لربما كان أرخميدس أعظم عالِمٍ في العالم – على الأقل الأعظم في العصر الكلاسيكي- ، فقد كان فيزيائيًا، وعالم رياضيات، وفلكيًا، ومخترعًا، ومهندسًا، ولا تزال العديد من اختراعاته ونظرياته ومفاهيمه قيد الاستخدام إلى اليوم، ولعل أفضل إنجاز له هو لحظة (وجدتها!)، عندما اكتشف قانون الطفو.

السيرة الذاتية:

عاش أرخميدس في سيراكيوز في جزيرة صقلية في القرن الثالث ق.م، ووفقا لـ (Scientific American- مجلة أدبية علمية أمريكية)، و (أرخميدس باليمبسيست)، كانت سيراكيوز في ذلك الوقت، واحدةً من أكثر المدن تأثيرًا في العالم القديم، قد مَلأت السفن التجارية من مصر واليونان وفينيسيا ميناء المدينة الدولة، كما كانت مركزًا للتجارة والفن والعلم.

وقد استقر أرخميدس – وفقا لـ (Scientific American )- بعد دراسة الهندسة وعلم الفلك في الإسكندرية، – أكبر مركز فكري في العالم القديم-، في سيراكيوز؛ لمواصلة حياة التفكير والابتكار.

وكان أحد اختراعاته لولب أرخميدس، أو (طنبور أرخميدس، أو شادوف أرخميدس)، وهو جهازٌ يستخدم لولبًا فلينيًا، مع أنبوبٍ مجوفٍ، وعندما يدور اللولب، يتم سحب المياه لأعلى الأنبوب، وكان يستخدم في الأصل لتفريغ مياه البحر من جسم السفينة، ولا تزال يستخدم هذا الجهاز اليوم، كوسيلةٍ للري في البلدان النامية، – وفقًا لأرخميدس باليمبسيست-.

يقول أرخميدس بشكلٍ مشهورٍ: “أعطني رافعةً، ومكانًا للوقوف، وسأحرك العالم”، يعبر هذا الادعاء المتفاخر في حقيقته، عن قوة الرفع، التي على نحوٍ مجازي على الأقل تحرك العالم.

أدرك أرخميدس أنه من أجل تحقيق نفس الكمية أو العمل، يمكن للمرء أن يفاضل بين القوة والمسافة باستخدام رافعةٍ، وينص قانون الرفع – وفقا لـ أرخميدس في القرن الـ 21)- على: (أن تكون الأحجام في حالة اتزانٍ على مسافات تتناسب عكسيا مع أوزانها)، وهو كتابٌ عمليٌ من قبل كريس روريس في جامعة نيويورك.

كما وضع أرخميدس دفاعاتٍ لسيراكيوز ضد الجيوش الغازية، وعزز جدران سيراكيوز وشيد آلات الحرب، فأوقفت أعماله الرومان لمدة عامين، ومع ذلك، في عام 212 ق.م، اجتاحت القوات تحت قيادة مارسيلوس المدينة.

كان مارسيلوس يكن الاحترام لأرخميدس، وأرسل الجنود لإحضاره؛ حتى يتمكن من مقابلة عالم الرياضيات الشهير أرخميدس، الذي كان يركز على حل مشكلةٍ رياضيةٍ، لدرجة أنه كان لا يعرف أن الرومان قد اقتحموا المدينة، وعندما طلب منه جندي مرافقته لرؤية الجنرال، طلب منه أرخميدس أن يذهب بعيدًا ،فضربه الجندي الغاضب، وأمر مارسيلوس أن يدفن أرخميدس مع الشرف، وتم نقش شاهدة قبر أرخميدس بصورة كرةٍ داخل أسطوانة، مما يدل على واحدةٍ من أطروحاته الهندسية.

وجدتها! وجدتها!

