في الحقيقة، إنَّ معرفةَ مَن الذي اخترع السيارة ليس بالأمر السهل، فتاريخُ السيارات طويلٌ بما يكفي ليُثيرَ الشكوك حولَ مُخترع السيارة، ولكن إذا ما عُدتَ بهذا التاريخ إلى الوراء، وتفحصتَ مثلًا تاريخَ السيارات المزوّدة بنظام تحديد المواقع العالمي، وكذلك تاريخ الفرامل وناقل الحركة الأوتوماتيكي Automatic transmission، مرورًا بتاريخ سيارة فورد موديلT، فسينتهي بك المطاف أخيرًا عند سيارة بنز، ذاتِ العجلاتِ الثلاث، والتي تُعرَفُ اليوم باسم موتورفاغن Motorwagen.

من هو مخترع السيارة

ويعود اختراع سيارة بنز إلى كارل بنز Karl Benz الذي حصل على براءة اختراع عنها في العام 1886.

كما حصل بنز على العديد من براءَات الاختراع عن العديد من التصاميم الخاصة به كنظام الخنق “نظام التحكم بكمية الهواء الداخلة إلى المحرك” Throttle system، وكذلك شَمع الاحتراق Spark plugs، والمقبض الناقل للحركة gear shifter، وشبكة التبريد أو المشعاع Water radiator(والذي يُستخدَم لتبريد الأجزاء الداخلية لمحرك الاحتراق الداخلي في المركبات)، وكذلك المُكربن أو كما يُسمّى الكاربريتر Carburetor (وهو جهاز لخلط الهواء مع الوقود قبل ضخ المزيج لمحرك الاحتراق الداخلي)، بالإضافة إلى العديد من أساسيات السيارة.

وكذلك بنى بنز شركة السيارات التي ماتزال موجودة حتى اليوم، والتي تُعرَف باسم مجموعة دايملر Daimler Group. وبالنسبة للكثيرين يوف بنز بأنه هو مخترع السيارة.

تاريخ اختراع السيارة

فبالرغم من أن اختراع السيارة سُجِّلَ باسم كارل بنز إلا أن الفضل في اختراعها يعود إلى العديد من العلماء والمبدعين الذين مرُّوا عبر العصور، مثلَ ليوناردو دافنشي الذي رسم عربة ميكانيكية في أوائل القرن السادس عشر، ويوجد نسخة مطابقة لهذه الرسمة معروضة في قصر Clos Lucé مسكَن ليوناردو الأخير والذي أصبح اليوم متحفًا.

كما بنى الهولندي سيمون ستيڤن Simon Steven في العام 1600 مركبة إبحارٍ تدفعُها الرياح، كتلك التي كانت تُستخدَم في الصين، والتي، وفقًا لشركة General Motors، استطاعت أن تحمل 28 شخصًا، وأن تقطعَ بهم مسافةَ 39ميل(63كم) خلال ساعتين.

تاريخ اختراع محرك الاحتراق الداخلي

يُعَدُّ محرك الاحتراق الداخلي جزءً أساسيًا من السيارات العصرية، ويستخدمُ هذا النوع من المحركات احتراقًا إنفجاريًا للوقود وذلك من أجل دفع مكبسٍ داخلَ أسطوانة، فتقوم حركة المكبس الدورية بتدوير العمود المِرفقي (عمود الكرنك)، والذي يتصل بعجلات السيارة.

ويمتلك محرك الاحتراق الداخلي تاريخًا طويلاً:

  • في العام 1680 وضع العالم المشهور كريستيان هويغنز Christiaan Huygens تصميمًا لمحرك يعمل بالبارود، دونَ أن يقوم بصنعه.
  • في العام 1826 أجرى الإنكليزي صامويل برون Samuel Brown تعديلًا على محركٍ بخاريٍّ، لكي يحرق البنزين، لكنَّ السيارات البترولية التي كانت تعمل بهذا المحرك لم تلاقِ إقبالًا واسع النطاق.
  • في العام 1858 حصلَ جيان جوزيف إتيان لينوار Jean Joseph-Etienne Lenoir على براءة اختراع عن محرك الاحتراق الداخلي المزدوج ذي شرارة الاحتراق الكهربائية، والذي يعمل بغاز الفحم.
  • ومن ثمَّ طوَّرَ إتيان محركَه ليعملَ بالنفط، واستخدمه في عربة ذات ثلاث عجلات، وقد استطاعت هذه العربة أن تقطعَ مسافة 50ميل.
  • في العام 1873 طوَّرَ المهندس الأمريكي جورج برايتون George Brayton محرك الكيروسين ثنائي الضربة، والذي اُعتبِرَ المحرك الأول الآمن الذي يعمل بالنفط.
  • في العام 1876 حصل نيكولاس أوتو Nikolaus August Otto على براءة اختراع عن المحرك رباعي الضربة.
  • في العام 1885 اخترع الألماني غوتليب دايملر Gottlieb Daimler النموذج الأولي لمحرك البنزين الحديث.
  • في العام 1895 حصل المخترع الفرنسي رودولف ديزل Rudolf Diesel على براءة اختراع عن محرك الديزل.

