نقطة لاغرانج هي مكان في الفضاء حيث تجتمع قوى جاذبية جسمين كبيرين، مثل الأرض والشمس أو الأرض والقمر، تعادل قوة الطرد المركزي لجسم ثالث أصغر بكثير.

ويخلق تفاعل هذه القوى نقطة توازن حيث يمكن أن «تتوقف» مركبة فضائية  لأخذ ملاحظات.

هذه النقاط سميت باسم «جوزيف لويس لاغرانج» وهو عالم رياضيات في القرن الثامن عشر، كتب ورقة علمية عنها عام 1772 بشأن ما أسماه «مشكلة ثلاثة أجسام» وتسمى أيضا نقاط لاغرانجيان ونقاط مَيسان أي النجم الزاهر.

تركيب نقاط لاغرانج

هناك خمس من هذه النقاط حول الأجسام الكبيرة مثل كوكب أو نجم. ثلاثة منها تقع على طول الخط الذي يربط بين جسمين كبيرين.

ففي النظام الأرضي الشمسي على سبيل المثال، تقع النقطة الأولى « « L1بين الأرض والشمس على بُعد نحو مليون ميل من الأرض.

تلك النقطة تحصل على رؤية غير منقطعة للشمس، وتُستغل حاليًا من قبل المرصد الشمسي والهيليوسفيري (SOHO) ومرصد المناخ الفضائي العميق.

النقطة «L2» أيضًا تقع على بعد مليون ميل من الأرض، ولكن في الاتجاه المعاكس للشمس. عند هذه النقطة تقع الأرض، وخلفها القمر والشمس ويمكن هنا للمركبة الفضائية الحصول على رؤية واضحة من الفضاء السحيق.

ويوجد في هذا المكان حاليًا مسبار قياس الإشعاع الكوني الذي خلفه الانفجار الكبير. وسوف ينتقل تليسكوب «جيمس ويب الفضائي» إلى هذه المنطقة في عام 2018.

النقطة الثالثة «L3» تقع خلف الشمس، مقابل مدار الأرض. في الوقت الراهن، لم يجد العلم استخدامًا لهذه البقعة، على الرغم من الخيال العلمي الذي قد يبنى عليها.

وقالت ناسا في صفحة على شبكة الإنترنت حول نقاط لاغرانج: «من غير المحتمل أن تجد ناسا أي استخدام للنقطة L3 لأنها تظل مخفية وراء الشمس في جميع الأوقات».

كانت فكرة «كوكب إكس» الخفي في النقطة L3 موضوعًا شائعًا في كتابة الخيال العلمي. عدم استقرار مدار الكوكب إكس (على مقياس زمني 150 سنة) لم يمنع هوليوود من تحويل الفكرة إلى كلاسيكيات مثل فيلم (The Man from Planet X).

L1، L2، وL3 كلها نقاط في حالة توازن غير مستقر. في حال انحرفت مركبة فضائية في الطريق باتجاه الأرض أو بعيدًا عنها باتجاه L3، فإنها ستسقط بشكل لا رجعة فيه نحو الشمس أو الأرض.

يصفها عالم الفلك نيل ديغراس تايسون: «مثل عربة بالكاد تتوازن فوق تلة شديدة الانحدار» ويجب أن تجري المركبات الفضائية تعديلات طفيفة للحفاظ على مداراتها.

ولكن نقاط L4 وL5 مستقرة، «مثل الكرة في وعاء كبير» وفقًا لوكالة الفضاء الأوروبية. هذه النقاط تقع على مدار الأرض عند 60 درجة أمام الأرض وخلفها، وتشكل قمم المثلثات المتساوية الأضلاع الكتل الكبيرة مثل الأرض والشمس.

بسبب ثبات هذه النقاط، فإن الغبار والكويكبات تميل إلى أن تتراكم في هذه المناطق. الكويكبات التي تحيط النقطتين L4 و L5تسمى أحصنة طروادة تكريمًا لكوكيبات أخيل وهيكتور (شخصيات في قصة تروي).