عُرف أرخميدس في التاريخ بالرجل الذي ركض عاريًا في شوارع سيراكيوز، مناديا (يوريكا!) – أو (أنا أملكه) باليوناني، وكانت القصة وراء هذا الحدث، أن أرخميدس كُلِّف بإثبات أن التاج الجديد لهيرون، ملك سيراكيوز، لم يكن من الذهب الخالص كما ادعى الصائغ، وقد كتبت القصة لأول مرة في القرن الأول ق.م، من قبل المهندس المعماري الروماني فيتروفيوس.

فكر أرخميدس طويلًا وبجد، ولم يجد وسيلةً لإثبات أن التاج لم يكن من الذهب الصلب، وبعد فترةٍ وجيزةٍ، ملأ حوض الاستحمام، ولاحظ أن الماء سقط من على الحافة فور دخوله الحوض، وأدرك أن الماء المستبدل بجسده يساوي وزن جسده، ومع العلم بأن الذهب أثقل من المعادن الأخرى التي كان يمكن لصانع التاج أن يستبدله بها، كان لدى أرخميدس طريقةً لتحديد أن التاج لم يكن من الذهب الخالص، وجرى أرخميدس عاريًا في الشارع من منزله إلى الملك، مرددًا (وجدتها!)، ناسيًا أنه لم يكن مرتديًا ملابسه.

قاعدة أرخميدس:

ينص مبدأ أرخميدس وفقًا لـ (بوندليس – Boundless)، على أن قوة الطفو لجسمٍ مغمورٍ في سائلٍ يساوي وزن السائل الذي أزيح بواسطة هذا الجسم، فإذا تمت تعبئة كأسٍ بالكامل بالماء، ثم أضيفت مكعبات الثلج إليه، ماذا سيحدث؟، سيحدث تمامًا مثل خروج الماء من الحافة، عندما دخل أرخميدس حوض الاستحمام الخاص به، سينسكب الماء في الزجاج عندما تضاف مكعبات الثلج إليه، فإذا تم وزن المياه التي انسكبت خارجًا (الوزن هو قوة الهبوط)، سنجد أنه يساوي قوة الصعود (الطفو) على الجسم، ومن قوة الطفو هذه، يمكن تحديد الحجم، أو متوسط كثافة الجسم.

استطاع أرخميدس أن يحدد أن التاج ليس من الذهب الخالص، نظرًا لحجم المياه المنسكبة؛ لأنه على الرغم من أن وزن التاج كان مطابقًا لوزن الذهب الذي أعطاه الملك لصانع التاج، كان الحجم مختلفًا طبقًا لاختلاف كثافة المعادن.

استخدامات قاعدة أرخميدس:

تتعدد استخدامات قاعدة أرخميدس قاعدة، وفائدتها، فهي – وفقًا لتفسير العلم- مفيدة في قياس حجم الأشياء غير المنتظمة، مثل التيجان الذهبية، وكذلك شرح سلوك أي جسمٍ يوضع في أي سائلٍ، وتصف قاعدة أرخميدس كيفية تعويم السفن، وغوص الغواصات، وطيران بالونات الهواء الساخن، والعديد من الأمثلة الأخرى، وتستخدم قاعدة أرخميدس أيضًا في مجموعةٍ كبيرةٍ ومتنوعةٍ من مواضيع البحث العلمي، بما في ذلك الطبية، والهندسية، وعلم الحشرات، والهندسة والجيولوجيا.

الأبحاث الحالية:

حجم وكثافة العظام:

لقاعدة أرخميدس العديد من الاستخدامات في المجال الطبي، وطب الأسنان، وتستخدم لتحديد كثافة العظام والأسنان، ففي دراسةٍ نشرت عام 1997م، في مجلة الهندسة الطبية والفيزياء، استخدم الباحثون مبدأ أرخميدس؛ لقياس حجم الجزء المسامي الداخلي للعظم، المعروف أيضا باسم (العظام المسامية)، ويمكن استخدام نسبة حجمية من العظم المسامي في مختلف الدراسات العمرية، والصحية بما في ذلك كونها مؤشرًا في دراسات الشيخوخة، وهشاشة العظام، وقوة وصلابة العظام، ودراسات المرونة، وقد تم اختبار طرقٍ مختلفةٍ باستخدام قاعدة أرخميدس؛ من أجل زيادة قابلية الاستنساخ للقياسات: إذ تم غمر أحد العظام في الماء المقطر، والأخرى غمرت في محلول الماء، مع محلولٍ يقلل الشّد السّطحي للسائل المذاب به، والثالث تم وضع العظام في إناءٍ محكم الغلق، إذ تم تسجيل التغيرات في ضغط الغاز.