اختراع السيارات الكهربائية

وفقًا لوزارة الطاقة الأمريكية، فإن السيارات الكهربائية كانت متوافرة في منتصف القرن التاسع عشر، إلا أنها لم تعد تحظى بالاستحسان بعد أن طوَّرَ هنري فورد Henry Ford سيارتَه فورد موديل T.

وبالرغم من ذلك، فإن السيارات الكهربائية عادت مجددًا إلى الأسواق في السنوات الأخيرة، ففي العام 2016 بيعَ أكثر من 159ألف سيارة كهربائية في الولايات المتحدة، وإنَّ أكثر من نصف هذه السيارات بيعت في كاليفورنيا وحدها.

وتمتلك السيارات الكهربائية تاريخًا طويلًا يجعلُ من الصعب أن نحدد من هو مخترع السيارة الكهربائية الأول.

ولكن وفقًا لموقع AutomoStory فإن اختراع السيارة الكهربائية يُنسب إلى كُلٍّ من المخترع الإسكتلندي روبيرت أندرسون Robert Anderson والمخترع الأمريكي توماس دايڤنبورت Thomas Davenport ويعود ذلك إلى ثلاثينيات القرن التاسع عشر أي قبل قرابة 200 عام.

وفي العام 1865 اخترع الفيزيائي الفرنسي غاستون بلانتي Gaston Plante أول بطاريةٍ قابلةٍ لإعادة الشحن، واقد استبدل بها البطاريات غير القابلة لإعادة الشحن المُستخدَمة في النماذج الأولى للسيارة الكهربائية.

ومن ثمَّ طوَّرَ الكيميائي الفرنسي فوري Camille Faure بطاريات الرصاص التي اخترعها بلانتي، ليجعلَ من السيارات الكهربائية خيارًا قابلًا للسائقين.

في حين أصبح ويليام موريسون William Morrison في العام 1891 أول من يصنع سيارة كهربائية في الولايات المتحدة الأمريكية.

وقد بنى سائقُ سيارات السّباق البلجيكي Camille Jénatzy سيارةً كهربائية تدعى La Jamais Contente سجَّلَ بها في العام 1899 رقمًا قياسيًا بلغَ 62 ميل في الساعة(100كم/س).

وفي العام 1900 اخترع مهندس السيارات الألماني فيرديناند بورش Ferdinand Porsche أول سيارةٍ هجينة. لذا هو مخترع السيارة الهجينة.

في حين طوَّرَ توماس أديسون Thomas Edison في العام 1907 بطاريةً قلويّة من معدن النيكل أقلَّ خطورةً من بطاريات الرصاص الحمضية المُستخدَمة في السيارات، وتدوم لمدة أطول منها.

لكنَّ هذه البطارية لم تُناسب المستهلكين، بسبب التكلفة الأوليّة المرتفعة، غيرَ أنَّ العديد من الشركات اعتمدت على هذه البطارية في شاحنات النقل وذلك بسبب جودتها.

وظلَّت شعبية السيارات الكهربائية تتزايد باستمرار، فوفقًا لمجلة Smithsonian، فإنَّ سيارتَين من أصل ستة شاركن في سباق السيارات الأول في الولايات المتحدة الأمريكية، والذي أُقيمَ في العام 1895، كانتا كهربائيتَين.

ووفقًا لوزارة الطاقة الأمريكية، فإنه بحلول العام 1900 امتلكت خدمة سيارات الأجرة لمدينة نيويورك 60 سيارةً كهربائية، وحوالي ثلثُ السيارات في الولايات المتحدة الأمريكية كانت كهربائية، ولكن عندما قدّم هنري فورد سيارتَه Model T في 1908، أصبحت هذه السيارة الرخيصة ذات المواصفات العالية والتي تعمل بالبنزين، أكثر شعبية، في حين بدأت شعبية السيارات الكهربائية بالتراجع.

وبحلول عشرينيات القرن الماضي، أصبح البنزين أرخص وأكثر توافرًا، وكان عددٌ كبيرٌ من الأمريكيين يسافرون مسافاتٍ طويلة، وعلى عكس السيارات التي تعمل بالبنزين، لم تستطع السيارات الكهربائية أن تقطعَ تلكَ المسافات، علاوةً على عدم توافر الكهرباء في العديد من المدن الريفيّة، الأمر الذي جعلَ السيارات التي تعمل بالبنزين هي المفضلة.

