشافهم للعنصر رقم 85 في عام 1938.

لقد استخدموا الفصل الكيميائي ووجدوا أيضًا ثلاثة خطوط لطيف الأشعة السينية الخاص بالعنصر وقد كانت مشابهة نوعًا ما للتوقعات السابقة.

لسوء الحظ تعطلت أبحاثهم وانقطعت الاتصالات بين العلماء والباحثين بسبب اندلاع الحرب العالمية الثانية.

أولى المحاولات المعروفة لاكتشاف عُنصر الأستاتين كانت في عام 1940 بواسطة (دالي كوسون) و(نيث روق ماكينزي) و(إيميليو سيجري) باحثون ببيركيلي في جامعة بكاليفورنيا، بسبب عدم استطاعة هؤلاء الباحثين إيجاد ذلك العنصر في الطبيعة فقد قاموا بإنتاجة داخل معاملهم عن طريق قذف عُنصر البيزموث-209 بجسيمات ألفا داخل مُسرع للجسيمات، هذا التفاعل أنتج الأستاتين-211 واثنان من النيترونات أيضًا.

كان العُنصر مُشعًا جدًا وغير مستقر مما أدى إلى تسميته (أستاتين) والتي تعني باليونانية غير المُستقر.

لاحقًا قام مجموعة من الباحثين المُستقلين باكتشاف بعض خصائص العُنصر رقم 85 في أربعينيات القرن الماضي.

(بيرتا كارليك) و(ترود بيرنيرت) أرسلوا بعض التقارير في عام 1942 لنتائج دراستهم للعُنصر والتي تتضمن أيضًا اسمًا آخر مُقترح هو (فينيوم)، ولكن نتيجةً لاندلاع الحرب العالمية الثانية بقيت تلك التقارير داخل ألمانيا ولم يُكتب لها الخروج، كما انقطعت أيضًا أي أخبار للعلماء الآخرين من أي منطقة بالعالم، لذا فلم يعرف (بيرتا) و(بيرنيرت) النتائج المشابهة التي توصَّل لها فريق بيركيلي.

حينما عَلمَ الاثنان بنتائج العلماء الآخرين بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، لم يتوقفوا عن أبحاثهم واستمرت في إضافة الكثير من الحقائق حول العنصر، فقد أضافوا الكثير حول سلسلة الاضمحلال التي يمر بها العنصر في طور تكوينه.

حقائق عن عُنصر الأستاتين

  • العدد الذري (عدد البروتونات داخل النواة): 85.
  • الرمز الذري (في الجدول الدوري العام للعناصر): At.
  • الوزن الذري (متوسط وزن الذرة): 210.
  • الكثافة: 7 جرام/سم3.
  • الحالة الفيزيائية في درجة حرارة الغرفة: الصلبة.
  • درجة حرارة الانصهار: 576 درجة فهرنهايت، 302 درجة سيليزية.
  • درجة الغليان: مجهولة.
  • عدد النظائر: (ذرات لنفس العنصر بعدد نيترونات مختلف): على الأقل 30 نظير مُشع.
  • أشهر النظائر وأكثرها شيوعًا: At-210 (مع إهمال نسبة تواجده في الطبيعة)، At-211 (مع إهمال نسبة تواجده في الطبيعة).

هل تعلم:

  • سُميَ الأستاتين بهذا الاسم نسبة إلى الكلمة اليونانية (أستاتوس) والتي تعني غير المستقر.
  • هناك فقط حوالي 25 جرام من ذلك العنصر يتم انتاجها داخل القشرة الأرضية طبيعيًا في أي وقت.
  • يُعتبر الأستاتين أثقل عناصر المجموعة الهالوجينية والتي تتشارك في العديد من الخواص مثل أنها جميعًا ليست معادن، درجة انصهارها وغليانها منخفضة، هشة حينما تكون في الحالة الصلبة، رديئة التوصيل الحراري والكهربي وثنائية الذرات (أي أن الجزيء منها يحتوي على ذرتين)
  • يُعتبر الأستاتين أقل عناصر المجموعة الهالوجينية إشعاعًا وأكثر العناصر التي تمتلك خصائص معدنية فيهم.
  • أطول النظائر في فترة نصف العمر هو At-210 وتبلغ حوالي 8.1 ساعة.
  • العديد من الخصائص حول الأستاتين ما زالت مجهولة حتى الآن بما فيها لونه، في إحدى المقالات التي نُشرت في عام 2013 بمجلة الطبيعة تنبأ (سكوت ويلبر) بلون ذلك العُنصر مُعتمدًا في دراسته على أنماط الألوان التي يتبعها باقي عناصر المجموعة الهالوجينية، فاستنتج أن لونه قد يكون غامقًا يميل إلى الأسود.
  • الأستاتين من العناصر عالية الإشعاع إلا أنه لم يُسجل حتى الآن أي مخاطر على الصحة العامة أو البيئة منه، وذلك لندرتة وقصر فترة عُمر النصف له.

وبالرغم من ذلك فإن كل من يكون على اتصال بأي شكل بذلك العُنصر يتجمع لديه كميات منه بالغدة الدرقية مثل اليود.

الأبحاث الحالية حول عنصر الأستاتين

نُدرة الأستاتين تجعل من دراستة أمرًا يكاد يكون مستحيلًا. ومع ذلك فإن بعض العلماء يعتقدون أنَّهُ من الممكن استخدامه في علاج السرطان.

الأستاتين يتصرف مثل اليود حيث أنه يتجمع في الغدة الدرقية لدى الأشخاص القريبين منه.

فحينما ينتقل إلى الغدة الدرقية وهو ما يزال في فترة إشعاعة فيمكن لهذا الإشعاع أن يقتل الخلايا المُصابة بالسرطان في تلك الغدة.

في عام 2015 نُشرت إحدى الورقات العلمية في المجلة الدولية لعلوم الجزيئات، حيث كانت مجموعة من الباحثين الفرنسيين تحت قيادة (فرانسوا كريبر) تصف طريقة لعلاج السرطان تمزج بين العلاج المناعي والعلاج الإشعاعي فتستخدم النويدات المُشعة التي تُشع جسيمات ألفا وبيتا. At-211 أحد نظائر الأستاتين قد تكون له فائدة في العلاج باستخدام جسيمات الألفا، وذلك لأنه يمتلك فترة عمر النصف أكبر من تلك النظائر التقليدية المُستخدمة مثل البيزموث-213 كما يُمكن إنتاجه أيضًا داخل مُسرعات الجسيمات. At-211

تمت دراسته من أجل ذلك الاستخدام من عام 1989 على أقل تقدير، وقد ظهرت العديد من النتائج الواعدة لتلك الدراسات، والتي تضمنت تجارب زراعة نخاع العظام لمرضى سرطان الدم، زراعة الخلايا الجذعية للفئران، وفي العلاج الكيميائي لمرضى أورام المخ.

الخلاصة من تلك الأبحاث تؤكد لنا إمكانية استخدام At-211 النظير المُشع للأستاتين في التحسين من العلاج المناعي الإشعاعي لعلاج الأورام وباقي أنواع السرطانات، خاصة اذا بدأ العلاج في مرحلة مبكرة من المرض.

هذه الطريقة في العلاج يُمكنها أيضًا قتل جميع الخلايا السرطانية التي لم يستطع العلاج الإشعاعي أو الكيميائي قتلها.


  • ترجمة: محمد خالد عبدالرحمن
  • تدقيق: هبة أبو ندى
  • تحرير: ياسمين عمر
  • المصدر