وقد نشر مقال عام 2017م في مجلة جراحة، وطب، وأمراض، وأشعة الفم، يماثل هذا المقال في طبيعته المقال السابق- بيان استخدام أساليب مختلفة من أجل تحديد القابلية للاستنساخ، واحدٌ منها كان يستخدم مبدأ أرخميدس، وتمت مقارنة قاعدة أرخميدس باستخدام جهاز التصوير المقطعي المحوسب ذو الشعاع المخروطي (كبكت-CBCT)؛ لقياس حجم الأسنان، وأظهرت الاختبارات التي تقارن قاعدة أرخميدس، وقياسات (كبكت)، أن هذا الأخير سيكون أداةً دقيقةً في تنظيم عمليات طب الأسنان.

الغواصات:

يستند تصميمٌ بسيطٌ وموثوقٌ به وفعالٌ من حيث التكلفة، لغواصةٍ تم وصفها في مقالة في مجلة المعلوماتية والإلكترونيات، والرؤية عام 2014م، على قاعدة أرخميدس، صُمِّمَت الغواصات، -وفقا للمؤلفين-، للحركة مغمورةً تمامًا تحت الماء، وتعتمد على قاعدة أرخميدس من أجل الحفاظ على عمقٍ ثابتٍ، وتصميم هذا النموذج الأول للغواصة يستخدم الحسابات التي تشمل كتلة وكثافة وحجم كلٍ من الغواصة والمياه المزاحة؛ من أجل تحديد الحجم اللازم لخزان الصابورة، والتي سيحدد كمية المياه التي يمكن ملؤها، ومن ثم العمق الذي يمكن أن تغوص إليه الغواصة.

الحشرات التي تمشي على الماء (water striders):

في الوقت الذي تُستخدم فيه قاعدة أرخميدس في تصميم الغواصة؛ لمساعدتها على الغوص وإعادة الظهور، فإنها تفسر أيضًا السبب في كون بعض الحشرات يمكنها المشي على الماء، ففي دراسة نشرت عام 2016م في رسائل الفيزياء التطبيقية، استخدم الباحثون طريقةً لقياس الظلال التي تم إنشاؤها بواسطة الحشرات التي تمشي على الماء؛ من أجل قياس الانحناءات على سطحه، ويمكن بعد ذلك استخدام هذه الانحناءات؛ لاستخلاص حجم المياه التي نزحت، مؤديةً إلى القوة المستخدمة للحفاظ على حشرات المياه أثناء طفوها، وقال المؤلفون إن هناك قدرًا كبيرًا من الاهتمام في فهم الفيزياء وراء الحشرات التي تمشي على الماء من أجل خلق محاكاةٍ بيولوجيةٍ لروبوتاتٍ تمشى على الماء.

الجيولوجيا:

تصف دراسةٌ نشرت عام 2012م في المواد اللينة، نظرةً أكثر تعمقًا لقاعدة أرخميدس، الذي يسميها المؤلفون قاعدة أرخميدس المعممة، كما يمكن استخدام قاعدة أرخميدس كما في العادة كتقريبٍ فقط في كثير من الحالات؛ لدراسة ملامح الترسيب، بينما تفسر القاعدة المعممة ظواهر، مثل: جسيماتٍ أكثر كثافةٍ تطفو على سطحٍ سائلٍ خفيفٍ، وتكمن النقطة الرئيسية للمؤلفين في الاضطرابات الكثيفة التي تحدثها الجسيمات المعلقة في السائل، والتي لا تؤخذ في الاعتبار في الاستخدام التقليدي لقاعدة أرخميدس، ويستمد منها نهجٌ جديدٌ لقاعدة أرخميدس.