قام باحثون من جامعة هارفارد ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) بهندسة خلايا جراثيم الإشريكية القولونية (E. coli) يمكن استخدامها لدراسة الطريقة التي تستجيب بها الجراثيم في موقع العدوى للمعالجة بالمضادات الحيوية، ما يسمح للعلماء بتعلّم المزيد عن كيفية عمل المضادات الحيوية الموجودة حاليًا، وربما يساعدهم على تطوير أدوية جديدة.

فقد وجد الباحثون في الدراسة الحديثة المنشورة في عدد 31 من آب/أغسطس 2017 لدورية (Cell Host and Microbe)؛ دليلًا على أن بعض الفرضيات حول استجابة الجراثيم للمضادات الحيوية غير صائبة.

فيقول جيمس كولينز (James Collins) البروفيسور في قسم الهندسة الطبية والعلوم في معهد (MIT) للهندسة الطبية والعلوم (IMES)، وقسم الهندسة البيولوجية، وكبير محرري الدراسة: «تُظهر دراستنا أن استخدام الأحياء المهندَسة قد يلقي الضوء على مواقع العدوى، ويوسّع فهمنا لما تقوم به المضادات الحيوية فعلًا، ويشير هذا البحث أن بعض افتراضاتنا قد تكون خاطئة».

علمًا أن المؤلفة الرئيسة للبحث هي لورا سيرتن (Laura Certain) زميلة سريرية في معهد هارفارد ويس للهندسة الموحاة بيولوجيًا.

هندسة الجراثيم:

يركّز معظم البحث في مختبر البروفيسور كولينز على محاولة فهم طريقة عمل المضادات الحيوية، أملًا في تصميم أدوية أكثر فعالية، وأراد كولينز في الدراسة الحديثة أن يطبق البيولوجيا الصنعية -وهي بناء دارات جينية جديدة في الخلايا الحية- لتصميم جراثيم يمكن استخدامها لدراسة المضادات الحيوية والعدوى.

تعتمد معظم الدراسات حول آلية عمل المضادات الحيوية على خلايا جرثومية مزروعة في طبق مخبري، لكن اشتبه كولينز وسيرتن أن تأثير هذه الأدوية قد يكون مختلفًا في الحيوانات الحية، لأن تلك البيئة -بما يتضمن المغذيات المتوفرة والشروط الأخرى- مختلفة جدًا عن طبق مخبري.

وللسماح بدراسة المضادات الحيوية تحت شروط أكثر واقعية، قام الباحثون بهندسة سلالة من جراثيم (E. coli) تعبّر عن مفتاح فصل كهربائي جيني ينقلب تحت شروط خاصة فقط، ويمكن تضمين مفاتيح كهذه في الجراثيم للسماح لها بتسجيل أحداث كالتعرّض لمادة كيميائية.

وفي هذه الحالة، صمّم الباحثون الجراثيم لإظهار ما إن كانت تنقسم أم لا، ما أتاح لهم اكتشاف تأثير المضادات الحيوية على الخلايا بكلتا الحالتين، فقد وجدت دراسات سابقة مطبّقة على جراثيم مزروعة في طبق مخبري أن معظم المضادات الحيوية تؤثر بشكل أفضل على الخلايا المنقسمة، بينما تكون الخلايا غير المتضاعِفة أصعب قتلًا بكثير.

ونقل الباحثون الجراثيم إلى الفئران مع غِرسة صغيرة تقويمية للعظام، وذلك لمحاكاة العدوى التي تحدث عادةً في مواقع الغِرسات الطبية، ثم عولجت الفئران بالمضاد الحيوي ليفوفلوكساسين (levofloxacin)، مع إزالة الخلايا ومعالجتها بـ(ATC)، وهو جزيء يدير مفتاح الفصل الكهربائي في الخلايا المتضاعفة فقط قبل المعالجة وبعدها.

وقد افترض العلماء من دراسات سابقة أن العداوى المزمنة تتألف عادةً بشكل كبير من جراثيم غير منقسمة، ولكن في هذه الدراسة، وجد الباحثون أن حوالي نصف الجراثيم قبل المعالجة بالمضادات الحيوية كانت ما تزال تنقسم بشكل فعال.

كما تبيّن أن الليفوفلوكساسين عالي الفعالية ضد الخلايا غير المنقسمة، وربما أكثر من فعاليته ضد الخلايا المنقسمة، على عكس ما كان مشاهدًا في الخلايا المزروعة في طبق مخبري، ولاحظ الباحثون ازدياد نسبة الخلايا المتضاعفة بعد المعالجة، ما يقترح أن الليفوفلوكساسين لم يقتل جميع تلك الخلايا.

وظهرت نتيجة مفاجئة أخرى ناقضت فرضية العلماء بأن العداوى المزمنة المستمرة المتألفة من جراثيم غير منقسمة تكون عالية التحمّل للمضادات الحيوية؛ إذ تبين أن العداوى ما زالت حساسة للمضادات الحيوية عندما أعطيَت بجرعات عالية بما يكفي.

المزيد للتعلّم:

يقول كولينز أن هذه الدراسة توضّح وجود المزيد ليتعلمه العلماء عن آلية عمل المضادات الحيوية، ويقترح أن الأحياء المهندَسة قد تكون مفيدةً في استقصاء تأثيراتها أكثر، فيقول: «سيتحدى ذلك الناس أن يعيدوا التفكير فيما تقوم به المضادات الحيوية في موقع العدوى»، ويكمل: «أعتقد أن هذه الأدوات البيولوجية الصنعية قد تكون مفيدة جدًا في تطوّر المضادات الحيوية، لمعرفة ما إن كانت هذه الأدوية تصل إلى العامل الممرض المطلوب، ومدى فعاليتها، وما تقوم به حقًا في هذا الموقع».

كما يضيف أن مفتاح الفصل الكهربائي الجيني يمكن أن يُنقَل بسهولة لأنواع أخرى من الجراثيم، كما يمكن أن يصمَّم لاختبار صفات أخرى، كآلية تفاعل الجراثيم مع الخلايا المناعية في موقع العدوى، وقد تستخدَم هذه المقاربة أيضًا في دراسة الأفلام الحيوية -وهي صحائف دبقة من خلايا جرثومية قد تكون إزالتها صعبة جدًا- وعوامل ممرضة أخرى كالفطور.


  • ترجمة: سارة وقاف.
  • تدقيق: دانه أبو فرحة.
  • تحرير : زيد أبو الرب.

المصدر