أمر غريب لكنه حقيقي!

في أواخر عام 2004 ذكرت قاعدة بيانات أفلام الإنترنت أن الممثل داستن هوفمان كانت لديه رغبة مفاجئة في الرضاعة الطبيعية.

هل كان هوفمان البالغ من العمر 67 عامًا شخصية مختلة؟ كلا، كان فقط حريص جدًا على مساعدة حفيده الأول.

ومن المثير للاهتمام أنه كان يمكن أن يكون قد قدّم مساعدة إذا كان قد حمل الوليد الرضيع إلى حلماته لمدة أسبوعين، ومن الممكن أيضًا أنه حاول تجويع نفسه أو تناول الدواء الذي من شأنه أن يؤثر على الغدة النخامية في الدماغ.

كان هناك عدد لا يحصى من الأوصاف الأدبية للرجل الذي قد يرضع -وبأعجوبة- الطفل رضاعة طبيعية، من التلمود إلى تولستوي، حيث في آنا كارنينا، هناك حكاية قصيرة لطفل يرضع من صدر رجل إنجليزي أثناء وجوده على متن سفينة.

تشير الدلائل الأنثروبولوجية الصغيرة الموثّقة إلى أنه أمر الممكن.

في خلاصة 1896 للحالات الطبية الشاذة والصفات الغريبة، جورج جولد (George Gould) ووالتر بايل (Walter Pyle) فهرسا عدة حالات تمّ رصدها لذكور يقومون بالإرضاع.

وكان من بين هؤلاء رجل من أمريكا الجنوبية، لاحظه عالم الطبيعة البروسي ألكسندر فون همبولدت (Alexander von Humboldt)، الذي أصبح بديلًا للمرضعة بعد أن مرضت زوجته.

وكذلك المبشرين الذكور في البرازيل الذين كان حليبهم هو مصدر الغذاء الوحيد لأطفالهم لأن زوجاتهم لديهن أثداء واهنة.

وفي الآونة الأخيرة، نشرت وكالة الأنباء الفرنسية قصة قصيرة في عام 2002 عن رجل يبلغ من العمر 38 عامًا في سريلانكا، كان قد تولى إرضاع ابنتيه خلال طفولتهما بعد وفاة زوجته أثناء ولادة طفلتها الثانية.

ادّعت عالمة الأنثروبولوجيا الطبية دانا رفائيل (Dana Raphael) في كتابها الصادر عام 1978 (هدية العطاء: الرضاعة الطبيعية)، أن الرجال يمكن أن يحفزوا الرضاعة ببساطة عن طريق تحفيز حلماتهم.

واتفق عالم الغدد الصماء البارز روبرت جرينبلات (Robert Greenblatt) من كلية الطب في جورجيا مع هذا المفهوم.

ولكن جاك نيومان (Jack Newman) وهو طبيب مقيم في تورونتو وخبير في الرضاعة الطبيعية، يصرّ على أنه من أجل إنتاج الحليب يجب أن يحدث ارتفاع هرموني.

يقول: «إن اقتباس تولستوي يقترح أن مجرد وضع الأب للطفل على الثدي سوف ينتج الحليب، وهذا من غير المرجح جدًا»، وأضاف: «يمكن أن يكون لدى هذا الرجل ورم في الغدة النخامية، وينتج الحليب بمجرد أن يبدأ الطفل بالرضاعة».

ويوضح نيومان أن الاضطرابات الطبية التي تشمل البرولاكتين، وهو الهرمون اللازم لإنتاج الحليب، أسفرت عن الرضاعة التلقائية.

ثورازين (Thorazine) وهو مضاد للذهان استُخدم في منتصف القرن العشرين، أثّر على الغدة النخامية، مما تسبب في الإفراط في إنتاج البرولاكتين.

إذا بقيت مستويات البرولاكتين مرتفعة، يمكن أن يؤدي إلى إنتاج الحليب.

وفقًا لنيومان، تُذكر الرضاعة كأثرٍ جانبي ممكن لـ ديجوكسين (digoxin) وهو دواء يستخدم لعلاج بعض أمراض القلب.

يمكن أيضًا لورم الغدة النخامية أن يحفز إنتاج الحليب: «سيكون نفس السبب، وهو زيادة مستويات البرولاكتين بسبب الورم أو أي نوع آخر من المشاكل العصبية».

في مقال نشر في عام 1995 بعنوان (حليب الأب)، يقول المؤلف الحائز على جائزة بوليتزر وعالم الفسيولوجي جاريد دايموند (Jared Diamond) أن تحفيز الحلمة ومشاكل الهرمونات يمكن أن تؤدي إلى إطلاق هرمون البرولاكتين.

ويلاحظ أيضًا أن الجوع -الذي يثبط عمل الغدد المنتجة للهرمونات وكذلك عمل الكبد الممتص للهرمونات- يمكن أن يسبب الرضاعة التلقائية، كما لوحظ في الناجين من معسكرات الاعتقال النازية ومخيمات أسرى الحرب اليابانية في الحرب العالمية الثانية.

«تتعافى الغدد أسرع بكثير من الكبد عندما يتم استئناف التغذية الطبيعية»، ويضيف: «حيث ترتفع مستويات الهرمون».

الذكور من العديد من أنواع الثدييات المختلفة لديها القدرة على الإرضاع، وبالرغم من ذلك فان خفافيش الفاكهة داياك من جنوب شرق آسيا، تفعل ذلك بشكل عفوي.

ومع ذلك، يشير دايموند إلى أنه مع القاعدة الاجتماعية للآباء الذين يساعدون في تربية صغارهم، فإن إنتاج الحليب يمكن أن يكون في صالحنا، وخاصة مع النساء اللواتي يحاولن تحقيق التوازن بين متطلبات العمل والأسرة.

لماذا لا يزال للرجال حلمات؟

يقول نيومان: «حتى سن معينة، لا يمكن تمييز الأولاد والبنات، كأجنة، لذلك تحتفظ النساء ببعض بقايا الأسهر، وهي القناة التي تعبر خلالها الحيوانات المنوية».

«إذا لم يكن لديك كروموسوم Y، يتم إنتاج هرمونات معينة تقول: “حسنًا، سنقوم بإعداد نسيج الثدي لهذا الطفل لينمو عند سن البلوغ حتى تكون قادرة على إنتاج الحليب”.

لا تفرز لدى الرجال تلك الهرمونات، لذلك نحن عادة لا نمتلك أثداءً كبيرة».

يقول نيومان: «في الواقع عدد كبير من الأولاد تنمو لديهم الأثداء لحدّ معين أثناء البلوغ.
النسيج موجود، لكنه يتراجع».
وباختصار، قد لا يكون للرجل ثدي كامل ولكن بالتأكيد يمكنه أن يُرضع وينتج الحليب، في ظل ظروف معينة.
________________________________________
• ترجمة: بشار الجميلي
• تدقيق: دانه أبو فرحة
• تحرير: عيسى هزيم
المصدر