ولكن في العام 1976 أصدرَ الكونغرس قانونًا ينصُّ على إجراء بحوث لتطوير السيارات الكهربائية والسيارات الهجينة، وذلك إثرَ ارتفاع أسعار النفط، ونقص البنزين، بالإضافة إلى الاعتماد على النفط الأجنبي، إذ بدأت العديد من الشركات بإجراء بحوثها الخاصة واقتراح الحلول الفعّالة فيما يتعلق بأزمة الوقود، غيرَ أنّه لم يحدث تغيير كبير في عالم السيارات حتى تسعينات القرن الماضي.

وفي العام 1997 أصبحت سيارة تويوتا بريوس Toyota Prius والتي صُنِعَت وعُرِضَت في اليابان، أول سيارة هجينة تُنتَج بأعداد ضخمة، ففي العام 2000 كانت تويوتا بريوس متوفرةً في جميع أنحاء العالم.

وفي العام 1999 عُرِضَت سيارة هوندا إنسايت Honda Insight في الولايات المتحدة الأمريكية.

وفي العام 2003 بدأت شركة تسلا موتورز Tesla Motors بإنتاج سياراتٍ كهربائيةٍ فاخرة، يمكنها أن تقطع مسافة 200 ميل، وذلك عند شحنها لمرة واحدة فقط، وقد عُرض الطراز الأول من تسلا في العام 2008.

في حين أصبحت سيارة Chevrolet Volt التي عُرضت في العام 2010، أول سيارة كهربائية مدمجة الهجين، إذ تحوي محرك بنزين يعمل عند نفاد البطاريات.

وفي العام 2010 أيضًا عُرضت سيارة نيسان ليف Nissan LEAF والتي كانت متاحةً للعامة بسهولة أكثر من تسلا موديل S.

واليوم، تقوم كل الشركات الكبرى، بالإضافة إلى العديد من الشركات الصغيرة، بتطوير سيارتها الكهربائية الهجينة.

وبعد سرد تاريخٍ طويلٍ عن السيارات، مرورًا بالعديد منها، نجد أن سيارة بنز كانت عمليّة، وتشبه السيارات الحديثة في عملها، إذ استخدمت محرك احتراق داخلي يعمل بالبنزين، وهذا ما جعل الفضل في اختراع السيارة يعودُ إلى كارل بنز.

حياة كارل بنز ولماذا هو مخترع السيارة

وُلِدَ بنز في العام 1844 في مدينة تقع جنوب غرب ألمانيا، تُدعى Karlsruhe، كان والده عاملًا في سكك الحديد، توفي والده بحادث وهو في عمر السنتَين، وبالرغم من الفقر الذي عانته عائلتُه، إلا أن والدتَه قدمت له الدعم وعملت على تعليمِه، إذ ألتحق بنز بجامعة Karlsruhe وهو في عُمر الخامسة عشرة، وتخرّج منها في العام 1864 حاملًا شهادةً في الهندسة الميكانيكية.

وقد فشل مشروع بنز الأول، والذي كان مصنع صفائح معدنية ومسبك حديد، في حين موَّلَت زوجتُه بيرثا رينغر Bertha Ringer مصنعًا جديدًا، عمل فيه بنز على صنع محركات غازية. ومن ثمَّ تمكّن بنز من صُنع عربته ذات العجلات الثلاث.

وبحلول العام 1888 كان بنز قد عمِلَ بالسّر على بناء ثلاثة نماذج من سيارته، إلى أن قررت زوجتُه بيرثا أن الوقت قد حان لعرضِ نماذجِه للعلن، فأرسلت ولدَيها المراهقين، بسيارته الأخيرة، ليقطعوا مسافة 66 ميل، حتّى يصلا إلى منزل والدتها، وقد ساعدت هذه الرحلة بنز على تحسين سيارته، كما بيّنت للعامة فائدة السيارات، وفي السنة التالية، عرض بنز سيارة موتورفاغن في المعرض الدولي بباريس.

توفي بنز في العام 1929، وذلك بعد سنتَين من اندماجه مع شركة زميله، صانع السيارات غوتليب دايملر Gottlieb Daimler لتشكيل ما يُعرَف اليوم بمجموعة دايملر التي تُصنّع سيارات مرسيدس بنز.


  • ترجمة : محمد غيث بغدادي
  • تدقيق بدر الفراك
  • تحرير: ناجية الأحمد
  • المصدر