وتذكر وكالة ناسا أن هناك آلاف من هذه الكويكبات الموجودة في نظامنا الشمسي، بما في ذلك كويكبات طروادة المعروفة فقط في الأرض TK7 2010.

L4 وL5 هي أيضًا نقاط محتملة لمستعمرة الفضاء بسبب قربها النسبي من الأرض، وفقًا لكتابات جيرارد أونيل والمفكرين على الأقل.

في السبعينيات والثمانينيات قامت مجموعة تدعى «جمعية «L5 بتعزيز هذه الفكرة بين أعضائها. وفي أواخر الثمانينيات اندمجت في مجموعة تعرف الآن باسم الجمعية الفضائية الوطنية، وهي منظمة تؤيد وتشجع فكرة تكوين حضارات خارج الأرض.

فوائد نقاط لاغرانج

إذا كانت المركبة الفضائية تستخدم نقطة لاغرانج القريبة من الأرض، فإن هناك فوائد كثيرة للموقع، وفقا لما ذكرته إيمي مينزر من مختبر الدفع النفاث لموقع space.com

مينزر هي الباحث الرئيسي لبعثة NEOWISE، وهي بعثة للبحث عن الكويكبات القريبة من الأرض باستخدام الأشعة تحت الحمراء، حيث مسحت المركبة الفضائية وايز الكويكبات التي تدور بالقرب من كوكبنا.

وفي حين أن وايز سارت على ما يرام في مهمتها ذات الثلاث سنوات، والتي انتهت في 2016، قالت مينزر: «أن المركبة الفضائية التي وضعت في نقطة لاغرانج ستكون قادرة على القيام بالمزيد».

وبعيدًا عن حرارة وضوء الشمس، فإن المركبة الفضائية التي تبحث عن الكويكبات في نقطة لاغرانج ستكون أكثر حساسية لإشارات الأشعة تحت الحمراء الدقيقة الصادرة من الكويكبات، ويمكن أن تعمل على مجموعة واسعة من الاتجاهات.

ورغم كونها قريبةً من الشمس فلن تحتاج إلى سائل تبريد لتبقى باردة، حيث ان الموقع نفسه يسمح للتبريد الطبيعي.

وسوف يستفيد تلسكوب الفضاء جيمس ويب من البيئة الحرارية عند النقطة L2 الشمس أرضية للمساعدة في الحفاظ على البرودة.

علم نقاط لاغرانج :

تقع العديد من المراصد الفلكية والأرضية في نقاط لاغرانج، وتمنحنا فرصة مؤاتية للنظر إلى كوكبنا والفضاء لا يمكننا الحصول عليها عن قرب.

ويقوم العلماء بإجراء دراسات دورية للأجسام الصغيرة التي تدور بشكل طبيعي في نطاق نقاط لاغرانج. وفي ما يلي بعض النتائج العلمية الحديثة:

في عام 2016، نشرت وكالة ناسا شريط فيديو عن دوران الأرض خلال عام كامل، استناداً إلى 3000 صورة التقطت كل ساعتين بواسطة كاميرا إبيك من القمر الصناعي لمرصد الفضاء العميق (DSCOVR) الذي كان في النقطة L1. بالإضافة إلى عرض صور جميلة، إبيك يوفر للعلماء مقاييس بيئية مثل ارتفاع السحاب، انعكاس الأشعة فوق البنفسجية، أو مستويات الأوزون والهباء الجوي.

في فبراير 2017، أمضت بعثة OSIRIS-REX في طريقها إلى الكويكب «بينو» حوالي 10 أيام بحثًا عن كويكبات طروادة إضافية في نقاط لاغرانج القريبة من الأرض. وقال دانتي لوريتا عالم الكواكب في مختبر القمر بجامعة أريزونا في يناير الماضي: «هذا سيكون أكثر شيء جذاب قمنا باكتشافه». وأظهر البحث أحصنة طروادة جديدة، ولكن مركبة فضائية أخرى ربما تكتشف المزيد في المستقبل.


  • ترجمة: عمرو سيف
  • تدقيق: محمد عبدالحميد ابوقصيصة
  • تحرير: أحمد عزب

المصدر